|
سلسلة روائع الأدب اليمني.."9" الشاعر الكبيرالراحل عبدالله البردوني
بقلم/ حسن المرتضى
نشر منذ: 11 شهراً و 11 يوماً الأحد 10 ديسمبر-كانون الأول 2023 10:45 م
سلسلة روائع الأدب اليمني.. (9) الشاعر الكبير الراحل عبدالله البردوني .. إعداد حسن المرتضى
مجموعة من روائع الشاعر الكبير الراحل عبدالله البردوني
(مصطفى)
فليقصفوا، لست مقصف
وليعنفوا، أنت أعنف
وليحشدوا، أنت تدري
أن المخيفين أخوف
أغنى، ولكن أشقى
أوهى، ولكن أجلف
أبدى ولكن أخفى
أخزى ولكن أصلف
لهم حديد ونار..
وهم من القش أضعف
* * *
يخشون إمكان موتٍ
وأنت للموت أألف
وبالخطورات أغرى
وبالقرارات أشغف
لأنهم لهواهم..
وأنت بالناس أكلف
لذا تلاقي جيوشاً
من الخواء المزخرف
* * *
يجزئون المجزا..
يصنفون المصنف
يكثفون عليهم..
حراسة، أنت أكثف
* * *
كفجأة الغيب تهمي
وكالبراكين تزحف
تنثال عيداً، ربيعاً
تمتد مشتىٍ ومصيف
نسغاً إلى كل جذر
نبضاً إلى كل معزف
* * *
ما قال عنك انتظار
: هذا انثنى، أو تحرف
ما قال نجم: تراخى،
ما قال فجر: تخلف
تسابق الوقت، يعيا
وأنت لا تتوقف
فتسحب الشمس ذيلاً
وتلبس الليل معطف
* * *
أحرجت من قال: غالى
ومن يقول: تطرف
إن التوسط موت
أقسى، وسموه: ألطف
لأنهم بالتلهي
أرضى وللزيف أوصف
وعندك الجبن جبن
ما فيه أجفى وأظرف
وعندك العار أزرى
وجهاً، إذا لاح أطرف
* * *
يا “مصطفى”: أي سر
تحت القميص المنتف
هل أنت أرهف لمحاً
لأن عودك أنحف؟
أأنت أخصب قلباً
لأن بيتك أعجف؟
هل أنت أرغد حلماً
لأن محياك أشظف؟
لم أنت بالكل أحفى
من كل أذكى وأثقف؟
من كل نبض تغني
يبكون “من سب أهيف”
إلى المدى أنت أهدى
وبالسراديب أعرف
وبالخيارات أدرى
وللغرابات أكشف
وبالمهارات أمضى
وللملمات أحصف
* * *
فلا وراءك ملهى
ولا أمامك مصرف
فلا من البعد تأسى
ولا على القرب تأسف
لأن همك أعلى
لأن قصدك أشرف
لأن صدرك أملى
لأن جيبك أنظف
* * *
قد يكسرونك، لكن
تقوم أقوى وأرهف
وهل صعدت جنياً
إلا لترمى وتقطف
* * *
قد يقتلونك، تأتي
من آخر القتل أعصف
لأن جذرك أنمى
لأن مجراك أريف
لأن موتك أحيا
من عمر مليون مترف
* * *
فليقذفوك جميعاً
فأنت وحدك أقذف
سيتلفون، ويزكو
فيك الذي ليس يتلف
لأنك الكل فرداً..
كيفية، لا تكيف..
* * *
يا “مصطفى”، يا كتاباً
من كل قلب تألف
ويازماناً سيأتي
يمحو الزمان المزيف
1986م
(يوم المعاد)
يا أخي يا ابن الفدى فيم التمادي
وفلسطين تنادي وتنادي؟
ضجت المعركة الحمرا.. فقم:
نلتهب.. فالنور من نار الجهاد
ودعا داعي الفدى فلنحترق
في الوغى، أو يحترق فيها الأعادي
يا أخي يا ابن فلسطين التي
لم تزل تدعوك من خلف الحداد
عد إليها، لا تقل: لم يقترب
يوم عودي قل: أنا “يوم المعاد”
عد ونصر العرب يحدوك وقل:
هذه قافلتي والنصر حادي
عد إليها رافع الرأس وقل:
هذه داري، هنا مائي وزادي
وهنا كرمي، هنا مزرعتي
وهنا آثار زرعي وحصادي
وهنا ناغيت أمي وأبي
وهنا أشعلت بالنور اعتقادي
هذه مدفأتي أعرفها
لم تزل فيها بقايا من رماد
وهنا مهدي، هنا قبر أبي
وهنا حقلي وميدان جيادي
هذه أرضي لها تضحيتي
وغرامي ولها وهج اتقادي
ها هنا كنت أماشي إخوتي
وأحيي ها هنا أهل ودادي
هذه الأرض درجنا فوقها
وتحدينا بها أْعدى العوادي
وغرسناها سلاحاً وفدًى
ونصبنا عزمنا في كل وادي
وكتبنا بالدما تاريخها
ودما قوم الهدى أسنى مداد
هكذا قل: يا ابن “عكا” ثم قل:
هاهنا ميدان ثاري وجلادي
يا أخي يا ابن فلسطين انطلق
عاصفاً وارم العدى خلف البعاد
سر بنا نسحق بأرضي عصبةً
فرقت بين بلادي وبلادي
قل: “لحيفا” استقبلي عودتنا
وابشري ها نحن في درب المعاد
واخبري كيف تشهتنا الربى
أفصحي كم سألت عنا النوادي!
قل: لاسرائيل يا حلم الكرى
زعزعت عودتنا حلم الرقاد
خاب “بلفور” وخابت يده
خيبة التجار في سوق الكساد
لم يضع، لا لم يضع شعب أنا
قلبه وهو فؤادٌ في فؤادي
قل: “لبلفور” تلاقت في الفدى
أمة العرب وهبث للتفادي
* * *
وحد الدرب خطانا والتقت
أمتي في وحدةٍ أو في اتحاد
عندما قلنا: اتحدنا في الهوى
قالت الدنيا لنا: هاكم قيادي
ومضينا أمة تزجي الهدىأ
أينما سارت وتهدي كل هادي
(العصر الثاني في هذا العصر)
عنّت وولّت كهذا الوقت أوقاتُ
جاءت كأسيادها، ماتت كما ماتوا
كانت لهم، مثلما كانوا لها فمضت
كما مضوا، لا هنا أضحت، ولاباتوا
فكيف أغربَ هذا الوقت مات وما
ولّى؟ وأسياده ماتوا ومافاتوا
في كل قصرٍ لعينيه وأعينهم
يموج عرسٌ وأعيادٌ وعاداتُ
* * *
لا الموت يمحو، لكي يرقى النقيض ولا
لأي حيٍّ مِن التمويت إفلاتُ
عما سيأتي، أتى الماضي وما اعتذرَتْ
إلاّ (سفينة نوحٍ) والمروءاتُ
عن يوم (حِطّين) جاء الطين يجرفهُ
إلى (فلسطين) طيّانٌ وزفّاتُ
حتى المنايا اللواتي خاض عنترةٌ
رجعن أصبى، لهنَّ الآن مُوضاتُ
ماذا تطوّر غير المُسخ يا زمني؟
مَن قال هذا؟ سكوت الكل إسكاتُ
إن كانَ مَن زوّروا أنيابهم قُبَلاً
يعطون حُبّاً، فما هنَّ العداواتُ؟
* * *
مَن أنت يا ذاك؟ مَن لو شمَّ مِن (كنَدا)
(صنعا) لأورق فيه البُنُّ والقاتُ
وراء سرب القوافي صاعدٌ جبَلاً
وفي البحور الخليليات حوّاتُ
حتماً، إلى أي إرهاب ستنسبُهُ
فأنت – يا خالق الإرهاب – نعّاتُ
* *
يا طفل حَربَين تبدو زوج ثالثةٍ
لها بإبطيك خالاتُ وعمّاتُ
ألا ترى القتل يُدمي كل ثانية
كما تُؤدّى على الدرب التحيّاتُ!
لا شيء يسمع أذنيه ولافمهُ
ولا خرافاتك العجلى خرافاتُ
مَن أنت يا ذاك؟ شطرٌ من مُعلّقةٍ
وما اسم بيتيك؟ حمّالٌ وزيّاتُ
أَسْكِتْ قوافيك، حاورني مُرامزةً
لهنَّ يا صاحبي مثلي مُهمّاتُ
..لو كنتَ أرشق من أنّات ساقية
كفتك عن جمرة القلب الإشاراتُ
(سيزيف) ناء بصخر واحد وأنا
صخري جدارٌ حديديٌ وغاباتُ
(السندباد) امتطى ظهر البحور، أنا
تأتي وتمضي على صدري المحيطاتُ
فهل توازي ملايين الرموز قوىً
الأرض في قبضتيها والسماواتُ؟
* * *
– أرى عليك (حزاماً) صُنع والدتي
لَكُنَّ عقم الحشا يا قرمطياتُ
لأن أمّك أنبوبٌ صرختَ أسىً
ليَ الرئاسات قَيناتٌ وزوجاتُ
لا أنت أغلى، ولا هنَّ الأجَدُّ صباً
أزرى بنات الهوى، هنَّ الرئاساتُ
ما كل ما تبتغيه تشتريه، ولا
تقوى على كل ما تخشاه قُوّاتُ
لا تنخدع لست يا عصر النجوم، سوى
بنكٍ إلى حلقهِ تنصبُّ قاراتُ
* * *
إذا تداعت بلادٌ، أنت ذو مهَلٍ
وإن توهَّجَ شعبٌ أنت بغّاتُ
فكم تُصلّي بباكستان مِن جُمعٍ
وأنت في (القدس) و(السمُّوع) سبّاتُ
في (نيكرجوا) رصاصيٌ هوىً ويداً
في (أم درمان) سبّاكٌ وفتّاتُ
في (الكرخ) سعدون، في (طُوس) ابن فاطمةٍ
وإن وجدتَ كويتياً فكوّاتُ
لأن قلبك ذو بوّابتين، لهُ
في القصر قصران: غلاّمٌ وبنّاتُ
* * *
الآدمية في كفيك محبرةٌ
وأنت في قبضة الآلات آلاتُ
لأن بيتك مُبيضَّ السواد، فَمِن
أقصى حناياك تنهلُّ الزّرافاتُ
* * *
كل الرؤوس التي تطغى هنا وهنا
لهنّ من غابة (الدولار) نَحّاتُ
يُعلي على كل شعبٍ باسمه شبحاً
له مِن الوحل أذيالٌ وهالاتُ
هذي المجنزرة الحُبلى مؤمَّرة
وذلك المدفع المكبوت كبّاتُ
* * *
هل بيتُك الأرض كل الأرض يا شجَني
وكل بيتٍ من الأجداث أبياتُ؟
للأرض بيتاً وقبراً أخلَصت مِقَتي
فمِن جناها الأعادي والحبيباتُ
مِن أجل مَن تصطفي تهوَى مُعاكِسَهُ؟
للقلب قلبان: عَشّاقٌ ومَقّاتُ
أغلوطةٌ تلك؟ بل هذا يقوم بذا
إن التجاوز وصّالٌ وبتّاتُ
* * *
تقول ماذا؟ وعصر المخبرين على
باب التوابيت: طبّاخٌ، وتوّاتُ
والهدنةُ النّحس حربٌ نصف قائمةٍ
بأمر مَن تخدع الحبر العباراتُ؟
* * *
هذي الغرابةُ عيناها كَسُرّتها
مِن المسامير، لا هاكم ولاهاتوا
ترى ملاستَها في ظل قامتها
كما تحدِّق في المرآةِ مرآةُ
ومالها سرُّ موجودٍ ولا عدمٍ
ولا تنازعَها نفيٌ وإثباتُ
لأنها انسربَت مِن كل نافذةٍ
وما درى أي بابٍ رجعة “النّاتو”
على الجباه العوالي وقع أرجُلِها
وما لتوقيعها في السمع أصواتُ
لأنها اليوم تبدي وجه عاشقةٍ
مثل الحنان الذي يبديه إشماتُ
* * *
مَن ذا يراها، ويدري ما يرى، ولها
تحت التّنكُر إبحارٌ وإخباتُ؟
كانت تجيء كتمساحٍ على (حَمَلٍ)
واليوم يرقص فيها (الذئب) و(الشاةُ)
فيشرب القتلُ والمقتولُ نخب هوىً
