مؤخرًا، لم يتردد العديد من النواب والمسؤولين والاعلاميين إلاسرائيليين، في الدعوة الصريحة إلى اغتيال قائد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار، مبررين ذلك في مقابلات وتغريدات رصدتها عدة وكالات ووسائل اعلامية بمسؤوليته عن الهجوم الذي وقع مساء الخميس في مدينة إلعاد قرب "تل أبيب" وسط الكيان، وأدى إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين، وإصابة عدد آخر، بينهم اثنان إصاباتهما خطيرة. وفيما دعا بشكل علني وواضح النائب من حزب "الليكود" اليميني المعارض يسرائيل كاتس في حديث لإذاعة "103 أف أم" الإسرائيلية إلى اغتيال السنوار، لم تُعلن "حماس" مسؤوليتها عن تنفيذ الهجوم، ولكنها رحبّت به معتبرة أنه رد على "الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والمقدسات والمسجد الاقصى والقدس بشكل عام".
في الظاهر، مع وجود بعض الاستثناءات الضيقة جدًا، يمكن لـ"اسرائيل" أن تغتال أغلبية من تريد من قادة أطراف محور المقاومة، فهي تمتلك جميع الوسائل المناسبة للاغتيال من طائرات قاذفة وطوافات ومسيّرات وصواريخ ومن قدرة استعلامية وتقنيّة في التنصت والمراقبة والرصد، ومن أجهزة مخابراتية وأمنية (موساد وشاباك...الخ) لها قدرات ذات مستوى دولي أبعد من داخل الكيان، وأيضًا تستطيع أن تستفيد من الولايات المتحدة الاميركية في هذا المجال، كحليف قوي وقادر ومتمكن ومتمرس أيضًا في عمليات الاغتيال.
صحيح أيضًا أن "اسرائيل" نفذت خلال السنوات الماضية، العشرات من عمليات "الاغتيال" بحق القادة الفلسطينيين من مختلف الفصائل، وارتقى بنتيجتها معظم قادة الصف الأول في حركة "حماس"، ومن ضمنهم مؤسسها الشيخ أحمد ياسين، بالاضافة لتنفيذها خلال مسار طويل مروحة واسعة من عمليات اغتيال لكوادر وعلماء فلسطينيين وغير فلسطينيين، ولكن، لا شك أن هذه الاستراتيجية أصبحت اليوم أكثر حساسية بالنسبة لـ"اسرائيل"، فأين تكمن صعوبة أي عملية اغتيال يقوم بها العدو؟ وماذا ستكون تداعياتها وخطورتها عليه؟ وكيف يمكن تقييم نتائج أي اغتيال لواحد أو أكثر من قادة محور المقاومة بشكل عام؟
لا شك أن عملية إلعاد الأخيرة والتي سقط فيها ثلاثة اسرائيليين وعدة مصابين، بدت السبب المباشر لاثارة نقمة الاسرائيليين الواسعة ضد السنوار، حيث جاءت مباشرة بعد كلامه الأخير في ذكرى يوم القدس، والتي كانت كلمة متقدمة جدًا لناحية الطروحات الحساسة وغير المسبوقة التي أثارها فيها، ومنها كلامه عن: "تنسيق لكسر الحصار عن غزة، ودعوته الشعب الفلسطيني بأن يتجهز لمعركة كبيرة إذا لم يكف الاحتلال عن الاعتداء على المسجد الأقصى، ومطالبة كل فصائل المقاومة في قطاع غزة أن تكون على أهبة الاستعداد والجهوزية، لأن المعركة لم تنتهي بانتهاء شهر رمضان بل ستبدأ بانتهائه، وبأن "سيف القدس" سيبقى مرفوعًا ولن يُغمَد حتى نصلّي في القدس، وأن الرشقة الأولى من الصواريخ وعددها 1111 صاروخ ستكون باسم ياسر عرفات".
