مع تجديد الهدنة ظهرت آراء وكتب البعض ينتقد ويعارض دونما معطيات لديه ولا تجربة ولا سعة ثقافة وتاريخ، وكل ما يُمكّن من تقديم رأي أو ترجيح خيار، في الكفة الأخرى برز من تصدى لهذه الكتابات على ضآلتها حتى وجدت لها مساحة، هذا الفريق في الرد والتعليق اعتمد على الآيديولوجيا بشكل أساسي ، والعقيدة أو الآيديولوجيا لمن عابها هي أهم المرتكزات الحتمية والضرورية في الطريق لضمان الاستقلال والسيادة وعليه سنفترض أن المنتقدين لتمديد الهُدنة تحت أي عنوان يتساءلون لماذا نقول إن التسليم للسيد القائد هو الموقف الحكيم الذي يجب أن نلتزمه ونطمئن إليه؟ وهل هذه العقيدة تُصيّر الجماهير قطيعا؟ والثقافة القرآنية تجيب وليس نحن.
في فلسفة القيادة والولاية من منظور الثقافة القرآنية، أن النبي- و من بعده ورثة الكتاب، أعلام الهُدى- يبرزون أولى بالناس من أنفسهم، وعليه المطلوب من الناس على الدوام في ظل هذه الثقافة والعقيدة الاتباع والتسليم المطلق للقيادة لا غير ذلك، وفي القرآن الكريم درس ساخن يقول الله تعالى ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ)، لقد طلب طالوت وهو ملك وارث كتاب _ علم _ وليس نبيا ًمن تابعيه و السائرين تحت لوائه أن لا يشربوا وهم على بعد وقت قصير جدا من القتال وذاك أمر معاكس لما تتطلبه المعركة والقتال، ولكن هناك ما هو أهم -لخوض المعركة والقتال كما يجب وينبغي وفي حالة من الثبات والاستعداد- يجهله الأتباع وليس من الضروري البتة أن يفصلّه القائد وهو هنا طالوت، لقد تحقق لمن لم يَطْعَمْهُ المعية أو كونهم مِن طالوت وقد سار بهم مع أصحاب الغرفة للمعركة و المواجهة الساخنة -وهم قلة- مع جالوت الذي خرج بدوره على رأس جيش جرار هُزم في ساحة المواجهة رغم ضخامته، وهنا يعلمنا القرآن أن القطيع هم من شربوا و لم يلتزموا ما ذهب إليه طالوت أو قل المعتدين بذواتهم وليس غيرهم .
في الثقافة القرآنية نحن مأمورون أن نسلّم للقائد العَلَم الحكيم لا أن ننصب أنفسنا عباقرة وساسة حاذقين، نعرف المصلحة و المستفيد والفائدة، فهل يفهم ويؤمن منتقدو موافقة القيادة بشأن تمديد الهدنة بهذه الثقافة وينطلقون منها؟ إذا كانوا كذلك فهذه العقيدة الصلبة تكفيهم للالتزام موقف القيادة و تبنّي خياراتها وهذا بالطبع لا يعني أن لا مصلحة تحققت مع الهدنة منذ بدايتها فتخفيف وطأة الحصار حصل ويتسنى في ظلها بناء ما يلزم الصمود والمواجهة، بالنسبة لمن يقول “على الأقل يجب أن يعرف الناس أو الجماهير الحكمة وراء هذا القرار أو ذاك الخيار ويتردد في السؤال لماذا وكيف؟ ” فهو يطلب ما لا يلزم القيادة إيضاحه وبسطه إلا أن ترى ذلك فقط أو سيتأتى معرفة ذلك في واقع الأمور، تماما كما تبين لأصحاب الغرفة في قصة طالوت أن ابتلاء النهر و الشرب من عدمه كان بوابة نحو النصر على جالوت وجيشه واستجابة عملية ثبتتهم في ركاب طالوت، بعد أن كانوا على أهبة الفرار لولا أن شدّ من لم يشربوا مطلقا عزمهم وزادوا يقينهم، وفي ظل الخلاص من مخاوف نتائج المعركة وجَلبة وخَبال من شربوا بعد أن تراءى لهم جيش عرمرم ، لولا ابتلاء النهر لقضى التنادي ” لا طاقة لنا بجالوت وجنوده ” على طالوت و جيشه تماما.. فهل يود أصحاب “لا مصلحة لنا في الهدنة” أن يذهبوا بنا إلى خيارات قد تقضي على تطلعات الجماهير و تسحقهم وتذلهم الخيارات الناجعة لا تأخذ هذا الطابع إلا حين يراها قائدنا كذلك ودون ذلك لا يمثل حلا ولا مصلحة وبالنسبة لمن تشعر من كتاباتهم أن من المفترض أن تستأذنه القيادة في الخيارات والحلول و السياسة والرؤى و يعتقد أنه الذكي والداهية و السياسي و يكثر من التحليلات وإثارة الرأي العام، فمثل هؤلاء مرضى و في أحسن تقدير حمقى، والأحمق فيما يروى عن الإمام علي عليه السلام “يود أن ينفعك فيضرك “.
يجب أن تُوعّى الجماهير والرأي العام بآيديولوجيا التسليم للقيادة ولنا في عواقب خلاف ذلك عبرة ما حدث يوم أُحُد من دروس ، فلو أن الرماة ما غادروا مواقعهم لما تحول النصر إلى فاجعة كبرى ولما كاد يومئذ أن يُقتل الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، لقد غيّر العصيان لتوجيهه نتيجة المعركة وقد حسمت وباتت الغنائم تُجمع والخ، ونحن بدورنا قد نقع في خطأ رُماة أُحُد، إذا ما رأينا خلاف قرار و توجيه السيد بالذهاب نحو تجديد الهدنة، والحديث أن تحالف العدوان غنيمة في مثل هذا الظرف من المتغيرات الدولية والحاجة الماسة لأمن الطاقة والممرات الدولية، وبالتالي الظروف مواتية لفرض اتفاق أفضل، هذا الأمر تعلمه القيادة وتعلم أكثر من ذلك على مختلف الأصعدة، وجرى الحديث عنه قبيل تمديد الهدنة على أكثر من منبر إعلامي، لكن ترديده في معرض الاحتجاج والمعارضة على تمديد الهدنة يغيب عنه حسابات كثير .. والعاقبة للمتقين؟!