للقتل بالحب – قبل الوقت – ميقاتُ
* * *
فهل سيُمسي حصان الأمس طائرةً
لأن أصل (حَمام) اليوم (حيّاتُ)؟
هذي التغايير، تشكيل الشكول، إلى
أخرى، وتذييت ما تفني به الذّاتُ
يا دُورَهُم، يا بيوت الشعب، يا وطني
هل هذه الخِرَق الرخوات راياتُ؟
ويا تمادي رُبَى الإِسمنت قل لهمو
مستعمر اليوم: نبّاشٌ وسَمّاتُ
في كل منبت عنقود وسنبلةٍ
تعلو بيوتٌ، وما فيهن بَيّاتُ
* * *
هذا التَّصحُر يستغشي الرؤوس، فما
لهن نبضٌ، وهل للنقع إنباتُ
مِن أين يومض برقٌ والغمام حصىً
وموعد السنوات الصفر إسناتُ؟
ما أنجبَت غير (عبدالناصر) امرأةٌ
ولا اقتفى (الحسن البصري) قنّاتُ
هل أمة الفرد أعطت قهرها سبباً
فألّهت فوقها السوط العمالاتُ؟
* * *
قالوا (زمانٌ رديءٌ) باسم مَن شمخَت
وعسكرت حولها الموت الرَّداءاتُ؟
لو لم تكونوا، لما كانت، إذا احتشدَت
أقوى الرَّداءاتِ، قل أين الإجاداتُ؟
* * *
هذا الرماد الذي ينساق منتفخاً
شتّان، في الجمع في التجميع أشتاتُ
قالوا: لكل زمان آيةٌ، صدقوا
هذي الشظايا لهذا العصر آياتُ
كيف اقشعرّيت يا قلب التراب؟ متى
تحكي؟ أما أزغبَت فيك البداياتُ؟
في هجس عينيك ماضي كل آتيةٍ
قلها: أما أينعَت فيك الرواياتُ؟
* * *
هل يركض الشوق كي يلقى السؤال فماً
وكي تلوح لوجه البدء غاياتُ؟
يا (سيبويه) انزوت في القلب صامتةً
مليون حتّى، أصَمْتُ القلب إنصاتُ؟
عام 1989م
(السفر إلى الأيام الخضر)
يا رفاقي.. إن أحزنت أغنياتي
فالمآسي.. حياتكم وحياتي
إن همت أحرفي دماً فلأني
يمني المداد… قلبي دواتي
أمضغ القات كي أبيت حزيناً
والقوافي تهمي أسى غير قاتي
أنا أعطي ما تمنحون احتراقي
فالمرارات بذركم ونباتي
غير أني ومدية الموت عطشي
في وريدي أشدو فألغي وفاتي
فإذا جئت مبكياً فلأني
جئتكم من مماتكم ومماتي
عارياً.. ما استعرت غير جبيني
شاحباً.. ما حملت غير سماتي
جائعاً… من صدى (أبن علوان) خبزي
ظامئاً من ذبول (أروى) سُقاتي
* * *
ربما أشتهي وأنعل خطوي
كل قصر يومي إليك فتاتي؟
أقسم الجد… لو أكلنا بثدي
لقمة من يد… أكلت بناتي
* * *
قد تقولون ذاتي الحس… لكن
أي شيء أحس..؟ من أين ذاتي؟
كل هذا الركام جلد عظامي
فإلى أين من يديه انفلاتي؟
يحتسي من رماد عينيه لمحي
يرتدي ظل ركبتيه التفاتي
تحت سكينة تناءى اجتماعي
وإلى شدقه تلاقي شتاتي
آخر الليل… أول الصبح.. لكن
هل أحست نهودها أمسياتي؟
* * *
هل أداري أحلامكم فأغني؟
للأزاهير والليالي شواتي…
عندما يزهر الهشيم سأدعو:
يا كؤوس الشذى خذيني وهاتي
ألشتاء الذي سيندى عقيقاًُ
يبتدي موسم الورود اللواتي…
ليس قصدي أن تيأسوا لخطاكم
قصة من دم الصخور العواتي
* * *
يا رفاقي في كل مكسر غصن
إن توالى الندى ربيع، مواتي
يرحل النبع للرفيف ويفني
وهو يوصي: تسنبلي يا رفاتي
والروابي يهجسن: فيم وقوفي
هًهُنا يا مدى… سأرمي ثباتي؟
سوف تأتي أيامنا الخضر لكن
كي ترانا نجيئها قبل تأتي
أغسطس1974م
** ** **
(رابع الصبح)
كان منهم، لهم يغنّي ويخطُبْ
وإلى مَن يُهمُّه الأمر يكتبْ
لا يقول الذي يقال، يوافي
بالفُجاءات مِن وراء التحسُّبْ
وينادي: يا صعب أدري لماذا
أنت صعبٌ.. فكيف يا سهل تصعُبْ؟
* * *
يا تواريخ يحصبَ أي سِفرٍ
يخبر اليوم: أين أطفال يحصُبْ
يا قناديل هل لكن التهابٌ
كاشفٌ، أم تظاهرٌ بالتلهُّبْ؟
* * *
يسأل الشمس ما حنين الروابي
يسأل المَرج كيف يصبو ويشحُبْ
ما دهى الرمل كيف ينساح ركضاً
والينابيع، هل ترى كيف تنضُبْ!
إن مَن أوثبوا جلود الصحاري
نزعوا مِن حشَى المياه التوثُّبْ
كان عصر الطغاة يُعطي ويُردي
جاء عصر الغزاة يردي ويَسلُبْ
* * *
ما دعوه تقدماً أنراهُ،
يا صحابي- تأرجحاً أم تذبذبْ؟
طينةً ترتخي بجرّة ماءٍ
وصخوراً في غمرة الماء تصلُبْ
* * *
كان منهم يرى ويُصغي إليهم
كصبيٍّ يعي دروس التأدبْ
في الأسامي يغوص خلف المُسمَّى
أين يثوي ويستشير التَّلَقُّبْ
يقرأ القلب حين يصعد وجهاً
يصحَب الوجه حين في القلب يرسُبْ
وإلى أغمض الحوادث يومي
فيحسُّونها تخفُّ وترطُبْ
* * *
مثلهم يحرث التراب ولكن
صوتُه من سريرة الورد يحلُبْ
ويُغنّي: عندي ثُمالةُ قلبٍ:
أي وادٍ فيه بقايا تحدُّبْ؟
مثلهم يأكل (العصيد) ويجري
بينهم كالغدير في الكل يسكبْ
مثلهم ينظر النجوم، ولكن
يتجلّى ما لا يرون ويثقُبْ
ويشمُّ الرياح مثل سواهُ
ويحييّ ريحاً مِن الريح تهربْ
ويناجي غمامةً ما رأوها
ويراها مِن هاجس البرق تقربْ
* * *
ينظر النبتة الصغيرة قلباً
فيه سهلٌ سيستطيل ويرحُبْ
ويُسمّي الرُّبى نثير جباهٍ
عَرقَ الجُهد، نثّها في التَّصبُّبْ
يسمع (الدِّمنة) التي شاخ فيها
جدُّ (عادٍ) يشِبُّ فيها التَّشبُبْ
* * *
خلف هذا الذي يلوح سواهُ
انظروا ما أشفّ نسج التأسلُبْ
وادخلوا الشيخ مِن بَنان يديه
وادخلوا القَسَّ مِن مسوح الترهُّبْ
الأمور التي تسبِّب أخرى
تسبق الناتجات عنها التَّسبُّبْ
* * *
فيقولون: كيف يدري ونعيا
ليس ك(ابن الفقيه) يقضي ويحسُبْ
إنه يفتح الثرى والثريّا
مثلما يكسر الحروف وينصُبْ
وهو يرقى منهم ويهمي إليهم
ولهم يمتطي شعاب التَّشعُّبْ
* *
يبصق اللافتات حين تُرائي
فتغنِّي بحسنها وهي تندُبْ
وتُحاكي مذياع (سعدٍ وقيسٍ)
فتُوالي كالناعقين وتشجُبْ
* * *
ولذا يدخل الجذور سَؤولاً
أي شيءٍ هناك يدنو ويعزُبْ؟
ينثني عن أرومة التّين يروي
وإلى صفرة البساتين يَنسُبْ
وعن الصيف: كيف أغرسُ قلبي
عِنَباً والخريف يُبديه (عُثربْ)
ويبثُّ الذي تكنُّ الدَّوالي
وعن الخوخ يستعيد التعتُّبْ
* * *
يعلن البدء وهو في السرِّ نبضٌ
مثلما يعلن الربيعُ التأهُّبْ
عندما تصبح العيون قلوباً
مِن حنين ترى حضور التغيُّبْ
* * *
مقلتاه وحاجباه وفُوهُ
كالعناوين في كتاب التقلُّبْ
فإذا قال أعجب الكل قولاً
وإذا لم يقل أثار التعجُّبْ
وينادُونه إلى كل مُرٍّ
وإذا أولموا ينادُون جُندُبْ
* * *
قل لذاك الذي أبى أن يُداجي
إن عندي لكل داءٍ تَطبُّبْ
من تقاوي وكلهم منك أقوى؟
طالما أثمر الغلاب التغلُّبْ
اجتنب – كالكثير – هذا، لماذا؟
لا استراحوا ولا اطمأن التجنُّبْ
ربما ألَّبوا عليك الدواهي
فليكن، لا عدمت هذا التألُّبْ
هل لديهم سوى جهاز التحرّي
واغتيال النجوم، إلاّ التسيُّبْ
* * *
أنت يا صاحبي غريب النواحي
ما تربّت غرابتي في التغرُّبْ
واضحٌ عنك ما تعصَّبت يوماً
ولهذا أغفلْتَ أهل التعصب
كان فوضى فمذهبوهُ، تبيَّنْ
هل لهم أي مذهبٍ أو تمذهُبْ؟
* * *
ما أراك اكتسبت غير المنايا
هنَّ إلفي وراثةً أو تكسُّبْ
أتراني نزحت عنهن حيناً
بل يحاولنهنَّ عنك التَّحجُّبْ
المنايا هُنَّ المنايا، عوارٍ
أو كواسٍ مزوَّقات التَّنقُّبْ
وسواءٌ هاجمن دون عيونٍ
أو تعاقبن مِن عيون التَّعقُّبْ
جرَّب البعض ما تخوض وتابوا
عادة الطيب، غير جلب التَّطيُّبْ
* * *
كيف تستنبح العِدى وتُغنيِّ؟
أي صوتٍ ولا وجوم التَّهيُّبْ
أتظن السُّكوت يحمل وصفاً؟
أيُسمّى تعادياً، أم تحبُّبْ؟
أتَراني دنوت منك قليلاً
للأماني قُربى تفوق التَّقرُّبْ
* * *
كان كالبحر لا ينام ولكن
كان عكس البحور يحنو ويعذُبْ
يتهادى جداولاً وقطوفاً
ويُري شارِبِيه مغزى التَّشرُّبْ
نصفُه مِن نواظر الكل يرنو
نصفُه في جوانح الكل يغرُبْ
* * *
صار بيت البيوت، مقهى المقاهي
ربما يمنعون فيه التَّحزُّبْ
أو يقولون لست فرداً ولكن
عالَمٌ مِن خطورة في تهذُّبْ
فليقولوا، فما تنكَّب هولاً
أو رأى الهول ينثني بالتَّنكُّبْ
* * *
إن نأى المستحيل عن قبضتيهِ
فإلى بابه يحث التَّطلُّبْ
رابع الصبح والدُّجى والتمادي
قلبُهُ ثالث الأسى والترقُب
يحمل العصر في يديه كتاباً
وعليه فطريَّةُ الشيخ يعرُبْ
عام 1988م
(رابع الصبح)
كان منهم، لهم يغنّي ويخطُبْ
وإلى مَن يُهمُّه الأمر يكتبْ
لا يقول الذي يقال، يوافي
بالفُجاءات مِن وراء التحسُّبْ
وينادي: يا صعب أدري لماذا
أنت صعبٌ.. فكيف يا سهل تصعُبْ؟
* * *
يا تواريخ يحصبَ أي سِفرٍ
يخبر اليوم: أين أطفال يحصُبْ
يا قناديل هل لكن التهابٌ
كاشفٌ، أم تظاهرٌ بالتلهُّبْ؟
* * *
يسأل الشمس ما حنين الروابي
يسأل المَرج كيف يصبو ويشحُبْ
ما دهى الرمل كيف ينساح ركضاً
والينابيع، هل ترى كيف تنضُبْ!
إن مَن أوثبوا جلود الصحاري
نزعوا مِن حشَى المياه التوثُّبْ
كان عصر الطغاة يُعطي ويُردي
جاء عصر الغزاة يردي ويَسلُبْ
* * *
ما دعوه تقدماً أنراهُ،
يا صحابي- تأرجحاً أم تذبذبْ؟
طينةً ترتخي بجرّة ماءٍ
وصخوراً في غمرة الماء تصلُبْ
* * *
كان منهم يرى ويُصغي إليهم
كصبيٍّ يعي دروس التأدبْ
في الأسامي يغوص خلف المُسمَّى
أين يثوي ويستشير التَّلَقُّبْ
يقرأ القلب حين يصعد وجهاً
يصحَب الوجه حين في القلب يرسُبْ
وإلى أغمض الحوادث يومي
فيحسُّونها تخفُّ وترطُبْ
* * *
مثلهم يحرث التراب ولكن
صوتُه من سريرة الورد يحلُبْ
ويُغنّي: عندي ثُمالةُ قلبٍ:
أي وادٍ فيه بقايا تحدُّبْ؟
مثلهم يأكل (العصيد) ويجري
بينهم كالغدير في الكل يسكبْ
مثلهم ينظر النجوم، ولكن
يتجلّى ما لا يرون ويثقُبْ
ويشمُّ الرياح مثل سواهُ
ويحييّ ريحاً مِن الريح تهربْ
ويناجي غمامةً ما رأوها
ويراها مِن هاجس البرق تقربْ
* * *
ينظر النبتة الصغيرة قلباً
فيه سهلٌ سيستطيل ويرحُبْ
ويُسمّي الرُّبى نثير جباهٍ
عَرقَ الجُهد، نثّها في التَّصبُّبْ
يسمع (الدِّمنة) التي شاخ فيها
جدُّ (عادٍ) يشِبُّ فيها التَّشبُبْ
* * *
خلف هذا الذي يلوح سواهُ
انظروا ما أشفّ نسج التأسلُبْ
وادخلوا الشيخ مِن بَنان يديه
وادخلوا القَسَّ مِن مسوح الترهُّبْ
الأمور التي تسبِّب أخرى
تسبق الناتجات عنها التَّسبُّبْ
* * *
فيقولون: كيف يدري ونعيا
ليس ك(ابن الفقيه) يقضي ويحسُبْ
إنه يفتح الثرى والثريّا
مثلما يكسر الحروف وينصُبْ
وهو يرقى منهم ويهمي إليهم
ولهم يمتطي شعاب التَّشعُّبْ
* *
يبصق اللافتات حين تُرائي
فتغنِّي بحسنها وهي تندُبْ
وتُحاكي مذياع (سعدٍ وقيسٍ)
فتُوالي كالناعقين وتشجُبْ
* * *
ولذا يدخل الجذور سَؤولاً
أي شيءٍ هناك يدنو ويعزُبْ؟
ينثني عن أرومة التّين يروي
وإلى صفرة البساتين يَنسُبْ
وعن الصيف: كيف أغرسُ قلبي
عِنَباً والخريف يُبديه (عُثربْ)
ويبثُّ الذي تكنُّ الدَّوالي
وعن الخوخ يستعيد التعتُّبْ
* * *
يعلن البدء وهو في السرِّ نبضٌ
مثلما يعلن الربيعُ التأهُّبْ
عندما تصبح العيون قلوباً
مِن حنين ترى حضور التغيُّبْ
* * *
مقلتاه وحاجباه وفُوهُ
كالعناوين في كتاب التقلُّبْ
فإذا قال أعجب الكل قولاً
وإذا لم يقل أثار التعجُّبْ
وينادُونه إلى كل مُرٍّ
وإذا أولموا ينادُون جُندُبْ
* * *
قل لذاك الذي أبى أن يُداجي
إن عندي لكل داءٍ تَطبُّبْ
من تقاوي وكلهم منك أقوى؟
طالما أثمر الغلاب التغلُّبْ
اجتنب – كالكثير – هذا، لماذا؟
لا استراحوا ولا اطمأن التجنُّبْ
ربما ألَّبوا عليك الدواهي
فليكن، لا عدمت هذا التألُّبْ
هل لديهم سوى جهاز التحرّي
واغتيال النجوم، إلاّ التسيُّبْ
* * *
أنت يا صاحبي غريب النواحي
ما تربّت غرابتي في التغرُّبْ
واضحٌ عنك ما تعصَّبت يوماً
ولهذا أغفلْتَ أهل التعصب
كان فوضى فمذهبوهُ، تبيَّنْ
هل لهم أي مذهبٍ أو تمذهُبْ؟
* * *
ما أراك اكتسبت غير المنايا
هنَّ إلفي وراثةً أو تكسُّبْ
أتراني نزحت عنهن حيناً
بل يحاولنهنَّ عنك التَّحجُّبْ
المنايا هُنَّ المنايا، عوارٍ
أو كواسٍ مزوَّقات التَّنقُّبْ
وسواءٌ هاجمن دون عيونٍ
أو تعاقبن مِن عيون التَّعقُّبْ
جرَّب البعض ما تخوض وتابوا
عادة الطيب، غير جلب التَّطيُّبْ
* * *
كيف تستنبح العِدى وتُغنيِّ؟
أي صوتٍ ولا وجوم التَّهيُّبْ
أتظن السُّكوت يحمل وصفاً؟
أيُسمّى تعادياً، أم تحبُّبْ؟
أتَراني دنوت منك قليلاً
للأماني قُربى تفوق التَّقرُّبْ
* * *
كان كالبحر لا ينام ولكن
كان عكس البحور يحنو ويعذُبْ
يتهادى جداولاً وقطوفاً
ويُري شارِبِيه مغزى التَّشرُّبْ
نصفُه مِن نواظر الكل يرنو
نصفُه في جوانح الكل يغرُبْ
* * *
صار بيت البيوت، مقهى المقاهي
ربما يمنعون فيه التَّحزُّبْ
أو يقولون لست فرداً ولكن
عالَمٌ مِن خطورة في تهذُّبْ
فليقولوا، فما تنكَّب هولاً
أو رأى الهول ينثني بالتَّنكُّبْ
* * *
إن نأى المستحيل عن قبضتيهِ
فإلى بابه يحث التَّطلُّبْ
رابع الصبح والدُّجى والتمادي
قلبُهُ ثالث الأسى والترقُب
يحمل العصر في يديه كتاباً
وعليه فطريَّةُ الشيخ يعرُبْ
عام 1988م
إ
(إلى فصول الحاء)
أغطوا عورة البنكين
ومن سلبوهما الجلدين
من اعتصروا عظامهما
ولاكوا قشرة القدمين
أتعرفهم؟ نعم وأنا
وسل خمساً إلى خمسين
* * *
حسوا أخفى قروحهما
نضاراً، من صحون لجين
ومن غوريهما طلعوا
حبالى وارتموا كالحين
إلى حلق الحمى أغزى
وأرأى من غراب البين
أحط من الذباب، وإن
رقوا سقطوا على الفلسين
على لمعان جنبيةٍ
لها نسب إلى (ابن هرين)
على كنز العجوز، على
حلاها المقتنى والهين
لأن القبح داخلهم
فأحلى ما يرون الشين
أغطوا عورة فيهم؟
أليسوا عورة الوضعين؟!
ومسؤولين موطنهم
من الشدقين للفرجين
أترجوهم وهم ألهى
بهم من ربة النحيين
* * *
زمان القحط زعمهم
لكي يدعى أبا القحطين
وكي تعتم صلعته
بقرني ثور ذي القرنين
فشادوا دولة الأفعى
ومأمورية السطوين
ورسمياً بدوا غزواً
ومن ياجوج ياجوجين
* * *
وبالوهمية انتفخوا
فغاص الطول في العرضين
تراءوا من كانوا
وجاؤوا ما دروا من اين
أجاؤوا أم تحملهم
على سهوٍ، بساط لين؟
غدوا أثرى من المبغى
وهم أولاد (خف حنين)
وحكاماً لهم، وعلى
أبٍ يدعى حفيد (رعين)
* * *
لأعلى روسهم رأس
له تاج على الفخذين
وذيل فوق هامته كلوح
الغول ذو فرعين
يولي دار ثروته
هوىً يبتاعه نصفين
ومن كعب الغنى يصبو
إلى الأغنى على الحالين
ومن حب الغنى غنى
وقبل البا تهجى الغين
يمد إلى من استعدى
على دمه فماً ويدين
* * *
من استعطى ومن أعطى
من استغشى به حربين
من استعدى كما تحكي
من استجداه مذ يومين
* * *
نفى ذا ما أدعى هذا
وبات يجيش الردين
لأن النفي تغطية
تلف الوجه بالرجلين
* * *
(مجلي) عنده خبرٌ
كخفق القلب، نجوى العين
أصيخوا لحظة، تعروا
كتيس يقتضي تيسين
وكي يصغوا شدا أعلى
“مراكش فين وتونس فين”
* * *
إليكم خير تهنية..
نجا (المهدي) من الموتين
أشاعوا مات في (الخفجي)
ب(صبيا) وهو في البحرين
وكنا هاهنا سمراً
فأمسى حولنا شبرين
أمات؟ وأين؟ كيف وما؟
أتم صياغة الشرقين
ولا أرسى الذي يرجو
وجوداً من سنا الفجرين
لأن هواه ضوئي
لأن بقلبه قلبين
وكنا في الذي يحكي
ويوصي أول الحرفين
يقوينا على الأقوى
ويكفيهن ما يلقين
رثاها (المرتضى) أرقاً
و(طه) جاد بالبيتين
وأضنت كل منحدرٍ
ربى يصفعن بالسفحين
وصاغ الدمع (ذو يزنٍ)
قصيداً، عبقر العصرين
ونادت أم ذي الوادي
تلوح يداه كالبرقين
أشم خطاه من فج..
وفوج ضحاه من فجين
(عدينة) باسمه اتعزت
ومن عرقيه رف (عدين)
فأومى فجأةً نبأ..
كأول حمرة الشفتين
رأى (المهدي) بأشتورا
عليه ومض مهديين
أذاع الأمس في (دلهي)
بياناً في (الرباط) اثنين
فزفت وضعها الخضرا
من المبكى إلى العرسين
وماذا؟ والتوى الراوي
كطيفٍ هارب الجفنين
* * *
لماذا (المرتضى استخفى
قبيل تكشف الخيطين؟
بأقصى قلبه لهب
يقاتل دونه الشفتين
أما (يحيى) به أدرى
وأخشى من بنات (القين)(2)
يخفن البيت من فمه
يرعن الجار بالجارين
لهن مرتب أعلى..
وأخفى من دجى القصرين
* * *
سألت الصبح عمته
بكت واستبكت الأختين
وكاد البيت يطفر من
كواه يشعل الحيين
ويذكي (كربلا) أخرى
على من عسكر الشمرين
ويرمي ب (الحفا) (البطحا)
بشم (الحيمة) (النهدين)
* * *
أضاف (العون) يبدو لي
أبوه أتعب الخطرين
صباح الأمس كاشفني
أتدري كيف مات (حسين)؟
دعاه الأمن مشتبهاً
وأسلمه إلى الكلبين
* * *
نعم، جبنا الضحى عنه
وبحر الليل والشطين
فأوحى الليل ما أوحى
وأزجى الصبح برهانين
وقال الراصد: استوفوا
بهذا، ثلث مليونين
لهذا زارني جاري
وأركبني إلى بابين
يرائي ذاك يدخلني
وذا يفضي إلى قبوين
* * *
هنا باب الأفندم (خا)
هنالك نائب الركنين
أهذا جارنا الأجفى
هنا يحتل كرسيين
أصحت تهمة اللسنا
به وشهادة الأمين
لهجن، رمى بزوجته
ليعطي بنته زوجين
لهذا رأسوه على
رئيسيه، بلا راسين
بدون كفاءةٍ، لكن
بشرطٍ، يحتوي شرطين
* * *
رمى عينيه بين فمي
وبين سكوته شطرين
تكلم من (حسين) من
دعاه من أشاع المين؟؟
سل الكلبين عن ولدي
وعنك (جهينةً) و(جهين)؟؟
أتقتله وتمنحني..
بضم جحيمكم قتلين؟؟
متى (فندمتمو) كلباً..
يقود الليل شرطيين؟
تعشي الكلب إنساناً
أتستكفي بإنسانين!
فقال: اكتب لنا قسماً
بدفن السر في لحدين
وكانت زوجة الوالي
ترى السجان من ثقبين
فنادت: يا فلان أضف
وللنسوان أن يبكين
* * *
كثير منك هذا يا..
وما أغلى حنان الزين
أنا فيهم بأمر أبي
ومنهم يوم نقضي الدين
شكا في غور لهجتها
فطيم فاقد الأبوين
ضحايا كلنا يا.. يا..
وقال سكوتها أمرين
ضحايا كلكم، أما
أنا، فضحية الثديين
وسلت مديةً حزت
وألقت خلفها النهدين
* * *
فنادق المدلج الحادي
إلى يائية الحاءين
يحيي عندم المنهى
على حشدية البدأين
يحني الحرب كي تفضي
إلى حرية الحبين
1994م
(أولاد عرفجة الغبشي)
..
قيل عنهم: تمردوا وأطاعوا
وكأمثالهم، أضاعوا وضاعوا
قيل: جاؤوا مِن صخرتين بوادٍ
قيل: شبّوا كما تطول التّلاعُ
قيل: هم إخوة، وقيل: رفاقٌ
قيل: هم جيرةٌ غذاهم رضاعُ
ذو أصولِ، أعلى المزايا لديهم
سلُّ سيفٍ أحدَّ منه الذراعُ
* * *
قيل: كانوا إذا أجالوا سيوفاً
في رُبى (صعدةٍ) أضاءت (رداعُ)
وإذا أولموا ب”صعفان” ليلاً
كان الليل في الخليج التماعُ
* * *
قيل: كانوا كواكباً فاستحالوا
وأدياً للشموس فيه انزراعُ
فترى الأرض حيث حلُّوا سماءً
ولهم مثلها سنىً واتساعُ…
ولهم نسبةٌ إلى كل برقٍ
وعلى نيّة الرياح اطِّلاعُ
* * *
قيل: إن الصخور كانت رطاباً
في صباهم، وللرَّوابي شراعُ
رضعوا في الصِّبا حليب الثُّريا
وارتعوا قامة الرُّبى حين جاعوا
* * *
قال راوٍ: هم أربعون، وثانِ
قال: هم تسعةُ وعمٌّ شجاعُ
فانبرى ثالثٌ، تَعِدّان ماذا؟
هم أُلوف كما تمور القلاعُ
هل تكيلانهم؟ نعم هم لدينا
نصف صاعٍ، وقل إذا شئت صاعُ
ربما تشبرانهم ذات يومٍ
ربما، أول القياس ابتداعُ
* * *
قال بعض المحللين: أطلُّوا
فجأة في الدجى فهزُّوا وراعوا
قبل أن يظهروا أتى الوصف عنهم
فرآهم – قبل العِيان – السَّماعُ
وأضاف: اغتلوا قليلاً وأغفوا
هل أقول اشتروا حماساص وباعوا؟
حين ذاك التقوا بزغب الأماني
مثلما يلتقي الندي والشُّعاعُ
* * *
قال مستبصرٌ: أتوا في زمانٍ
للنقيضين في يديه اجتماعُ
فلهم كالزمان قحطٌ وخصبٌ
وطفورٌ كموجهِ وارتجاعُ..
ولهم مثل ركبتيه انحدارٌ
ولهم مثل حاجبيه ارتفاعُ..
عن حكاياتهم أشاعوا كثيراً
واستزاد الصدى إلى ما أشاعوا
* * *
قَصَّ مؤرخٌ: كيف جاؤوا
قال ثانٍ: مضوا وجاء الصراع
ما تراهم تدافعوا ثم قرُّوا
وامتطى الآن نفسَه الاندفاعُ؟
حينما أقبلوا تغنّى التلاقي
فلماذا لا يفكهرُّ الوداعُ…؟
شوّهتهم صحيفةٌ كالأعادي
وأعادت صحيفةٌ ما أذاعوا
* * *
قيل: جاؤوا النزاع لَمّا تبدّوا
قيل: مِن قبلهم أفاق النزاعُ
قيل: جاؤوا البقاع كي يحرقوها
قيل: جاءت إلى الحريق البقاعُ
قيل: نابوا عن الغبار فهبّوا
ثم ناب الغبار عنهم فماعوا
عجزوا حين حاولوا أن يطيروا
وأرادوا أن يهبطوا فاستطاعوا
ثم قالوا: تزوجوا (بنت آوى)
وأطالت حفل الزفاف السباعُ
وتبنّى الحياد هذا وهذا
واتّقى ما انطوى عليه القناعُ
قيل: هذا، وقد يقال سواهُ
كل ماضٍ للقادمين مُشاعُ
* **
(زفة الحرائق)
..
شوقُ (واشنطنْ) إلى (بَنَما)
يستحثُّ (الإدْزَ) والصمَّما
ويوصّي ما سينقدُها
كيف يجني ربحَ ما غَرِما
كيف يشويها على (وضَمٍ)
ويذيب العظمَ والوضَما
***
شمّها أشهى، أيتركها
وهو أضرى مخلباً، وفما
وبأغلى اللحم ذو ولعٍ
مذ غَذتْهُ أمُّهُ القَرَما
***
موّه السكّينَ داخلهُ
مَنّ برى إحساسه (جَلَما)
فهو ذبّاحان مفترقاً
وهو مزّاقٌ إذا التأما
***
(بَنَما): مَنْ أين يقضمها
أيها ما غصَ مقتضِما
هل (غرينادا) شبيهتها؟
عمَّهتْ أوصافُها الكلما
ما الذي يخفى عليه بها؟
حزمُها لو شدّت الحُزما
ربما تبدو مواجهةً
غيرها أو عكْسَ ما زعما
هل قواه الراكضات على
صدرها لم تدر ما كظما؟
***
مَنْ هنا، أو ثمَّ يقصفها
غير مبدٍ وجه مَن هجما
أو يماسيها مفاجأة
مطعماً ساحاتها الحمما
كإنساً فيها البيوت إلى
حيث لا شعبٌ ولازُعما
***
مِن يديه التفَّ معتكراً
مِن حشاه انشقَّ ملتهما
سوف يرمي الشهب عاويةً
يحرق الأشجار مبتسماً
وتمادى راسماً خططاً
وبأقسى الفتك منسجما
راكباً أدغال هامتهِ
راكزاً عرقوبه عَلَما
طالعاً مَنْ ساقه عنقاً
نازلاً من أنفه قدما
داخلاً مَنْ حلقه شبقاً
خارجاً من ظهره سأما
***
لا مجيباً سائليه ولا
سائلاً ماذا انتواه وما
يأكل الأثداء لا شعَرتْ
يده لا شمَّ لا طَعِما
ذاهلاً عما طهاهُ وعن
نيىءٍ مَن لمسه انهضما
ساحباً تاريخه جثثاً
ناصباً دولاره صنما
***
تارة مستهوناً خطراً
تارةً مستسمناً ورَما
دافناً كل حمّى
باعثاً من دفنها الرِّمما
***
قلبهُ جنزير كاسحةٍ
وجههُ نفعيةُ اللؤما
هجسهُ ترسانةٌ دمُه
يُرضع الصاروخ والقلما
كي يربيّ العلم مفترساً
كالمواسي يرهف العُلَما
ولكي يردي بلاسببٍ
بالديمقراطيِّة التثما
***
مقلتاه نبض حاسبةٍ
يخطف الشرقين لمحهما
يدخل الظلماء من يدها
كي يقود الصبح متهما
***
بيتُه مرمى قذيفته
والشطايا أهله الوُسًما
مِزَقُ الأنقاض زوجتهُ
والسكرتيرات والنُّدَما
***
كل صاروخ له وطنٌ
(بَنَما) بعض الذي اغتنما
كيف يغشي النائيات ومِن
هذه ما جاوز اللَّما
وهْي أدنى من يديه إلى
فمه، لِمْ لا يغوصُ، لِمَا؟؟
وإليها اقتاد، هبَّ، وكم
هبَّ مجّاناً منتقما
(بنما)، (واشنطن) اقتحمت
– تلك في حلقي، مَنْ اقتحما
ومتى غابت؟ وهل حسمَت
غير تعقيد الذي انحسما؟
وحضور الموت يفقدهُ
رصْدَه إذ مات مُذْ قَدِما
مَن أتتْ؟ نفسُ التي انزرعَت
أيُها الأخرى؟ وأيُّهما؟
***
إنها تُصْلي هنا وهنا
تحجبُ الأضواء والظُّلَما
تلبس الآفاقَ تخلعُها
– كالمواشي – تسلخ الدِّيَما
تحرق الساعات دائرةً
حولها تستنشق الدّسَما
سوف تُفْني كلَّ ما لمست
– غير عزم الفتية العُظُما
***
كم أحالت تلك عامرةً
عدماً يستوطن العَدما
سل (هروشيما) وصنوتها
– صديقي – مَن أبادهما؟
لو رآها سدُّكمْ لأبى
أن يسمّي سيله العَرِما
ناوشتْ (كوبا) لتأكلها
فاستجاشتْ همّها همما
و(الخليج) اليوم يذكرها
ما الذي ألقت وكيف طمى
في (غرينادا) همت لهباً
يعرف الشيطان كيف هَمى
هشمَتْ في (ليبيا) قمراً
يحتذي مولى الذي هشما
ولها في (كوريا) خبرٌ
قلت: هل أرويكَ؟ فاحتشما!
***
هذه أخبار مَسْبعةٍ
لتهم الغربان والرَّخما
كيف عني الآن أدفعها؟
هل ترى إيضاحها انْبَهما؟
***
السماء الآن قنبلةٌ
ترتعي أرضاً بدون سما
ترتمي، ترقى، يكسِّرها
نصفُها الأعلى بما التقما
مثلُ بحرٍ قام مجتمعاً
يعصر الغيماتِ فانقسما
تلك لا تَروى وإن جرعَت
بالتهام المؤلم الألما
تلحس الممسوحَ باذرةً
في احتمال الصيحةِ البَكَما
وتزفُّ الموتَ تعجمهُ
تنتحي تستعرب العَجما
***
ما الذي ينقضّ منتعلاً
عالَماً انفصما
كابن خمسٍ جدُّ جدَّتهِ
فيه أصبى مقلةً ولّمى
يمتطي إن قام لحيتَهُ
يرتدي فخذيه إن جثما
يلعن الأعلام، مَنْ غدروا
باسمها الأخلاق والذِّمما
والألى أثروا بما حرموا
والذين استوهبوا النعما
وتماثيل الألى ذهبوا
ومجيء الصِّبية الحُلَما
أَغشَمُ الآتين مَظْلَمةٌ
مَن أطاعوا كلَّ مَن ظلما
كل تنظيماتهم فقدت نهجها
مذ أصبحت نُظُما
***
يا طواحين الحريق متى
يهجع القصف الذي بَشما؟
الربى تنبو بأظهرها
كخيولٍ تَعْلِكُ اللجما
والحواري في اسمها غَرَبت
بلدٌ مِن خَصره انقصما
***
(بنما)، (واشنطن) امتشقت
مَن قواها الأحدث النّهمِا
– إنها بالقتل عالمةٌ
إنما لا تعرف الندما
(فَتْنمِي) كفَّيكِ تلك بنَتْ
مِن شظايا هذه هَرَما
***
انظري كيف اعتلت ودنت
تطحن الأوهاد والقمما
هاهنا تجتاح مَزْدَحَماً
وهنا تجتثُّ مُزدحما
تمضغ الجدران تنفثها
خلفها ترمي بها قُدما
***
ليس تدري ما الذي حَطَمَتْ
ما الذي مَن عظمها انحطما؟
ما الذي مَن تحتها هدمت
ما الذي من فوقها انهدما؟
هل رمت سوقيْنِ أم شبحاً؟
هل رمت جيشاً وكيف رمى؟
هل شوت تسعين مدرسةً؟
أحم حَماماً لم تجد حَرما؟
ما تسميه الذي رسمت
ما الذي مِن عكسه ارتسما؟
أهي جاءت تستبيح دماً؟
قل وجاءت كي تصبَّ دما
مثل كسر الطفل صيِنيَةً
كَسّرتْ كي تسمع النغما
(كيف تصبو دولةٌ نَصَفٌ
خير نصفيها الذي انصرما)
ذئبة ناريّضةٌ سترى
أنها ما باغتت غنما
***
حاربت للحرب عبَّأني
وطني كي أحرس الشَّمما
نبتغي داري وقُطر أبي
وأنا أحمي أعزَّ حمى
لبَّت الشيطان في دمها
وأجبتُ البذلَ والقيما
القوى في كفِّ زوبعةٍ
غيرها في قبضة الفُهما
***
قيل لي: غامرت، قال أبي:
يغلب الأقوى من اعتزما
مِن دمي غُصَّتْ بأفسده
وأنا خفَّيت مُحْتجما
***
قيل مَن كانوا هنا عسساً
عندها أضحوا لها خُصَما
هل تراها حاربت وطناً
كي تقاضي خمسةً غُرَما
***
مرَّ (أتْسوعٌ) وما لمحَتْ
ما الذي ولّى وما نجما؟
وقتُهما إسقاط حاميةٍ
موقعٍ ما زال محتدما
خَتْلُ حيٍّ لا وجومَ به
مِن حشا الحيِّ الذي وجما
مدفعٌ يهتاج أربعةً
ورجيمٌ يسرد الرُّجُما
***
كلُّ آنٍ خلفها مدَدٌ..
خلفه ثانٍ إذا انثلما
إن أشابت ذا الحِمام وذا
زفَّت الموتَ الذي اغتلما
أصبحت حرباً يُشيْطنها
ماردٌ يعتاد ما اجترما
خِلتُها تلويحَ ذي بصرٍ
رؤيةُ الغازي أشدُّ عمى
***
ليتني (عَوْجٌ) أحطُّ هنا
(كَنِناً) يحميك أو (نُقُما)
من هما؟ أعتى الجبال على
كلِّ عاتٍ ذاك دأبهما
لو رآكِ الأطلسي وأنا
قال: حُلْ يا (جورج) بينهما
مَن له قلبٌ فليس لهُ
قدرةٌ ما أغرب الرُّحَما
مَن تسمّى؟ عيدُ معركتي
أن ألاقي الآن ملتزما
ما تزال الأرض عامرةً
بالرفاق الثُّقَّب الكرما
ولماذا لا أشاهدهم
أعظم الأخطار ما انكتما؟
كل لاتينيَّةٍ جمعَتْ
أمرها مِن أمرنا أَمَما
***
بعد هذي الحرب ثالثةٌ
قل: ورابعةٌ وزدْ رقما
قيل لي: (واشنطن) اتِّحدتْ
بالردى، شاخ اتحادهما
قد أراها في هجوم غدٍ
للردى الثاني غدتْ خَدَما
فهي أرمى بالحتوف إلى
كلِّ شعبٍ ثار أو حَلُما
ما أنا الأولى بدفترها
لا (مَنَجْوا) آخرُ القدما
***
أيُّ قطرٍ فيه ما اضطرمَت
أو بعدوى نارها اضطرما
فإذا ما داهمت فلها
مَن دهى عنها ومن دهما
***
لو لها ماضٍ لشاهدها
تستحلُّ الأشهرَ الحُرما
والذي شاد (الخليل) ومَن
طاف بالأركان واستلما
لو رآها المُعْرقون لما
شيّدوا (الأهرامَ) أو (إِرَما)
فهْي تأتي اليوم قاتلةً
ثم تأتي ضيف مَن سلما
تثبت الأولى إدانتها
ترتضي الأخرى بها حكَما
تكتري زوجاً كشكل فتىً
زوجةً لا تملك الرَّحِما
***
سوف تلقاني أجَدَّ قوىً
وألاقيها أحرَّ ظما
لا انتهى غاذي مقاومتي
لا ولا عدوانها اختتما
***
قلْ لواشنطن متى اقتدرت
أمَّةٌ أن تبلع الأمما
إنها الأقوى بدون حِجىً
ولها حُكْمٌ بلا حُكَما
إن تبعْ باعتْ منىً بمنىً
إن شرت تشري دُمىً بِدُمى
إن رأتها بالقوى انتصرتْ
هل رأت إنساني انهزما
شذَّبتْ فوضى زوائده
تحت نار الهجمة انتظما
والذي أدمتْ ثراه به
شمَّ حِنّا أرضه فنما
إن أدارتْ فيه ملحمةً
فعلى إصراره التحما
***
عبثاً جاءت فما قتلتْ
غير مقتولٍ بها اعتصما
وانثنتْ مفنوخةً وأنا
غيرَ مَن ظنّت أنا (بنما)
1990م
(امرأة الفقيد)
..
لم لا تعود؟ وعاد كل مجاهد
بحلى (النقيب) أو انتفاخ (الرائد)
ورجعت أنت، توقعاً لملمته
من نبض طيفك واخضرار مواعدي
وعلى التصاقك باحتمالي أقلقت
عيناي مضطجع الطريق الهامدِ
وامتد فصل في انتظارك وابتدا
فصل، تلفح بالدخان الحاقد
وتمطت الربوات تبصق عمرها
دمها وتحفر عن شتاء بائد
وغداة يوم، عاد آخر موكب
فشممت خطوك في الزحام الراعد
وجمعت شخصك بنية وملامحاً
من كل وجه في اللقاء الحاشد
حتى اقتربت وأم كل بيته
فتشت عنك بلا احتمال واعد
**
من ذا رآك وأين أنت؟ ولا صدى
أومي إليك، ولا إجابة عائد
وإلى انتظار البيت، عدتُ كطائر
قلق ينوء على جناح واحد
**
لا تنطفي يا شمس: غابات الدجى
يأكلن وجهي يبتلعن مراقدي
وسهدت والجدران تصغي مثلما
أصغي، وتسعل كالجريح الساهد
والسقف يسأل وجنتي لمن هما؟
ولمن فمي؟وغرور صدري الناهد؟
ومغازل الأمطار تعجن شارعاً
لزجاً حصاه من النجيع الجامد
وأنا أصيخ إلى خطاك أحسها
تدنو، وتبعد، كالخيال الشارد
ويقول لي شيء، بأنك لم تعد
فأعوذ من همس الرجيم المارد
**
أتعود لي؟ من لي؟ أتدري أنني
أدعوك، أنك مقلتاي وساعدي
إني هنا أحكي لطيفك قصتي
فيعي، ويلهث كالذبال النافد
خلفتني وحدي، وخلفني أبي
وشقيقتي، للمأتم المتزايد
وفقدت أمي: آه يا أم افتحي
عينيك، والتفتي إلي وشاهدي
وقبرت أهلي، فالمقابر وحدها
أهلي، ووالدتي الحنون ووالدي
وذهلت أنت أو ارتميت ضحية
وبقيت وحدي، للفراغ البارد
**
أتعود لي؟ فيعب ليلي ظله
ويصيح في الآفاق أين فراقدي؟
أكتوبر1964م
(حضان المآتم)
كان يبدو، كصائم ما تعشى
الملايين فيه، جوعى وعطشى
أثث القلب للعراة، ويحكي
أنه ما أذاق جنبيه فرشا
* * *
بين جنبيه تشرئب الشظايا
أنجماً من دمٍ، صباحاً مغشى
كل مثوىً نبا بها فوعاها
منه قلب أحلها فيه عرشا
في حناياه ترتعي، ثم تصبو
وهو ذاو، يكاد ينحل قشا
كل (أفغان) فيه تنهار تعلو
كل (صيدا) تنهد فيه لتنشا
* * *
أي سر عن كل شلو سيبدي
أي أخبارها إلى الريح أفشى
إنه يحمل الضحايا، ويضني
عن خبيئاتها المجاهيل نبشا
ما الذي باح للسوافي، دعاها
لا تنامي، صبى على الوحش وحشا
مصرع الباطشين ما شئت منه
مقتل اثنين، بل تزيلين بطشا
هل أجابته، هل درى من يباكي
أهل صرعى (جنين) أو أهل (موشى)؟!
* * *
عنه ساهٍ، لاهٍ بكل صريع
وعلى المنظرين، أحنى وأخشى
ذاك أقوى فتىً، وأبكى إذا ما
أن شيخ أو اشتكى الطفل خدشا
أو تعاطى فن الكتابة ناءٍ
عن حماها، يدمي الوريقات خمشا
* * *
كل آن تغشاه أخفى المآسي
وعليها يقيس ما ليس يغشى
جاره من يعول عشراً، رماه
جاره جثة، على أي ممشى
فامتطى من رماه أصبى طرازٍ
وارتجى المرتمي، ومانال نعشا
واقتضى قاتل الفقير ألوفاً
والبواكي عليه، ما نلن قرشا
* * *
هكذا حكمنا، علينا ومنا
في زمان أعمى، يقسيه أعشى
واللغى فيه باع، وابتاع، أردى
احتوى واستزاد، رشى، ترشى
ما تلقى عير (الكوميشان) درساً
فالتمسه إن شئت، في باب (كمشا)
* * *
ونرانا بالهجو نرميه بحراً
مثل من يستلذ في الحلم فحشا
قال ذاك النموذج الفرد يؤذي
أوبش الناس، حين تدعوه وبشا
وإلى القاذفات أومى، لماذا
كنت أقسى؟ وكنت ليناً وهشا
ليس من يدفن البيوت الحزانى
مثل من ينطوي على قتل (رقشا)
من عظامي هذي الخرابات تبدو
كشؤوني: لهفى، وغرثى، وعمشا
تلك تشتف حزن عاتيك، هذي
مثل أمية تترجم نقشا
تلك محشوة، بيتم الصبايا
ذي بأدمى القلوب والخوف، أحشى
* * *
ذلك التل كان أضلاع فوجٍ
الردى فيه، للردى الغير بشا
كل قصفٍ ما هز صنعاء فيه
كل شعوى ما استطلعت منه رعشا
ذاد حتى انطفائه، قام تلا
يعتلي الناهشين، رجماً ونهشا
قال: لو في التلال جذر قتال
كجذوري، لأصبح الذئب كبشا
* * *
قص هذا للقاذفات، ونادى:
ارجعي محرثاً فؤوساً ورفشا
كل بيت رشيت بالنار يعيا
كيف ترقين، كي تصيري مرشا
الرفات التي قذفت يميناً
وشمالاً كانت ربيعاً موشى
* * *
قال هذا، وغاص يبحث عنه
فيه يمشي، وسائلاً من تمشى
نافشاً قلبه على الليل (عهناً)
يبتدي غزله، فيرتد نفشا
واجتلى المبتدا، فشم كتاباً
مد أبكى الفصول فيه، وحشى
كان يذوي كي يسمن الفن فيه
ويعري، كي يظهر الغش غشا
1994
(ميلاد الربيع)
..
ولد الربيع معطر الأنوار
غرد الهوى ومجنح الأشعار
ومضت مواكبه على الدنيا كما
تمضي يد الشادي على الأوتار
جذلان أحلى من محاورة المنى
وأحبٌ من نجوى الخيال الساري
وألذُ من سحر الصَبا وأرق من
صمتِ الدموع ورعشه القيثار
هبط الربيع على الحياة كأنه
بعْثٌ يعيدُ طفولة الأعمار
فصبت به الأرض الوقور وغردت
وتراقصت فتن الجمال العاري
وكأنه في كل وادٍ مرقص
مرح اللحون معربدً المزمار
وبكل سفحٍ عاشقٌ مترنم
وبكل رابية لسان قاري
وبكل منطعف هديرُ حمامه
وبكل حانية ٍ نشيدُ هزار
وبكلٌ روض ٍ شاعرٌ يذرو الغنا
فوق الربا وعرائس الأزهار
وكأن أزهار الغصون عرائس
بيض معندمة الشفاء وعواري
وخرائد زهرُ الصبا يسفرن عن
ثغر لؤليَّ وخد ناري
من كل ساحرة الجمال تهزها
قبل الندى وبكا الغدير الجاري
وشفاه أنفاس النسيم تدبٌ في
بسماتها كالشعر في الأفكارٍ
فِتنٌ وآيات تشعُ وتنتشي
كالحور بين تبسمٍ وجوار
ناريةُ الألوان فردوسية
ذهبية الآصال والأسحار
آذارُ يا فصل الصبابة والصَّبا
ومراقص الأحلام والأمطار
يا حانة اللحن الفريد وملتقى
نجوى الطروب ولوعة المحتار
أجواؤك الفضية الزرقا جلت
صور الهنا وعواطف الأقدار
ومحا هواك هوا الشتا القاسي كما
يمحو المتابُ صحيفة الأوزار
في جوك الشعري نشيد حالم
وعباقر شمُ الخيال عذاري
* * *
ما أنت إلا بسمة قدسيةُ
ريا الشفاه عميقة الأسرار
وبشائر مخضلة وترنم
عبقٌ أنيق السحر والسَّحَّار
(فجر النبوة)
..
صور الجلال وزهوةُ الأمجاد
سكبتْ نميرَ الوحي في إنشادي
صورٌ من الأمس البعيدِ حوافلٌ
بالذكريات روائحٌ وغوادي
خطرتْ تعيد مشاهد الماضي إلى
اليوم الجديد إلى الغد المتهادي
حملتْ من الميلاد أروع آيةِ
غمرتْ متاهَ الكون بالإرشاد
زمَرُ من الذكرى تروح وتغتدي
وتشقٌ أبعاداً إلى أبعادِ
وتزفُ وحي المولد الزاهي كما
زف النسيمُ شذا الربيعِ الشادي
* * *
يا فجر النبوة ميلاد النبوة هذهِ
ذكراكَ فجرٌ دائمُ الميلاد
وتهلل الكونُ البهيجُ كأنهُ
حفلُ من الأعراسٍ والأعيادِ
وأفاقتِ الوثنيةُ الحيري على
فجر الهدى وعلى الرسولِ الهادي
فمواكب البشرى هناك وهَهُنا
تُنْبي الوجود بأكرام الأولاد
والمجدُ ينتظرُ الوليد كأنهُ
والمجد والعليا على ميعاد
وترعرع الطفلُ الرسولُ فهبَ في
دنيا الفساد يبيدُ كل فسادِ
وسرى كما تسري الكواكبُ ساحراً
بالشوك بالعقبات والإنجادِ
بالغدر يسعى خلفهُ وأمامه
بالهول بالإبراق بالإرعادِ
لا… لمْ يزلْ يمشي إلى غاياتهِ
وطريقهُ لهبٌ من الأحقاد
فدعا قريشاَ للهدى وسيوفها
تهفو إلى دمهِ من الأغمادِ
فمضى يشقُ طريقهُ ويطيرُ في
أفقِ العلا والموت بالمرصادِ
ويدوس أخطار العداوة ماضياً
في السير لا واهِ ولا متمادي
لا يركب الأخطار إلا مثلها
خطرٌ يعادي في العلا ويعادي
نادى الرسولُ إلى السعادة والهنا
فصغتْ إليه حواضرٌ وبوادي
وتصاممت فئة الضلالة واعتدت فأتى
إليها كالآتي العادي
واهتاجتِ الهيجا فأصبحتِ العدا
خبراً من الماضي وطيف رقادِ
لا تُسكتُ الأوغاد إلا وثبةٌ
ناريةٌ غضبى على الأوغادِ
ومن القتال دناءةٌ وحشيةٌ
حمقى ومنه عقيدة ومبادي
* * *
خاض الرسولُ إلى العلا هول الدُجى
ولظى الهجير اللافحِ الوقادِ
واقتاد قافلة الفتوح إلى الفدى
والمكرماتُ دليلها والحادي
وهفا إلى شرف الجهادِ وحولهُ
قومُ تفور صبابةُ استشهادِ
قومُ إذا صرخ العراك توثبوا
نحو الوغى في أهبةِ استعداد
وتماسكوا جنباً لجنب وارتموا
كالموج في الإرغاء والإزبادِ
وتدافعوا مثلَ السيول تصبها
قممُ الجبال إلى بطون الوادي
وإذا تساجلت السيوف رأيتهم
خُرساً وألسنة السيوف تنادي
همُ في السلام ملائكٌ ولدى الوغي
جن تطيرُ على ظهور جيادِ
وهمُ الألى الشم الذين تفتحتْ
لجيوشهم أبواب كل بلادِ
الناشرون النور والتوحيد في
دنيا الظلال وعالم الإلحادِ
الطائرون على السيوف إلى العلا
والهابطون على القنا الميادِ
* * *
بعث الرسولُ من التفرق وحدة
ومن العدا القاسي أرقً ودادِ
فتعاقدت قوم الحروب على الصفا
وتوحدت في غايةٍ ومرادِ
وتحركت فيها الأخوة مثلما
تتحرك الأرواح في الأجسادِ
ومحا ختام المرسلين عن الورى
صلف الطَغاة وشرعةَ الأنكادِ
فهناك تيجان تخرُ وهَهُنا
بين السكون مصارعُ استبدادِ
وهناك آلهة تئن وتنطوي
في خزيها وتلوذ بالعبَّادِ
والمرسلُ الأسمى يوزع جهدهُ
في الحق بين هدايةِ وجهادِ
حتى بنى للحق أرفع ملًةِ
ترعى حقوق الجمع والأفرادِ
وشريعةٍ تمضي بها جيلٌ إلى
جيلٍ وآزال إلى آبادِ
* * *
يا خير منْ شرع الحقوق وخير منْ
آوى اليتيم بأشفق الإسعادِ
يا منْ أتى بالسلم والحسنى ومنْ
حقنَ الدما في العالم الجلادِ
أهدي إليك ومنك فكرة شاعرِ
درس الرجال فهامَ بالأمجادِ
** ** **
(بشرى النبوءة)
..