لكن كلام السنوار هذا لم يكن جديدًا لناحية ما وصل إليه مستوى الالتزام الفلسطيني بالمواجهة مؤخرًا، وخاصة بعد عملية "سيف القدس" العام الماضي، بل جاء ترجمة صادقة للمزاج الشعبي الفلسطيني بكافة فصائله ومكوناته، وهذا هو الأساس أو النواة الذي استشعرت فيه "اسرائيل" الخطر على كيانها، حيث نجح السنوار في نقل حقيقة وحساسية ودقة هذا التطوّر في الموقف الفلسطيني، ومن الطبيعي أن تفكر "اسرائيل" في تنفيذ عمليات اغتيال لقادة فلسطينيين من الذين أصابوا منها مقتلًا عندما نجحوا (والسنوار نموذج واضح عن هؤلاء) في ابراز النواة أو الأساس الذي يوحد ويجمع الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني بمعزل عن هوية فصائل المقاومة تحت عنوان تثبيت الالتزام بالقدس، وربط كل مسار ومناورة واستراتيجية المقاومة برمزية المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
في الواقع، ومن خلال متابعة "اسرائيل" لمسار العمل الفلسطيني المقاوم في المرحلة الأخيرة، فقد اكتشفت - ومن خلال العدد الكبير الذي سقط لها في هذا المسار - هذا التغيير الدراماتيكي في مستوى وقدرات المقاومة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة، والذي تمثل أولًا بوحدة فلسطينية شاملة عبّرت عن التزام كامل بخيار المقاومة في كل المناطق المختلفة من الاراضي المحتلة، وتمثل ثانيًا بالتزام واضح بين كل مكونات وفصائل هذا الشعب، وتمثل ثالثًا في ما أظهرته المقاومة من امتلاكها لقدرات وأسلحة جديدة فعالة مثل صواريخ ارض - جو (ستريلا)، بالاضافة للتقدم الواضح في مناورتي الصواريخ ارض - ارض والأنفاق.
كل هذا التغيير الدراماتيكي الذي لمسته "اسرائيل" لدى المقاومة الفلسطينية، والذي هو أساسًا غير مرتبط بأي عملية اغتيال مسبقة لأحد قادتها، حتمًا سيكون مضاعفًا فيما لو حصلت إحداها اليوم، وكلام وتصريحات كوادر من مختلف فصائل المقاومة في ردة فعل أولية على التهديد الاسرائيلي باغتيال السنوار، تحمل في طياتها مضمون ومستوى ردة الفعل العملية، مثل:
- "اغتيال السنوار سوف يفتح على العدو أبواب جهنّم وستكون معركة مفتوحة في كلّ الساحات".
- "إلإقدام على اغتيال السنوار، يعني المسّ بحلف القدس والمسّ بمحور المقاومة".
- "اغتياله يعني بركانًا من الغضب الفلسطيني في وجه الاحتلال".
- "معركة سيف القدس ما هي إلاّ نزهة أمام ما ينتظر العدو من جحيم ومن نار، فيما لو أقدم العدو على اغتيال السنوار".
من الواضح أن هذه التهديدات تشكل نماذج جدية من التداعيات التي تنتظر "اسرائيل" مباشرة فيما لو نفذت اغتيال السنوار، ولكن يبقى الأهم في الموضوع، والذي سيكون عمليًا الرادع الحقيقي لـ"اسرائيل" الذي يوجب عليها اعادة حساباتها جيدًا، هو اعادة تقييم نتائج وتداعيات عملية اغتيال قائد فيلق القدس الشهيد قاسم سليماني من قبل الأميركيين، والتي حيث لم تصل بتاتًا الى ما خططت له من نتائج لناحية محاولة تقييد حركة وقدرات وامكانيات هذا المحور.
بل إن ما حصل عمليًا بعد اغتيال سليماني جاء بعكس ما أرادت واشنطن و"اسرائيل"، فقد نما وتطور المحور أكثر وأكثر، لناحية الموقف والقدرات والثبات والامكانيات، فانتقل محور المقاومة الى تثبيت معادلات الردع وتوازن الرعب بمواجهة "اسرائيل" والأميركيين معًا. ونجح المحور بعد الاغتيال في تحقيق أهداف قائده الشهيد، أولًا في فرض قواعد الاشتباك كما يراها مناسبة لمستوى المواجهة ضد الصهاينة وداعميهم، وثانيًا، أصبح كل طرف من هذا المحور يقاتل ويواجه وكأنه معني بأي استهداف لأي طرف من هذا المحور، وهذا الأمر بالذات هو أكثر ما أصاب من "اسرائيل" مقتلًا، بعد ربط التزامات أطراف المحور ببعضها، وبعد ربطها بنواة عنوان المحور: "القدس".
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري