|
من زرع الخوف حتى في بيوت الله
بقلم/ د.أسماء الشهاري
نشر منذ: 8 سنوات و 3 أشهر و 21 يوماً الجمعة 26 أغسطس-آب 2016 07:20 م
إذهب أنت لكن.. اتُرك طفلي.. نعم هذا ما قالته زوجته و عيناها قد اغرورقتا بالدمع، فنظر إليها بِحزن و صمت و تسائل في نفسه، و ماذا عني ألا يُهمّكِ أمري.. طأطأ رأسه و أفلت يد ولده الصغير الذي كان في غاية السعادة كونه سيذهب مع أبيه و كان قد ارتدى أجمل ملابسه.. لكن والده خرج مُسرِّعاً و أغلق الباب و شقَّ طريقه، نظر الطفل إلى والدته نظرة عتب و لوم فهي السبب و هي من منعته من خروجه المحبب مع أبيه ثم ركض عنها بعيداً و أخذ في البكاء و قال لها:لِمَ فعلتي ذلك؟ أنا لا أُحبك!!
صمتت الأم في حزن فهي لا تعرف كيف تشرح لابنها الصغير لماذا فعلت ذلك.. كان الأب يمشي في الشارع بخطوات متثاقله و بطيئه و كأنهُ في حيرة.. و كأنه لا يعرِّف هل يُكمِّل طريقه أم لا، فتارة يلتفت إلى منزله و كأنه يهم بالعودة و تارة يُبطأ في مشيه، و نفسه تصرخ بِداخلِه : ما الذي يحدث لي أو ما الذي يحدُث معي؟ فجأةً.. لم يعرِّف إلا و قد انحرف في السير عن المكان الذي كان يقصده و قلبه يعتصِّرُ ألماً فهو أحبَّ الأماكن إلى قلبه و ارتباطه به كارتباط الروح بالجسد، تألم كثيراً و لم يعرِّف هل يعاتب نفسه أم يرثى لحالها، لكنه رفع يديه إلى السماء و قال : ربِّ أنت تعلم أن بيتك هو أحبُّ الأماكن إليّ و أني ما قد تخلفت عنه إلا لعذرٍ قوي و أني لأحب أن أقف بين يديك فيه و لا أقطعه حتى تنقطِع أنفاسي و أن طفلي و أهلي قد أوكلت أمرهم إليك و أنت أرحم الراحمين، لكن َ لي ديناً لم أقضِهِ بعد.. ثم ذرفت عيناه الدمع رغماً عنه.. و هو يشكو حالهُ لِربهِ....
يالَهُ من موقف.. لم أعد أعرِّف هل ألوم هذا الرجل أم ألتمِس لَهُ العذر.. آهٍ.. آه.. و هل يُعقَّل أن أكثر الأماكن أمناً من كان يُلتمَس للأمان و الإطمئنان قد باتَ مدعاةً للخوف و القلق، كيف لنا أن نصدِّق أن أكثر الأماكن جمالاً و أمناً من قصدهُ اليوم فكأنَه يخطو إلى أجلِّه أو أنها ستكون آخر صلاة يصليها في حياته، و ما هو شعور تلك الأم أو الزوجة أو الأخت.. هل تنظر إليه و هو يذهب بصمت أم تمنعهُ من بيت ِ الله؟ و هل على من يذهب للصلاة في المسجد أن يترُكَ وصيته و يودع أهله قبل ذهابه لأداء الفريضة فقد تكون آخر فريضة يؤديها.. ما أكثر الأسئلة و ما أصعب الإجابة.. ما أصعبها.. أم هل نقول وداعاً أيّتُها المِأذنة و وداعاً يا أعظم الأماكن لأنفسنا و أقربها لِأرواحنا.. و هل يُعقَل ذلك و هل نُعطي الأعداء ما يتمنون!! و لكن ما نستطيع قوله تباً لِكُلِّ الحمقى الذين يسعون أن يطفئوا نور الله و اللهُ مُتِّمُ نوره ولو كره الكافرون؛؛
|
|
|