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار
وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار
بشرى النبوة طافت كالشذى سحراً
وأعلنت في الربى ميلاد أنوار
وشقت الصمت والأنسام تحملها
تحت السكينة من دارٍ إلى دار
وهدهدت “مكة” الوسنى أناملها
وهزت الفجر إيذاناً بإسفار
* * *
فأقبل الفجر من خلف التلال وفي
عينيه أسرار عشاقٍ وسمار
كأن فيض السنى في كل رابيةٍ
موجٌ وفي كل سفحٍ جدولٌ جاري
تدافع الفجر في الدنيا يزف إلى
تاريخها فجر أجيالٍ وأدهار
واستقبل الفتح طفلاً في تبسمه
آيات بشرى وإيماءات إنذار
وشب طفل الهدى المنشود متزراً
بالحق متشحاً بالنور والنار
في كفه شعلةٌ تهدي وفي فمه
بشرى وفي عينه إصرار أقدار
وفي ملامحه وعدٌ وفي دمه
بطولة تتحدى كل جبار
* * *
وفاض بالنور فاغتم الطغاة به
واللص يخشى سطوع الكوكب الساري
والوعي كالنور يخزي الظالمين كما
يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار
نادى الرسول نداء العدل فاحتشدت
كتائب الجور تنضي كل بتار
كأنها خلفه نارٌ مجنحةٌ
تعدو وقدامه أفواج إعصار
فضج بالحق والدنيا بما رحبت
تهوي عليه بأشداقٍ وأظفار
وسار والدرب أحقادٌ مسلحةٌ
كأن في كل شبرٍ ضيغماً ضاري
وهب في دربه المرسوم مندفعاً
كالدهر يقذف أخطاراً بأخطار
* * *
فأدبر الظلم يلقي ها هنا أجلاً
وها هنا يتلقى كف… حفار
والظلم مهما احتمت بالبطش عصبته
فلم تطق وقفةً في وجه تيار
رأى اليتيم أبو الأيتام غايته
قصوى فشق إليها كل مضمار
وامتدت الملة السمحا يرف على
جبينها تاج إعظامٍ وإكبار
* * *
مضى إلى الفتح لا بغياً ولاطمعاً
لكن حناناً وتطهيراً لأوزار
فأنزل الجور قبراً وابتنى زمناً
عدلاً… تدبره أفكار أحرار
* * *
يا قاتل الظلم صالت هاهنا وهنا
فظايعٌ أين منها زندك الواري
أرض الجنوب دياري وهي مهد أبي
تئن ما بين سفاحٍ وسمسار
يشدها قيد سجانِ وينهشها
سوطٌ… ويحدو خطاها صتت خمار
تعطي القياد وزيراً وهو متجرٌ
بجوعها فهو فيها البايع الشاري
فكيف لانت لجلاد الحمى “عدنٌ”
وكيف ساس حماها غدر فجار؟
وقادها زعماءٌ لا يبررهم
فعلٌ وأقوالهم أقوال أبرار
أشباه ناسٍ وخيرات البلاد لهم
– يا للرجال – وشعبٌ جائع عاري
أشباه ناسٍ دنانير البلاد لهم
ووزنهم لا يساوي ربع دينار
ولا يصونون عند الغدر أنفسهم
فهل يصونون عهد الصحب والجار
ترى شخوصهم رسميةً وترى
أطماعهم في الحمى أطماع تجار
* * *
أكاد أسخر منهم ثم يضحكني
دعواهم أنهم أصحاب أفكار
يبنون بالظلم دوراً كي نمجدهم
ومجدهم رجس أخشابٍ وأحجار
لا تخبر الشعب عنهم إن أعينه
ترى فظائعهم من خلف أستار
الآكلون جراح الشعب تخبرنا
ثيابهم أنهم آلات أشرار
ثيابهم رشوةٌ تنبي مظاهرها
بأنها دمع أكباد وأبصار
يشرون بالذل ألقاباً تسترهم
لكنهم يسترون العار بالعار
تحسهم في يد المستعمرين كما
تحس مسبحةً في كف سحار
* * *
ويلٌ وويلٌ لأعداء البلاد إذا
ضج السكون وهبت غضبة الثار!
فليغنم الجور إقبال الزمان له
فإن إقباله إنذار إدبار
* * *
والناس شرٌ وأخيارٌ وشرهم
منافق يتزيا زي أخيار
وأضيع الناس شعبٌ بات يحرسه
لص تستره أثواب أحبار
في ثغره لغة الحاني بأمته
وفي يديه لها سكين جزار!
حقد الشعوب براكينٌ مسممةٌ
وقودها كل خوان وغدار
من كل محتقر للشعب صورته
رسم الخيانات أو تمثال أقذار
وجثةٌ شوش التعطير جيفتها
كأنها ميتةٌ في ثوب عطار
* * *
بين الجنوب والعابثين به
يومٌ يحن إليه يوم “ذي قار”
* * *
يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت
ذكراه كالفجر في أحضان أنهار
يا صاحب المبدأ الأعلى، وهل حملت
رسالة الحق إلا روح مختار؟
أعلى المبادىء ما صاغت لحاملها
من الهدى والضحايا نصب تذكار
فكيف نذكر أشخاصاً مبادئهم
مبادىء الذئب في إقدامه الضاري؟!
يبدون للشعب أحباباً وبينهم
والشعب ما بين طبع الهر والفار
ما لي أغنيك يا “طه” وفي نغمي
دمعٌ وفي خاطري أحقاد ثوار؟
تململت كبرياء الجرح فانتفزت
حقدي على الجور من أغوار أغواري
* * *
يا “أحمد النور” عفواً إن ثأرت ففي
صدري جحيمٌ تشظت بين أشعاري
“طه” إذا ثار إنشادي فإن أبي
“حسان” أخباره في الشعر أخباري
أنا ابن أنصارك الغر الألى قذفوا
جيش الطغاة بجيشٍ منك جرار
تظافرت في الفدى حوليك أنفسهم
كأنهن قلاعٌ خلف أسوار
نحن اليمانين يا “طه” تطير بنا
إلى روابي العلا أرواح أنصار
إذا تذكرت “عماراً” ومبدأه
فافخر بنا: إننا أحفاد “عمار”
“طه” إليك صلاة الشعر ترفعها
روحي وتعزفها أوتار قيثار
(هكذا أمضي)
..
سهدت وأصباني جميل سهادي
فأهرقت في النسيان كأس رقادي
وسامرت في جفن السهاد سرائراً
لطافاً كذكرى من عهود وداد
ونادمت وحي الفن أحسو رحيقه
وأحسو وقلبي في الجوانح صادي
إذا رمت نوماً قلقل الشوق مرقدي
وهزت بنات الذكريات وسادي
وهازجني من أعين الليل هاتفٌ
من السحر في عينيه موج سواد
له شوق مهجور، وفتنة هاجرٍ
وأسرار حيٍ في سكون جماد
له تارةً طبع البخيل… وتارةً
له خلق مطواعٍ وطبع جواد
تدور عليه الشهب وسنى كأنها
بقية جمر في غضون رماد
* * *
لك الله يا بن الشعر كم تعصر الدجى
أغاريد عرس أو نحيب حداد
تنوح على الأوتار حيناً وتارةً
تغني وحيناً تشكي وتنادي
كأنك في ظل السكينة جدولٌ
يغني لوادٍ أو ينوح لوادي
هو الشعر.. لي في الشعر دنيا حدودها
وراء التمني خلف كل بعاد
ألا فلتضق عني البلاد فلم يضق
طموحي وإن ضاقت رحاب بلادي
ولا ضاق صدري بالهموم لأنها
بنات فؤادٍ فيه ألف فؤاد
ولا قهرت نفسي الخطوب وكم غدت
تراوحني أهوالها وتغادي
* * *
قطعت طريق المجد والصبر وحده
رفيقي، ومائي في الطريق وزادي
ومازلت أمشي الدرب والدرب كله
مسارب حياتٍ وكيد أعادي
ولي من ضميري ألف دنيا من المنى
وفجر من الذكرى وروضة شادي
ولي في لهيب الشوق في حيرة السرى
دليلٌ إلى الشأو البعيد وحادي
هو الصبر زادي في المسير لغايتي
وإن عدت عنها فهو زاد معادي
ولا: لم أعد عن غايتي، لم أعد ولم
يكفكف عناد العاصفات عنادي
فجوري عليَّ يا حياة أو ارفقي
فلن أنثني عن وجهتي ومرادي
فإن الرزايا نضج روحي وإنها
غذاء لتاريخي ووري زنادي
* * *
سأمضي ولو لاقيت في كل خطوةٍ
حسام “يزيدٍ” أو وعيد “زياد”
ألا هكذا أمضي وأمضي ومسلكي
رؤوس شياطين وشوك قتاد
ولو أخرت رجلي خطاها قطعتها
وألقيت في كف الرياح قيادي
فلا مهجتي مني إذا راعها الشقا
ولا الرأس مني إن حنته عوادي
ولا الروح مني إن تباكت وإن شكا
فؤادي أساه فهو ليس فؤادي
هو العمر ميدان الصراع وهل ترى
فتى شق ميداناً بغير جهاد؟
(لأنك موطني)
..
يُقالُ عيونُك النّعسى
لأول نجمةٍ مرسى
لأمِّ الشمس مُضطجعٌ
إليه تَنسُبُ المشمسا
لشوق الحرف محبرةٌ
تعير المأتمَ العرسا
وعاصمةٌ لها طربٌ
وكلُّ مدينةٍ خرْسا
لأنكَ حسب ما زعموا
سبقتَ الروم والفُرسا
أأنت أبو(سبرتاكوسَ)
أُمُّ شرارة (الأحسا)
بريقُ حسام (عنترةٍ)
وسرُّ فصاحة (الخنسا)
لهذا عنك يا وطني
نعبُّ الأخطرَ الأقسى
إليكَ ومنك غايتُنا
أقصراً كنتَ أم رمْسا
أكنتَ عشيّةَ الماضي
أم الأمسَ الذي أمسى
قلوبُ القلب أنتَ ودع
أيُمناً كنتَ أم نَحْسا
وما التاريخ كيف هذى
وخطّ حجاركَ الملْسا؟
ووشّى دودَ مقبرةٍ
وعنها استقبل الدرْسا
فسمّى (أسعد) الأسبى
ولقَّب (مَذْحجاً) (عنْسا)
ويروي ما روى سلَفاً
وينسى أنه ينسى
لأنك موطني أفنى
حريقاً فيك لا يغسى
ولا أدعو مجازفةً
ضياعي فيك أو أَأْسى
ألستَ المفتدى الأغلى
بلا سبئيَّةٍ قعسا؟
بلا (ذُبيان) مُنتسبي
وعن (ذُبيانَ) سلْ (عبسا)
لأنك قلت لي بَشرٌ
ودع مَن صنّفوا الجنسا
لأنك بيت متّقدي
أُجَمِّرُ باسمك الحسَّا
وأحمل أنفساً شتّى
أُلمُّ شَتاتها نفسا
أحبكَ ناقداً خطِراٌ
مغنّي البلدة التّعْسا
عيوفاً ما حسا عسلاً
أتى مِن شُبهة المحسى
نبيّاً إن رأى شبحاً
رمى ب(سُمارةَ) (الرَسّا)
وقيل استلَّ (وائلة) ً
وقيل تأبّط (الكِبْسا)
وطمَّ ب(كربلا) (صفَدا”
وب(المهديّة) (القدسا)
ونادى: يا (مذيحرة)ٌُ
أتنسى الشعلةُ القَبْسا؟
أياأخذ جزيةً ملكٌ
ويقبض باسمكَ المكْسا؟
ويشري (مريماً) ب(لمى)
كما يستبدل اللبسا
رضعتَ الطهر يا وطني
فدعْ مَنْ يَغتذي الرِّجسا
أحسُّك في شذى المرعى
غناءً، فيالندى هَجْسا
أضمُّك خضرةً كحلى
أشمُّك فكرةً لعْسا
وشوقاً حادساً ومُنىً
وودعاً يسبق الحدْسا
جمالاً لا يطيق فمي
أمام جلاله النَّبْسا
أُحُّبكَ هامةً صَلْعا
فتىً مِن صره أجْسى
ومِن أجوائه أصفى
ومن أجباله أرسى
يعي السرّا، يُرى أقوى
على البأسا مِن البأسا
وأهواك ابنةً وأباً
يرى ما لا يُرى لمسا
وكبرى تحسب الصغرى
تبيع سريرها بخسا
أُحِبُّكَ ثائراً أبداً
غصوناً تنهمي أُنْسا
عصافيرا وأودية
كتاباً غابةً مَيْسا
ومحراباً ومدرسةً
وبيتاً، ملعباً، حبسا
وجوّاباً على أمل
وسُوقاً يسكن الفِلسا
وإنصاتاً، وأغنيةً
وهمساً يحتسي الهمسا
ونافذةً ترى (حَسنا) ً
يغازل تحتها (حَسَّا)
أحبُّكَ غير مُحتجبٍ
لأنك عارياً أكسى
صريحاً، ما ارتدى أحداً
ولا في غيره اندسّا
أتبغي عطر (هولندا)
أعنك تشكِّل العكسا؟
وهل (فُرويد) أيُّ فتىً
يجاري (موظة) (النمسا)
أُريدُك تلبس (الكاذي)
وترعى (الخَمْطَ) و(الوَرْسا)
وتسري مِن (جعار) إلى
دوالي (صعدة) خمسا
أواناً راكباً (جَملاً)
وحيناً (ناقةً) وَعْسا
وطوراً حافياً يصبوا
ربو كلما جّسا
أليس براءةُ المرْبى
تنقّي البذرَ والغرسا
1991م
(ربيعية الشتاء)
..
