الوضع الراهن:
هناك توتر بين تشكيلات عسكرية عميلة في منطقة ذوباب التي تحوي مضيق باب المندب -رابع أكبر مضيق مزدحم في العالم- والتي تتبع إداريا محافظة تعز، وفق حدود الوحدة اليمنية 1990.
طرفا التوتر هما ما تسمى “القوات المشتركة” التابعة لطارق صالح (المدعومة إماراتياً) وكذلك قبائل الصبيحة وما تسمى “قوات العمالقة” و(المدعومة إماراتياً أيضاً).
منذ العام الماضي بدأ طارق صالح في التغلغل في باب المندب بداية بالنشاط الإنساني عبر ما تسمى «الخلية الإنسانية في المقاومة الوطنية”، ثم انتقل إلى استحداث مواقع عسكرية، الأمر الذي اصطدم بمعارضة من قبائل الصبيحة (التي اتخذت الموقف بدافع قبلي لكون منطقة باب المندب أراضي القبيلة تاريخياً) ومن “قوات العمالقة” التي ترابط هناك بما يسمى “اللواء 17”، وفق حسابات انفصالية.
يقود زير الدفاع اليمني الأسبق اللواء طاهر قاسم (الجنوبي الموالي للإمارات)، والذي يعمل تحت إمرة طارق صالح، وساطة بين الطرفين.
الصراع التنافسي على باب المندب بين الانتقالي وطارق صالح له أكثر من عام، إلا أن ظرفاً راهناً فجره من جديد، وهو متعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، فالأسبوع الماضي وصل السفير الأمريكي إلى محافظة عدن برفقة فريق عسكري وخبراء أمنيين على متن مروحية عسكرية تابعة للقوات المركزية الأمريكية المنتشرة في خليج عدن. جاءت زيارة السفير في ظل حراك أوسع تقوم به القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة والتي تكثف من تواجدها العسكري وتحشد القوات والآليات في المنطقة الممتدة من مضيق هرمز في الخليج الفارسي إلى البحر الأحمر.
يقدم كل من طارق صالح وقواته، وكل من “الانتقالي” وقواته، أنفسهم بوصفهم، قوات مستعدة للقيام بدور الوكيل المحلي للولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على الساحل اليمني، وتكون حائط صد وحماية للقوات الأمريكية المنتشرة في المياه الإقليمية اليمنية في ساحل البحر الأحمر، وخليج عدن والبحر العربي.
معركة المخا باب المندب
كانت القوات المسلحة اليمنية تسيطر على كامل الساحل الغربي قبل انقسامها مع بداية العدوان، في أغسطس 2015م تمكنت القوات الموالية للسعودية بدعم تحالف العدوان من السيطرة على محافظة لحج، لاسيما قاعدة العند العسكرية، التي تعطيها نفوذاً للتقدم نحو ساحل باب المندب.
بداية من ديسمبر 2015م ازداد ضغط المعركة البحرية للسيطرة على محافظتي لحج وأبين ومضيق باب المندب، والتوجّه لتحرير الساحل الغربي بموانئه ومدنه وجزره.
تمكنت القوات المعادية من السيطرة على أجزاء من مديرية ذوباب، وكانت المنطقة الأولى للسيطرة على مضيق باب المندب، التي شهدت مواجهات عنيفة وأخذت طابع معارك كر وفر، وعقب مشاورات “جنيف 2” دخل التحالف في معركة السيطرة على ميناءي المخا وميدي في حجة.
تعطلت العملية العسكرية نسبياً وعقب مشاورات “الكويت الأولى” عام 2016م، عادت المعركة مجدداً في المخا وباتجاه محافظة الحديدة، وفي مطلع العام 2017م شن تحالف العدوان عملية واسعة تحت مسمى “الرمح الذهبي”، حيث تمكنت القوات العسكرية القادمة من عدن من احتلال مديرية ذوباب المشرفة على مضيق باب المندب، والتوغل نحو المخا، وانتهت بالسيطرة على هذه المناطق.
ترابطت في معركة البحر الأحمر، دوافعها العسكرية وضرورات السيطرة على الساحل من قبل تحالف العدوان من ناحية عسكرية اقتصادية (حصار) محلياً، مع الأطماع الإقليمية السعودية الإماراتية بالمنطقة من الناحية الجيوبولتيكية، مع الاستراتيجيات العالمية والتسابق الدولي على منطقة البحر الأحمر نظراً لأهميته كممر رئيسي للتجارة الدولية ولحركة القطع البحرية.
