لا سبيل لإنجاح الأعمال العظيمة إلا من خلال العمل على الاختيار السليم لنوعية الأشخاص الذين لديهم الاستعدادات والقابليات اللازمة للقيام بتلك الأعمال على أكمل وجه، ولكن كيف نتوصل إلى معرفة مثل هؤلاء؟
لقد ظل هذا الموضوع محل نقاش دائم ومستفيض من قبل المهتمين بمتطلبات التغيير والإصلاح المجتمعي، وسبل إنجاح الثورات التحررية، وما من مفكرٍ ثوريٍ تقريباً إلا وقد أدلى بدلوه بخصوص ذلك، منهم مَن قال: إن الأعمال الكبيرة لا يستطيع القيام بها سوى أولئك الذين هم على درجة عالية من الوعي والإخلاص والنزاهة، وقد يعرفهم الناس من خلال الأعمال الصغيرة التي قاموا بها وحققوا على إثرها نجاحات غير متوقعة، وهم على الرغم مما حققوه لايزالون على حالهم كما عرفهم الناس أول مرة، فلا جيوبهم واسعةٌ ولا بطونهم منتفخةٌ.
وهناك من المفكرين التغييريين مَن استطاع استيحاء المفاهيم الحركية من سيرة الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، وذلك من خلال ما تضمنه القرآن الكريم من القصص التي تحكي عن طبيعة التحديات التي واجهوها، وتوضح طبيعة الدور الذي قاموا به، ولا يكتفي القرآن الكريم بسرد ما نهضوا به من مهام ناجحة بشكل مجرد لا يربط المقدمات بالنتائج، بل نراه يتعرض لأدق التفاصيل، لاسيما ما يتعلق بنفسية أولئك الأنبياء، لما لذلك من أهمية لمَن سيأتون بعدهم، فهذا نبي الله موسى، لما صدر التكليف له من الله بحمل الرسالة، كان أول شيءٍ التفت إليه هو الجوانب التي يرى فيها عامل إضعاف للدور الرسالي المكلف بالقيام به، وقبل أن يلتفت إلى الواقع وما فيه من تحديات التفت إلى نفسه طالباً من الله أن يخلصه من عوامل الضعف التي يجدها فيها، وذلك بقوله تعالى على لسان موسى: «قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي...».
ولعل أبرز ما يمكننا استيحاؤه من دعائه هو:
أولاً: عدم الركون إلى النفس مهما بلغ التغييري من مكانة، ومهما حاز من شرف السبق والتقدمة في سبيل الله، وضرورة الرجوع إلى الله لطلب العون للتخلص مما قد يشكل عائقاً بينه وبين القيام بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، والهداية إلى ما فيه صلاح الباطن واستقامة وثبات الظاهر.
ثانياً: إن الرسالي لا يرى المهمة التي يجب عليه القيام بها وإنجازها امتيازاً ذاتياً متوقفاً عليه لا يحق لأحد مشاركته فيه، ولذلك فهو يسارع للاستعانة بذوي الخبرات والمعارف من أجل تحقيق الأهداف التي يسعى لتحقيقها، ومعاييره في ذلك لا تخضع للمزاج الذاتي أو هوى النفس، بل تقوم على أساس الإخلاص للرسالة والصدق مع الله سبحانه وتعالى، كما أن ذلك لا يعد عيباً أو منقصةً بحق الرساليين عندما يستعينون بأهل الثقة والخبرة، فقد فعلها الأنبياء؛ وهم أكمل خلق الله وأقربهم إليه.
* نقلا عن : لا ميديا
طباعة الصفحة
مقالات ضدّ العدوان
فيسبوك 
تويتر 
يوتيوب 