يلعب قادة ورؤساء الدول والشعوب عادة الدور الأساس في إدارة البلاد ، في الحرب كما في السلم ، وحيث يَعتبر أعداء تلك الدول أنه في تغيّيب القادة الفاعلين من خصومهم ، ضرورة وحاجة لتسهيل معركتهم ، يُصبح استهداف هؤلاء القادة هدفاً رئيساً يُعمل عليه ليل نهار ، و في حال كان هؤلاء الأعداء فاقدين لاي رادع انساني او قانوني أو أخلاقي ، او لجميعها كما التحالف السعودي ، يصبح الاغتيال مُحللا لهم بشتى الأساليب والطرق ، و بمعزل عما يمكن أن تسببه جريمتهم من خسائر في أرواح المدنيين الأبرياء ، يبقى بالنسبة لهؤلاء المجرمين ، القانون الدولي و قانونُ الحرب والنزاعات المسلحة ، حبراً على ورق ، وبنوده لا تُنَفّذ ، تُدرج فقط لتتزين بها شرعة الامم المتحدة .
من هنا وفي هذا الإطار ، جاءت جريمة اغتيال الشهيد صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الاعلى في اليمن ، اولاً لتؤكد اهمية الدور الذي كان يلعبه الشهيد في إدارة معركة الدفاع عن اليمن ، وثانياً لتعطي فكرة واضحة عن الافلاس العسكري والأخلاقي الذي أصاب القتلة مجرمي التحالف الأميركي السعودي ، على خلفية فشلهم في هذه الحرب .
لقد كان لافتاً الدور الذي لعبه الرئيس الشهيد ، من خلال إدارة قدرات وجهود ابناء اليمن الشرفاء في معركة الدفاع عن اليمن في اصعب الظروف ، وبمواجهة تحالف اخطبوطي ، يملك – بالمبدأ – إمكانيات ضخمة في المال والسلاح والإعلام ، بالإضافة لامتلاكه سطوة غريبة على العديد من الدول و على منظمة الامم المتحدة ، و قد فرض الرئيس الشهيد نفسه في هذا الدور المميز من خلال قدراته التالية :
شخصيته وأخلاقه
– قد تكون الشهادة الأكثر تعبيرا عن مميزات الشهيد الرئيس صالح الصماد ، هي التي جاءت في الخطاب الاخير للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي ، فانطلاقا من إيمانه والتزامه الديني الصادق ، تحمل الشهيد المسؤولية في إصعب الظروف وأخطرها ، و حيث كان فاهِما ومُدرِكاً لِحاجة الاعداء لتغييبه ، ولحتمية ذهابهم حتى النهاية في ملاحقته ، لم يتهرب من تحمل المسؤولية ، و واضعا شرف التضحية بحياته نصب عينيه ، لم يتأخر يوما في التواجد حيث يجب أن يكون ، قائدا لمعركة الدفاع و الصمود حتى النصر .
– مقارنة مع حكام ورؤساء سبقوه في منصبه ، من الذين استغلوا الموقع لتكديس الارصدة المالية وامتلاك العقارات والاستثمارات ، عاش الشهيد زاهدا فقيرا شريفا ، وحيث كان دائما قريبا من هموم الناس ومعاناتهم ، استشهد في أحد أحيائهم الفقيرة المعدومة المدمرة .
قدرته في ادارة المعركة في الميدان
– كانت دائما جولاته الميدانية في المواقع والجبهات الأكثر خطراً ، والتي كانت في الحقيقة تشكل المواقع الأكثر تأثيرا في مسار معركة الدفاع عن اليمن ، و حسّه الأمني والعسكري كان يدفعه دائما للتواجد في المكان الحساس وفي التوقيت المناسب ، وحيث امتلك مع السيد عبد الملك الحوثي نظرة استراتيجية ثاقبة ، كان لمشروع تطوير القدرة الصاروخية اليمنية والذي كان احد رواده ، دور فعال في فرض معادلة استراتيجية وفي تثبيت ونجاح معركة الدفاع عن اليمن .
– من خلال إيمانه بقدرة الشعب اليمني على الصمود والمواجهة رغم الظروف والإمكانيات المتواضعة ، كان من المتابعين الدائمين للوحدات العسكرية ، تدريبا وتجهيزا وتخطيطا ، وبحضوره الدائم لأغلب المناورات العسكرية من جهة ، و لاحتفالات تخريج قوات الامن المركزي أو عناصر القوات المسلحة ، استطاع البقاء على مسافة قريبة من تلك الوحدات ، مكَّنَته من قيادة وإدارة جبهات المواجهة و معارك الصمود في كافة ميادين القتال ، داخل اليمن او على جبهة ما وراء الحدود في المحافظات السعودية ، نجران وعسير وجازان ، حيث فرضت تلك الوحدات معادلة ميدانية استراتيجية لا يمكن تجاوزها .
إمكانياته السياسية والديبلوماسية في إدارة التفاوض والمعركة الخارجية
من خلال خبرته السياسية والديبلوماسية ، أدار مفاوضات الضغط والابتزاز التي كان يمارسها التحالف السعودي الاميركي ، ومن ورائه المجتمع الدولي ، على أبناء اليمن ، وحيث كانت تلك المواجهة الديبلوماسية مع مبعوثي الامم المتحدة او مع مبعوثي الدول الإقليمية والغربية ، تتزامن دائما مع المواجهة الميدانية على الجبهات ، من دون أن تختلف كثيرا عنها في شراستها وفي حساسيتها ، استطاع بقدراته و بثباته ، الصمود في وجه ضخامة الإغراءات وأشكال الابتزاز والضغط والتهديد والوعيد .
من خلال وعيه وحكمته ايضا ، ساهم مع السيد عبد الملك الحوثي ، في تخطي الجبهة الداخلية للقطوع الاخطر ، في ملف الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، وحيث كان مُخططا عبر هذا الملف توجيه ضربة قاضية لمعركة الدفاع عن اليمن ، عبر نشر الفتنة والانقسام الداخلي ، خرج الداخل اليمني أكثر مناعة وقوة وتماسكا .
وأخيرا ، بقدر ما كانت خسارة اليمن – دولة وشعبا وجيشا ولجانا شعبية – غير بسيطة ومؤلمة عبر استشهاد الرئيس الصماد ، بقدر ما ظهر اليمنيون متماسكين أشداء في المواجهة الكونية ضدهم ، و حيث برهنت هذه المدرسة اليمنية اللافتة التي وُلِد منها الرئيس الشهيد ، و التي صقلتها معمودية الحرب والصمود والميدان ، انها قادرة على خلق العديد من القادة الاكفاء ، يبدو ان رئيس المجلس السياسي الأعلى الجديد ، الرئيس مهدي المشاط ، سيكون البديل المناسب الذي سيقدم ، اولا لروح الشهيد التقدير الذي يستحقه ، عندما يبرهن ان لا شيء تغير في قيادة معركة ابناء اليمن ، و الذي سيقدم ثانيا للمجرمين أعداء اليمن ، الصفعة التي يستحقونها ، عندما يكتشفون أن الرئيس الشهيد صالح الصماد ما زال بطيفه وبروحه ، يقاتلهم كما يجب أن يُقاتَلوا .