بإمكاني القول ان الثقافة هي الطريقة التي يمارس بها كل مجتمع طقوسه في الحياة
وهي التي تكسبه هويته وتميزه عن المجتمعات الاخرى ، بيد اني سأقتصر على المفهوم الذي ينظر للثقافة كحالة فكرية يغدو معها الانسان مثقفاً عندما يحاول ان يصعد نحو فكرة الكمال لإنجاز طموح إنساني ، اي عندما يفكر المثقف للإنسانية جمعاء بها ولها ومن اجلها .
وبدون هذا الفهم الإنساني لدور المثقف الذي يجعل من الانسان - المكرم بأصل الخلق وليس المضاف اليه نكهات بشرية كاللون والعرق واللغة والدين والمذهب والوطن والحزب - محوراً لكل إبداعاته الفكرية والثقافية ويعتمد على العقل والمنطق - وليس العاطفة والمناطقية - تكون الثقافة مزورة وأداة لتزييف الوعي وليس لتنويره .
يا صديقي : كل فعلِ يركن للعاطفة ويستند عليها هو ردة فعل غير مأمونة العواقب وتأتي ثمار نتائجه نيّة غير ناضجة ويمكن أن نغفر للأطفال ارتكانهم للعاطفة في تسير أمور حياتهم ظناً منهم - وظنهم كله أثم - أنها اوتوستراد آمن للوصول السريع ، أما أن يستخدم المفكر والمثقف العاطفة في تعاطيه مع الأمور المفصلية الفارقة في تقرير مصائر الأغلبية الساحقة - التي تستثيرها العاطفة وتدغدغ مشاعرها - كتكتيك آني ولحظي ويضرب بالعقل الاستراتيجي خلف الحائط فتلك الطامة الكبرى التي تؤدي الى نتائج كارثية على المستوى الآني المنظور والبعيد المرتقب .
ذلك ما حدث بالضبط لللمثقف - الطفل - الذي لم ينفطم من المناطقية - وجعلها بديلاً عن المنطق -عندما ضيق حدود أفكاره وأطلق العنان لعواطفه وظل يمص أصابعه ويتغذى منها وهم العاطفة بدل حليب العقلانية .
فالمثقف الذي يظن ويعتقد أن تعز أهم من اليمن -وأن الفرع يمكن أن يطغى على الأصل ويتجاوزه - هو واهم ويعيش حالة مراهقة فكرية لا يرى فيها سوى أناه المريضة ، فاليمن من دون تعز هي اليمن وتعز من دون اليمن مدينة بلا وطن ، وفرع مقطوع عن أصله سيضمر لاحقا ومدينة مزدحمة ومتخمة بأبنائها .
صديقي مدعي الثقافة : هل تعلم أنك كلما ضيّقت دائرة أفكارك وانتمائك كلما رجعت الى نفسك وأناك لترى أنك أفضل من الآخرين وتثقفت بثقافة ابليس الذي قال ( أنا خير منه ) وكان اول مثقف على وجه الارض يتباهى بثقافته على الأخرين وقد أثبت له الله - وللملائكة - أن آدم أكثر علما وثقافة منهم جميعا - ولا يزال إبليس حتى اللحظة مطرودا من رحمة الله بسبب ثقافته الزائفة وغروره الأحمق .
فعندما تتعصب لمدينتك تعز وتراها أهم من الوطن وتظن - وظنك كله أثم - أنك مثقف ثوري ومقاوم - لجيشك الوطني فقط - وترحب بوقاحة وقلة حياء بالغازي والمحتل وتعتبره محرراً ويزين لك شيطانك الداخلي - المناطقي ، المذهبي ، الحزبي - انك على الحق وتدعمه شياطين الجزيرة والحدث الأكبر من العربية في ذلك التزيين ولا تعرف أنك أنزلقت الى المناطقية الضيقة التي سوف تجعلك ترى فيما بعد مديريتك - في إطار مدينتك - أولى بالتعصب لها من بقية المديريات وقريتك في إطار المديرية أهم من باقي القرى وأسرتك في إطار القرية أهم من باقي الأسر وأنت في إطار أسرتك أهم من باقي إخوتك ، ضيقت الدائرة ولم تبقِ فيها سواك وسوف ترى أنك خير من الجميع لأنك مثقف والآخرون ليسوا هم الجحيم - كما قال سارتر زعيم الوجودية - بل ليذهبوا الى الجحيم كما تقول نفسك الأمارة بسوء الثقافة .
وهل تعلم يا صديقي المثقف أن لا فرق بين من يتباهى بالعِرق الذي ينتسب اليه ومن يتباهى بالمدينة التي ينتمي اليها ، سوى أن الأول يتباهى بأشرف إنسان والثاني يتباهى بأوضع جماد . وهل تعلم أيضاً أن الإنسان هو من ينسج خيوط الثقافة وليست هي التي تحيك إنسانية الانسان ، فقد وجدت الثقافة من أجل الإنسان ولم يوجد الإنسان من أجلها .
وبعد ذلك يمكن أن تسأل نفسك :
ما فائدة الثقافة المزورة التي تقلب الحقائق وتزييف الوعي ؟ إنها عملة رديئة مزيفة تروج لبعض الوقت فقط ولن تستمر طويلاً .
وماذا يفيد تعز لو كسبت كل ثقافة الدنيا وخسرت خيرة أبنائها ؟ وفقدت أنتمائها الوطني وأصبحت مدينة بلا هوية .