يرجع تصنيف الأديان للأيام الفضيلة إلى الأحداث التي غيرت مسار الإنسانية في رحاب رسالات السماء. ومثلما للأيام فضائلها، أيضاً للبلدان مكانتها، ولفلسطين مكانة سامقة اكتسبتها من تاريخ محمدي ومسری للنور ومعراج للصدق... فهي قضية أمة، وبوصلة الفعل، وهي الموقف الذي يحدد تواجد العروبة والإسلام في الخيار الشجاع في الأوقات الحرجة، وهي المسافة بين الإيمان بالقضية والقدرة على الفعل، التي تحدد الواقفين مع الأمة لصناعة كرامتها وبين من يتوارى خلف خيباته وانكساراته.
فما بين الموقف اليمني بدخول الحرب، والموقف الرسمي العربي، بون شاسع، فاليمني يدرك أن الفعل هو الخيار، بينما الأنظمة العربية تجيد الشجب والاستنكار والقمم المفرغة.
وحدهُ اليمني لم يعد يخشى أي حروب قادمة؛ لأنه يدرك أن هذا هو الفن الجميل الذي يجيد ممارسته أنصار الله كأساس لانتزاع القرار السيادي بقوة واستعادة الحقوق. لم يتوقع الكثير مشاركة فعلية لليمن في الحرب المعلنة أمريكياً بأيادي لقطاء اليهود المتجمعين من أصقاع الأرض كنفايات للتاريخ العنصري. الموقف الرسمي والشعبي اليمني أثبت أن الكبار يصنعون كرامة أوطانهم بإرادتهم، ويهدم البعض شرفهم بنفسياتهم المأزومة.
التحام اليمني مع الفلسطيني في المعركة دليل على أن اليمن غادر مربع الذل، وتعبير عن القدرة على المضي في خط مقاوم للاستكبار ومغاير للأنظمة القائمة علی فلسفة أن «قوة الكيان الصهيوني غير قابلة للهزيمة»، وهو التخدير الإعلامي الذي جعل الأنظمة العربية خارج مسؤولياتها في قضية أمة، بل قضية وجود.
صنعت الأنظمة العربية وهم الضعف وصدقته، لذا تجد الدهشة والحيرة وعدم التصديق في وجوه الساسة وإعلاميي هذه الأنظمة من دخول اليمن في الحرب كجبهة رئيسية ضمن توحد ساحات المقاومة في وجه المشروع الغربي، وذلك بإيقاف الدعم العسكري والاقتصادي الآتي من البحر للكيان المحتل وإنزال سكان «إيلات» من اليهود إلى ملاجئ تحت الأرض.
مع تسارع خطوات التدخل وبأشكال مختلفة، بات يدرك الجميع مدى تأثير هذا التدخل على سير المعركة. ولعل أكبر المكاسب بعد الإصابات المباشرة في الكيان هو كسر الحجة الركيكة للفكر المستسلم، وشحذ الهمم الثائرة، وإيجاد بدائل لرؤية سياسية وفكرية وإعلامية وعسكرية لتلك التي شاخت وصارت تشبه المومياوات المتحجرة على كراسي الحكم، ولم يدلنا على موتها سوى التطبيع وأيادٍ تمتد لمصافحة العهر الغربي ومثليته السياسية والقيمية المتعرية.
دخول اليمن الحرب وضع مداميك لقواعد اشتباك جديدة ومغايرة لما قبل الطوفان، مفادها أن الموقع الجغرافي والإرادة القوية في اتخاذ القرار وتنفيذه والمضي فيه حتى أقصى ما يمكن، سيجعل لهذا البلد حسابات كبيرة في أي حروب قادمة. هذه هي الخطوط الحمراء التي يضعها اليمن في وجه أي تدخل، ليس في اليمن، بل وفي المنطقة، وبهذا يسطر اليمن حضوره الوجداني في ضمائر أحرار العالم وكسر وإفشال الهيمنة الغربية بالاستفراد بالقضية الفلسطينية في زمن تدحرج العقالات المهترئة إلى أحضان الكيان ومشاريع الغرب بقطبه المحتضر قيمياً وسياسياً.
إن الخطوة الشُجاعة والقنبلة شديدة الانفجار هي قدرة صنعاء على أن تفرط عقد الاستسلام الرسمي العربي، ووقف ذلك الاستسلام الرخيص، وهي بهذا تضع خطوطاً حمراء وقواعد اشتباك مغايرة لما قبل الطوفان، وتحدد مسارات مختلفة، ليس كلاماً فقط بل وفعلاً.