هذا الذي سمَّيتُه منزلي
كان انتظاراً قبل أن تدخلي
كان سؤالَ القلب عن قلبه
يشتاق عن قلبيْه أن تسألي
أن ترجعي مثل الربيع الذي
يغيب في الأعواد كي ينجلي
أن تصبحي مثل نثيث الندى
مثل نجوم الصيف أن تُلْيلي
أن تومئي واعدةً ليلةً
وليلةً تنسين كي تبتلي
كيما تنادي الأرض: أجنيتِ يا
حدائقي أينعت يا سُنْبلي
***
أَقَبْلَ سُكْرِ الوعد، قالوا صحت؟
أيُّ هوىً أرغى بها: عجِّلي؟
هذا زمانٌ مذهلٌ ذاهلٌ
عنه فمن حاولتِ أن تُذهلي؟
ذا جمر صنعا خُفْتُ إذ أحرقوا
فيه (بخور الشيخ) أن تسعلي
أن تصرخي: هل رامني موئلاً
مَنْ غاب عن حسبانه موئلي
أظنُّ ما أسرعتِ كي تُدهِشي
هل قال داعي القلب أن تُقْبلي؟
أقول ماذا؟ صاح من لا أرى
: عليك من نصفيْكِ أن ترحلي
من مكتب التأجيل قالوا: ثبِي
أنهي كتابَ الأمس؟ لا، أجِّلي
لا تحملي أيُّ كتاب ولا
دواةِ (جيفارا) ولا (الزِّركلي)
رحلتُ منْ ساقي، إلى سُرَّتي
منْ أعْرَضي أعدو إلى أطوَلي
مفاصلي كانت طريقي وما
درتْ حصاةٌ أنها مِفْصلي
***
أَقرأتُ كفِّي البرقَ حنّى فمي
قرأتُ كفَّ المشمش الحوملي
هل مرَّ يا ابْني مَنْ هنا أو هنا
أيُّ جوادٍ جَدُّه (مَوْكَلي)؟
هل خلتَ موّالاً كسرب القطا
يزقو ويدعو: يا ربى موِّلي
***
أسمعتُه (الجرّاش) و(القَعْطَبي)
بكى على (بستان) و(الموصلي)
ومدَّ نحوي سلّةً لم يقل
صِلي بها مهواك أوْ وصِّلي
***
ناديتُ: ياذا الورد ضمِّخْ يدي
فقال: أهلي قطَّعوا أكْحلي
وقال (قاعُ الوطْية) استخبري
(عيشانَ) عن قمحي وعن خردلي
***
ماذا ألاقي يا (بن علوان) قلْ
يا(عيدروسُ) احْمِلْ معي مُثْقِلي
أيٌي، أنا، بيني وبيني، على
أيِّ الشطايا وجهيَ الجرْولي
***
سألتُ ذاتَ الودْعِ ما طالعي؟
أفضتْ بردَّيْنِ: عليَّ ولي
لأيِّ أزواجي جنى عِشرتي
خذي سواهم قبل أن تحملي
جمالُ هذي الحقْبة استْنوقَتْ
والآن يا إنسانة استرجلي
وغيِّري (يحيى بيفنى) وكي
تُبدِّلي عن جوفكِ استبدلي
***
واحتثَّني مُسْتقبلي قبل أن
أعدَّ رمّاني ولا حنظلي
قولي: أيبدو منزلي غير ما
عَهِدْتهِ مَنْ قبل أن تنزلي
تنحنحتْ مثل الخطيب الذي
أنساه شيءٌ، صوتَه المحفلي
***
كان كوجْر الضبِّ ذا البيت لو
أتيتِ قبلاً خفتُ أن تجفلي
والآن مَنْ بعد التصابي صَبا
وقام بعد العري كي يحتلي
أحضانه امتدت وجدرانهُ
سكرى على قاماتها تعتلي؟
لكل قنديل وكأسٍ صِباً
ولليالي فرحٌ مشتلي
وذكرياتٌ ضاحكات كما
حكى (الخُفَنْجي) عن (علي عَيْطَلي)(6)
قال (الشبيبي): نجمكِ الثور يا
(قرنا) وأبدى شكَّه (العَنْدَلي)
قال اجتلى هاءً ودالاً بلا
حاء وواوٍ، فاقطعي، أو صِلي
***
يُقال أخبرت الشذى أنني
رسولةٌ لم أنتخب مُرْسَلي
فقال: باسمي ضلَّلوني وبي
حيناً، وقالوا: باسمهم ضللي
***
يبدو لسمعي (هَبَليّاً) فهلْ
تحسُّني ألحاظُهُ (المَقْبَلي)
بُولي على جبهته، فادّنى
وقال: شدِّي لحيتي واتفلي
أراكِ غيري آخر المنتهى
بدءاً، ونادى مَنْ هنا بسملي
قل: أصبح الشطران بي شطرةً
لا بأس في جرحيك أن تَرْفُلي
***
هل تسمعين الزفَّةَ الآن؟ لا
أصمَّني يا (دامُ يا بَلْبلي)
تسعون طبّالاً وطبّالةً
شهراً وقالوا: مثلُهم طبِّلي
***
هناك من يأبى: أقيلَ انظمي
للكل داراً، أم بها كبِّلي؟
أأنت من غنيتُ: جودي لنا
بالوصل، هل أبكي لكي تبخلي؟
ومَنْ ينادي كالشعاع اهبطي
ومن يفادي عن هنا حوّلي؟
ومن يرى فرديّة الجمع في
كفيك عهداً نصف مُتوكِّلي؟
وقائلٍ كم قيل ما دّللوا
عنها، ولا قالوا لها دلِّلي
عشرين عاماً: سوف تأتي غداً
ما اسم الذي كان بها مُختلي؟
وسائلٍ: ماذا سيجري؟ لمن
جاءت، أيا خضراء لا تأْمُلي
فما أفادت علم شيءٍ سوى
ما ينبغي يا أُمُّ – أن تجهلي
صوغي على كفيك أخرى تريْ
صباك في مجلى صباها الجلي
هل ذاك – يا أولى – الذي يحتفي
إذ جئتِ يخشى الآن أن تأفُلي؟
***
هناك مَنْ يسلوك من يجتوي
هنا الذي يدعوك يا معقلي
ويفرش الخدّين كي تخطري
ويملأ الكأسين كي تثملي
كلي تحلمي حلم النواسي، صحا
من سكرة (الكرخي) بقُطرُبُّلي
وواقف يفديك فهّامةٌ
ترقين مثل الشمس كي تعدلي
يجلو بعينيك الرؤى تالياً
نصف كتابٍ كلُّهُ ما تُلي
مُعوّذاً كفيك أن تأخدي
وُرَيْقَةً من قبل أن تبذلي
***
وقالت الربْوات: أعطي فمي
ثدييك أربو قبل أن توغلي
وقالت الأرهار: لا تعبري
فوقي فيلهو الشوك في مقتلي
***
وللمقاهي عنك صوتٌ لهُ
أيدٍ، وصوتٌ فاقع بُلبُلي
وصائح يدعوك أن تقفزي
وهامس يوصيك أن تكسلي
محاذراً أن تأكل الجمر عن
أنياب مقتاديك أو تؤُكلي
تدرين؟ كم قالوا ولم يفعلوا
قولي: تنحّوا جانباً وافعلي
***
يرتاب هاذ الحيُّ أن تنجزي
يودُّ ذاك الربع أن تمطلي
ذا يرتئي: تلك التي أهجعت
قلاقلي ما أقلقت عُدّلي
أشمها مائدتي سائلاً:
متى انتهى من طبخها مرجلي؟
***
وقال شادٍ: ما شدت مثلها
أسمار أعراسي ولا مَقيلي
أنسى الدجى والصبحَ وقتيهُما
صوتان: عَوديٌ يلي كُعدُلي
كيف التقى نصفي بنصفي ضحىً
في نضج مكرِ العصرِ يا مأملي
***
وقال مضنٍ يا لعقيم التي
شاءت مواني (هنتُ) أن تحبلي
يا بنتَ أُمَّ (الضمدِ) قولي لنا
: أيٌّ عليٍّ سوف يخصي علي
قولي لماذا كنت أمثولةً
سحريةً من قبل أن تَمثُلي
***
فقال هَجسُ الأرض: مني رقت
تعيد تشكيلي، ألا شكِّلي
منْ بعضها انصبتْ إلى كلِّها
أكلُّ وادٍ قال ذي منهلي
شغلت أعراق الثواني فهلْ
يرضي سُهيلاً عنه أن تشغلي؟
في طعم ريق القات تَحمينَ عن
ما قال تُفشين الصّدى المخملي
تسرين في الكاذي فتدنين من
عينيه وجه البارق الأحول
تَنديْنَ في (ياظبي صنعاء) هوى
تَشجينَ في أنفاس (ياصيدلي)
في الحبر تحمرّين أنشودةً
في الكأس تبيضِّين كي تُشعلي
في الجمع تذكين الجدال الذي
يميز الأبقى من المرحلي
هل أنت من تُحيينَ كي تعظُمي
أو أنت من تُحيينَ كي تَقتُلي؟
هل خاتمي قانٍ؟ ألي خاتمٌ
يكفي يدي أن سَلمتْ أنملي؟
يا صاحب الصاروخ قلبي على
كفِّي كتابٌ خلفهُ منجلي
***
لا بدَّ من أن تُنْبهي خاملاً
وكي يُرى لابدَّ أن تخملي
لا بدَّ من أن تحتفي بالتي
وبالذي لابد أن تحفلي
مَنْ ذا سيعطيك لتعطي ومَنْ
قال خذي، قال الحسي مَغْسَلي
مادَام ذاتُ الأمر مأمورةً
به، دعيه قبل أن تُعزلي
– مني ابتدا نهجي، ألا فليكنْ
صعباً ولايخشاكِ أن تَسُهلي
***
يا طلعةً ماأذبلت مطلعاً
تقدَّمي هيهات أن تذبلي
ويا ربيعاً شق عمر الشَّتا
تهدّلي للصيف واخضوضلي
إن زيّن الإكليلُ مَنّ قبلهُ
فكلِّلي مَنْ بعده كلِّلي
***
مذ جئت جاء البدءُ مَنْ بدئِه
وعاد من آخره أوّلي
واجتاز ومضاً كان مُستدفئاً
به إلى الوهج الذي يصطلي
فأنكر التأريخ تأريخهُ
لمّا استبان الأمسُ مستقبلي
: لا رأسمالياً أرى ذا الفتى
ولا اشتراكياً ولا هيجلي
لا في (بني عبد المدان) اسمه
لا من (بني باذان) لا (عَبْهلي)
وعنده زائرة مثلهُ..