هذا التشابك بين المحلي والإقليمي والدولي، أضفى طابعاً معقداً على المعركة في البحر الأحمر، التي بدأت في ديسمبر من العام 2015م لتشهد بروداً ميدانياً في العام 2018م، وقد استطاعت القوى المعادية أن تسيطر على سواحل محافظة حجة كاملة وكذلك سواحل محافظة تعز كاملة بما في ذلك ميناء المخا ومضيق باب المندب، وجزء من سواحل محافظة الحديدة.
خلفية الصراع الراهن
بدأ تغلغل طارق صالح في مديرية ذوباب -باب المندب، بنشاط إنساني، بافتتاح مشاريع مياه ومشفى وخط إسفلتي بدعم إماراتي، وبداية من العام الماضي كثف طارق صالح من اهتمامه بمديرية ذوباب.
قبل أكثر من عام قام طارق صالح بافتتاح مشروع تحلية المياه للمواطنين في باب المندب، بعد أن تم الإذن له من قبل ما تسمى “قوات العمالقة”، وتحديداً “اللواء 17” المتواجد هناك، برفقة رئاسة شخصية له.
مطلع الشهر الماضي بدأ طارق صالح يأتي بمعدات وآليات، وفي هذا الأسبوع أتى بخمسين جندياً للمكان فحدث خلاف مع “قوات العمالقة -اللواء 17”، وأجرى الطرفان لقاء لكنه لم يخرج بحل.
موقف قبائل الصبيحة
شهدت مناطق الصبيحة في مديرية المضاربة ورأس العارة حالة من التوتر القبلي عقب المعلومات التي تفيد بأن قوات طارق صالح (القوات المُشتركة) تحاول السيطرة على منطقة باب المندب والتوغل في مناطق الصبيحة. وأعلنت القبيلة النكف باعتبار باب المندب “جنوبية”، وخرجت القبائل بعرض شارك فيه عشرات الأطقم العسكرية، ومئات المقاتلين، يرفعون أعلام اليمن الديمقراطية سابقاً.
موقف الانتقالي: دعا قائد ما يسمى “اللواء التاسع صاعقة” الموالي لـ”المجلس الانتقالي” فاروق الكعولي قوات طارق صالح إلى الانسحاب من محيط باب المندب في غضون 24 ساعة.
موقف طارق صالح: قال مصدر في قوات طارق صالح إن التحركات العسكرية الأخيرة، باتجاه رأس العارة (في لحج)، لا أساس لها من الصحة، وأن تحركات “القوات المشتركة” فقط ضمن مسرح عمليات محافظتي الحديدة وتعز، لحماية الملاحة الدولية، وضمن هذا الحديث فإن مديرية ذوباب التي يقع فيها باب المندب جزء من مسرح عمليات محافظة تعز، وبالتالي متاحة لطارق صالح. وهذا الأمر أكده كاتب صحفي موال لطارق صالح في قوله “إن باب المندب يتبع محافظة تعز وهو مسرح عمليات حراس الجمهورية”.
موقف عيدروس الزبيدي: كان الزبيدي قد قال في الـ20 من يوليو إن ما سماها “القوات الجنوبية شريك محوري في مكافحة الإرهاب، وتأمين الملاحة الدولية في خليج عدن وباب المندب”، حد تعبيره، جاء ذلك في مداخلة قدمها في الندوة التي أقامها المركز الأمريكي لدراسة جنوب اليمن، إبان زيارة واشنطن.
وكان الانتقالي قد رحب بتولي مصر قيادة قوات “المهام المشتركة (153)” للعام 2023م التي تنتشر في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وتشكلت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
السيناريوهات:
هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لمآل هذا الصراع التنافسي.
الأول: اشتداد الصراع بين الطرفين والدخول في مواجهات وسيطرة أحد الأطراف بالقوة وطرد الآخر، وهذا الأمر واقعي لكن مؤشراته ليست قوية وفق معطيات اليوم.
السيناريو الثاني: ضغط الإمارات على “الانتقالي” للسماح لطارق صالح بالسيطرة على باب المندب، فللإمارات مشروع خاص في تعز ورجلها فيها طارق صالح، كما أن الولايات المتحدة أكثر ثقة بطارق صالح من “الانتقالي” وستكون أكثر ارتياحا لو سيطر على باب المندب، بحكم العلاقة الطويلة بين الولايات المتحدة ونظام علي صالح، وهو سيناريو وارد.
السيناريو الثالث: نجاح الوساطة بين الطرفين وفق صيغة ما، باعتبار أن الإمارات هي المرجعية للطرفين، والإمارات في حالة صراع مع السعودية حاليا في اليمن، وهي في غنى عن صراع أدواتها في ما بينها، وهو الأرجح.
سوف يترجح أحد هذه السيناريوهات مع توفر المزيد من المعلومات والمعطيات خلال الأيام القادمة، إذ لايزال الخلاف الراهن في طور التحشيد ومجمدا بالوساطة.
* نقلا عن : لا ميديا