تزف (عنِّيناً) إلى (المُشكِل)
ردّي على التأريخ يا بنتَهُ
لا تخجلي يؤذيه أن تخجلي
قالوا: إلى نصف الطريق التقوْا
سجِّل بلا حيفٍ وقلْ: حلِّلي
زادوا على رأسي رؤوساً فهلْ
تزيدني رِجلاً إلى أرجلي
ضع نصفيَ الأعلى على الركن أو
حوِّل أعالي قامتي أسفلي
ما اقتاد تغييرٌ خطاي التي
صيَّرن ما لا ينطلي ينطلي
***
وأنت يا هذا؟ يقال الذي
سوف يلي يومي أبى أن يلي
لا هذه (سَيّان) لا غيرها
لا (العبدلي) ثانٍ ولا العبدلي
مَنْ غيّر التشكيلَ عن شكله؟
قوّى على (الصِّلْوي) يَدَ (المقْولي)
***
فاستضحكت قائلةً: أيُّنا
أراد هذا، قلتُ لا رأي لي
أمّا أنا ما جئت كهفي أنا
وأنتِ كهفٌ بالمنى تغتلي
تهوى سعاداً، ليدياً، غادةً
وأختَ (هنري) وابنة العوذلي
كان ابن جدي زوجَ عشر إلى
أن طلّقتهُ (هَيْدبُ الحوْقلي)
***
نبغي وتخشى نصف ما تبتغي
فتنثني مثل الشَّجيِّ الخلي
ترجو ولياً نائياً خيرةً
فاختار لقيانا مزارُ الولي
***
تمثال هذا هيكلي، أنتَ بي
كصورة فيما اسمه هيكلي
أعطاكِ طنبوراً، أنا مصحفاً
فاعزفْ، ويا أميّتي رتّلي
***
عزفتُ غازلت التي والتي
حتى أتتْ مَنْ كسّرت مغزلي
فالتمّ بحر القلب في كفّها
كوباً بنهديْ كرمةٍ يمتلي
***
إلى رضاعي جئتِ مني ومنْ
تخرُّجي فيكِ ابتدأ مدخلي
كي يرتدي عينيك معنى الضحى
كي تبتدي الأنهار من جدولي
***
أما تساقينا البروقَ المِدى
وآنَ أنْ أغلي وأنْ تهطلي
أن ينشر (المهديُّ) منك اللوا
أو يركض (الدجّال) من منزلي
مايو-يونيو 1990م.
(يوم انفجارها الغضبان)
..
لوس أنجلوس، لوس أنجلوس
موت يزفه عرس
حرائق وأعين
يقبرن وضعاً مندرس
يجدن لحمهن في
جلود كل مختلس
* * *
لوس أنجلوس كل المدى
بكل ومضٍ تنجنس
وادٍ على غمامةٍ
بحر على تل ملس
صبيحة كي تنتقي
شمسين عادت تغتلس
فجاءةٌ نصت على
باب القياس لا تقس
* * *
زمان وصلٍ عنده
كل البقاع الأندلس
ينصب أحضاناً إلى
قعر الطيوب تنغمس
وقبلةً فأربعاً
ترن حتى تنهمس
* * *
من ذا ابتدت؟ تكاد من
عنف الوضوح تلتبس
لوس أنجلس تشع من
خلف مرايا (الكنقرس)
كأنها نبوءة
تتلو كتاباً منطمس
* * *
تحصي ضلوعها: متى
وأين ضيعت الخمس؟
تعد كم (ددشي) هنا
وكم هناك (توفلس)؟
ما لي ك(روبسبير لا
جمهور باريس الحمس
ماذا أرى نظافةً؟
هنا الذي لا ينكنس
من أبأسوا واطناً
يزهون، لا من يبتئس
لهم محفةٌ تقي
وأكلب عطشى تعس
تهر حولهم وفي
أبراجهن تلتحس
* * *
من يا (سبرت).. قال لا
إلاك والكل خرس
قالوا: عصى عبدالعصا
من ثور الطين النجس
يساط شهراً بعده
يشريه أقوى مبتخس
* * *
لكن لماذا ما ذوى
ولا انحنى ولا يئس؟
كيف استطال هل درى
نخاسه من ينتخس؟
ما أهون الفلوس في
شرائه يا: (ميكلس)
أمن أتاك ثائراً
كمن أتاك يفتلس
* * *
كل الولاة واحدٌ
(فيكتوريا) أو تحتمس)
تسقيه سكرة العلى
غرور شيطان خنس
من قال لا، قيل إلى..
كي لا يشم ينتهس
ويخنق (الديك) الذي
يستوفز الفجر النعس
ويبتغي حجب الضحى
عن رؤية الشعب التعس
* * *
من قال غير (أحمدٍ)
أحصة الأم السدس؟
وما اتقى رئاسةً
لأنه لا يرتئس
* * *
وحدي أشب غضبتي
غيري له أن يحترس
من لا يرى لونيةً
ورأس مالٍ مفترس
بول الحمير أبيضٌ
وهو الخبيث ابن الدنس
لا الأبيض اسم بيتها
قالت: بعيداً ينفقس
لأنه يرعى دماً
ويبتني دماً يبس
بلا نهى مدججٌ
ينوب عن أعلى القسس
لكل ذا خلعته
من قرنه حتى الأسس
له قوىً بعكسها
تلهو إلى أن تنعكس
* * *
خلعت عسكريتي
خلع الصباح ما لبس
قالوا: أتت كما أتى
من غيبه الروح القدس
من كان أمس خصمها
غدت تحس ما يحس
لأن قلبها لها
بكل قلبٍ يأتنس
لا فرق إن قادت وإن
أعطت قيادها السلس
* * *
تحن كالمعنى إلى
شعريةٍ كي تنبجس
كسحرةٍ تدني ضحىً
بالياسمين مترس
* * *
ماذا ينث جيمها
وأي لاميها يهس
وأي سينيها الذي
يروض المعنى الشرس
* * *
ذا يومها صف أمسها
هل فيه غيب ينحدس؟
كان يرمد الندى
يحاصر القلب الهجس
وكل برقٍ ينتوي
وكل عصفورٍ ينس
ألهته شهوة القوى
عن أن يراه ينتكس
* * *
لوس أنجلوس متى محت
هذا، صحت كي يرتكس
قالت لرمسها انفلق
لابن الأساطيل ارتمس
* * *
قل أي كبتٍ فجرت؟
قل أين كان منحبس؟
جاءت لهيباً يمتطي
ناراً، وأخرى تقتبس
كلجةٍ تدس في
صبر الشطوط ما تدس
طفولة من حبها
تحب كسر ما تجس
* * *
من جمرها تبرعمت
أجنت ولما تنغرس
تعطي وتدني لكي
يرقى إليها الملتمس
أغسطس 1992م
(علامات بزوغ المحجوب)
..
لأن إليكَ القضيَّهْ
ومنهى المنى الآدميَّهْ
تغاوي مسوخاً، لها
ألوف العيون الذكيَّهْ
وأيدٍ بروقيةٌ
وأوردةٌ مدفعيَّهْ
* * *
لذا تُسكت النار عنك
بإيماءةٍ معنويََّهْ
بسرِّية الورد في
جيوب الرياح الرخيَّهْ
بأوطار دنيا تلوحُ
سوى هذه الدنيويَّهْ
* * *
تطلُّ على غفلةٍ
مِن الشمس شمساً فتيَّهْ
ترى كل عين ولا
تراك سوى الأريحيَّهْ
كحلم الكرى تنمحي
تُرى كالسماء الجليَّهْ
* *
لأنك مهوى الهوى
ومجنى الوعود الهنيَّهْ
وذكرى شباب العجوز
وحلم الفتى والصَّبيَّهْ
وشوق الدوالي إلى
شفاه الكؤوس الظميَّهْ
تذوب لكي تبتدي
فتكبر فيك البقيَّهْ
وتنأى لكي تدَّني
علاماتُك المبدئيّهْ
* * *
أتمّت شروط الخروج
أجب يا اكتمال الرزيَّهْ
أما انحلَّت الأرض عن
تقاليدها الموسميَّهْ؟
أليس المصابيح عن
ضحايا الأماسي عميَّهْ؟
تُسمّي النفاق الولا
وسلب الأماني، عطيَّهْ
إلى العين ترمي السَّنا
وفي القلب تطوي الشظيَّهْ
* * *
فلا الصبح صبحٌ، ولا
لأي مساءٍ هويَّهْ
ولا لون للون لا
لعنف الأسى مأسويَّهْ
ولا قتل نصف الملا
سوى خطرةٍ جانبيَّهْ
غدت كل حرّيةٍ
على الأرض أشقى سبيَّهْ
لأن الرُّواغ ارتضى
فأرضى بغير الرضيَّهْ
* * *
أما ذا دليلُ على
تدلّي رؤاك البهيَّهْ!
وإشراق عينيك مِن
وراء السدود العتيه
وإفصاح كفيك عن
سكوت المعاني العليَّهْ
* * *
تبيَّنْ وسلْ ما ترى
قناديلك المعرفيَّهْ
على أي نهرٍ تدلُّ
بقايا الضفاف الزريَّهْ
* * *
إلى كم تمدُّ المنى
إليك القلوب الشجيَّهْ؟
كعانٍ بسكر الكرى
يلاقي كنوزاً خبيَّهْ
* * *
لقد آن أن تنجلي
مِن الجُبَّة السندسيَّهْ
تفي عِدَةً أسمحَت
وكانت شروداً أبيَّهْ
تعرّي (أبا مُرَّةٍ)
مِن البزِّة العسكريَّهْ
تقيم القيامات مِن
تضاريسها الداخليَّهْ
* * *
مِن الآن للمشتهى
صِباً للتصابي شهيَّهْ
هواميك إن أقلعت
هَتونٌ، تلتها سخيَّهْ
تجود بقاع الحِمى
لترقى طروباً شذيَّهْ
لها عشق إنسانةٍ
وذاكرةٌ كوكبيَّهْ
لحصبائها أعينٌ
لتربتها (ألمعيهْ)
لأعشابها كالصِّبا
غرورٌ بريء الطويَّهْ
* * *
تُغني عليها الضحى
وتُصبي النجوم السنيَّهْ
وتُملي – كما أخبروا –
على كل شبرٍ وصيَّهْ
لكي يُسفر المنطوي
لكي تفصح الأعجميَّهْ
* * *
ويَهديك هجس الثرى
إلى الحكمة السرمديَّهْ
فتتلوه مِن بَدئِه
إلى آخر المسرحيَّهْ
هنا تنبري راكضاً
هناك تطيل الرويَّهْ
لجدَّيك تُمسي أباً
لسبطيك أمّاً حفيَّهْ
* * *
تناجي السواقي كما
تحيّي الفتاة الحييَّهْ
وحيناً كلمس الندى
نهودَ الكروم الجنيَّهْ
ترى كل غصنٍ كتاباً
وكل حصاةٍ نبيَّهْ
تحس هسيس الكَلا
مجادَلةً فلسفيَّهْ
بشيخوخة المنحنى
تناغي صِبا الأبجديَّهْ
توشّي الممرات مِن
خيالاتك الزنبقيَّهْ
* * *
تُواري “الخفاش” الذي
له كل صبح عشيَّهْ
تقول لأعتى القُوى:
قفي لن تكوني قويَّهْ
ولا سلطة المنتضي
يديكِ ستمسي عصيَّهْ
فأنتِ له تارةً
وأخرى عليه بليَّهْ
كذا مَن يحب الورى
يعادي الصفات الدنيَّهْ
* * *
أمليونُ عمرٍ لديك
أمليون نفسٍ زكيَّهْ؟
تخوض الوغى مثلما
تؤدي جواب التحيَّهْ
وتغشى الضواري بلا
نيوبٍ بلا بندقيَّهْ
لأنك أقوى حشاً
على (الليلة النابغيَّهْ)
وأصفى لذات الصفا
وأعدى لغير الصفيَّهْ
تُحامي ولا تحتمي
تلبّي نداء الحميَّهْ
وفي النار تهمي ندىً
وتذرو الطيوب النديَّهْ
* * *
فحادي أزيز الردَّى
إليك كمعطي الهديَّهْ
لأن الذي يتّقي
يعيش ذبيح التقيَّهْ
* * *
تضحّي ولا تكتفي
ولا تنكفي كالضحيَّهْ
فتعلو بهذا على
غرور الجباه الدعيَّهْ
* * *
مِن الموت تمضي إليه
أهذَّبتَ أُمَّ المنيَّهْ؟
أمِ الأرض أفضت إليك
بسرِّ قواها الخفيَّهْ؟
أمِ الموت أهدى إلى
أجدّ المرامي القصيَّهْ؟
* * *
إلى الريح يحكي الشذى
خرافاتك الواقعيهْ
فيشتَفُّ شيبُ الربى
غموض رُباك الطريَّهْ
* * *
أغانيك غيبيَّةٌ
وريَّاك مستقبليَّهْ
أكنت انتظاراً أتى
أهذي هي المهدويَّهْ؟
أأنت الذي علَّلوا
بهِ كل نفسٍ شقيَّهْ؟
أتبدو الذي ميَّزوا؟
أراك جديد المزيَّهْ
تُوحِّد فيك الجموع
وتعتمُّ بالمثنويَّهْ
أأنت بديل الذي
أتى، أم سيولٌ أتيَّهْ!!
* * *
أجئت اعتراضاً على
رواغ الظروف الغبيَّهْ
على كبرياء العصا
على شِرعة الفوضويَّهْ
بشيراً بما ينبغي
وتبغي القلوب النقيَّهْ
* * *
بكفَّيك زيتونةٌ
وسِفرٌ يرى كل نيَّهْ
وأرضٌ ربيعيّةٌ
وبحر كظهر المطيَّهْ
ومحبرةٌ ناهدٌ
وقيثارةٌ عبقريَّهْ
* * *
فمن أي إيماضةٍ
طلعت وضيء السجيَّهْ؟
كمعجزةٍ مِن هُدىً
كأسطورةٍ شاعريَّهْ
كمشروع قلبٍ لهُ
على قلبه الأسبقيَّهْ
كبدءٍ مِن المنتهى
ومِن قبل بدء البريَّهْ
عام 1988م
*نقلا عن : المسيرة نت |
|
|