كيف تمكنت القوات المسلحة اليمنية من فرض قدرتها البحرية في المياه الإقليمية والدولية على الرغم من وجود المئات من البوارج الحربية والقطع البحرية الامريكية والبريطانية والفرنسية ومن كل الجنسيات إضافة الى حاملات الطائرات الامريكية؟.
انه التساؤل الذي ستظل الاستخبارات الامريكية والغربية عاجزة عن الإجابة عنه لعدة أسباب أهمها عدم ادراك محورية القضية الفلسطينية بالنسبة للشعب اليمني واحرار الامتين العربية والإسلامية.
لقد ادركت واشنطن منذ اليوم الأول لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني ان هناك ردة فعل ستكون هذه المرة غير عادية على الرغم من كمية الخذلان الذي تعرض له المدنيين العزل من قبل الحكومات العربية والإسلامية.
الحسابات الامريكية بشأن احتواء هذه الحرب من التوسع اوهمت واشنطن انها ومن خلال توفير الغطاء الكامل لإسرائيل وبإرسالها لحاملتي طائرات ومجموعة من البوارج الحربية الامريكية ستشكل حالة ردع تمنع دول او جماعات أخرى من الانخراط في الحرب الى جانب الشعب الفلسطيني.
وبالفعل حصل ما توقعه الامريكيون والإسرائيليون وسددت حركات المقاومة الإسلامية في عددٍ من الدول العربية ضربات قوية للقواعد الامريكية في كلٍّ من العراق وسوريا وفعل كذلك حزب الله في سيناريو اصطلح الامريكيون والصهاينة على تسميته بالمشاغلة والتي قدرت واشنطن وتل ابيب انها لن تؤثر على مسار الحرب الإسرائيلية على اهل غزة.
لكن بعيداً عن الالتحام المباشر مع إسرائيل وقفزاً على القواعد الجغرافية والجيوسياسية ظهر من وراء البحار تحركٌ لم يتوقع الامريكيون ولا الإسرائيليون ان تكون له فاعليته في ايلام إسرائيل بل ووقفت امامه الولايات المتحدة الامريكية عاجزة للمرة الأولى في تاريخها الامبريالي.
لقد بدأت القوات المسلحة اليمنية بعمليات توقعها الامريكيون والصهاينة تمثلت في التحرك في البحر الأحمر ومضيق باب المندب ووفقاً لحسابات الاستخبارات الامريكية والبنتاجون فان حاملات الطائرات والبوارج العسكرية الامريكية ستتكفل بإيقاف أي تحركٍ يمني في هذه البقعة الاستراتيجية من العالم.
أعلنت واشنطن عبر قيادتيها العسكريتين المركزية والوسطى اعتراض عددٍ من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة التي قالت واشنطن انها كانت في طريقها الى إسرائيل.
لكن ما لم يحسب الامريكيون والإسرائيليون حسابه هو ان صنعاء تمتلك القدرة على نقل المعركة من الحدود الجغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة الى الملعب اليمني وتحديداً المياه الدولية في اهم المضائق العالمية المتمثل في باب المندب.
وفقاً لتقديرات إسرائيلية فإن تسعين في المائة مما تحتاج اليه إسرائيل تحصل عليه عبر البحر.
هذا الرقم يعني بالضرورة ان كل السفن والناقلات والشحنات التي تصل الى الموانئ الإسرائيلية لا بد ان تعبر غالبيتها عبر مضيق باب المندب ومنه الى قناة السويس.
هنا تحركت القوات المسلحة والبحرية اليمنية وفقاً لقواعد مدروسة وقاعدة بيانات محدثة ودقيقة وتمكنت بعون الله من تنفيذ مجموعة من التحركات وسددت ضربات موجعة لحركة النقل البحري الى كيان الاحتلال الصهيوني التي عبرت البحر الأحمر.
لقد تمكنت صنعاء وبشكل كاملٍ من شلِّ حركة النقل البحري المتجه الى إسرائيل عبر البحر الأحمر اعتماداً على معلومات لوجستية دقيقة وقاعدة بياناتٍ لا تقبل التأويل.
اللافت ان كل هذه القدرة العسكرية التي اظهرتها القوات البحرية اليمنية تمت على بعد مئات الاميال فقط من البوارج الحربية وحاملات الطائرات الامريكية التي أرسلتها واشنطن لتأمين الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتوفير الغطاء لها.
ان ما سطرته القوات المسلحة اليمنية اثبت علو كعب البحرية اليمنية في المياه الإقليمية والدولية في البحر الأحمر واثبت للأمريكيين والصهاينة وكل القوى الغربية ان قواعد الاشتباك في هذه البقعة من العالم يتم تحديدها من قبل أهلها لا من قبل القوى الاستعمارية العابرة للحدود.
لم تنجح واشنطن حتى اليوم في استيعاب ما يجري في البحر الأحمر وبالتالي فإنها لا تزال تبحث عن الخيارات المناسبة للرد على هذا التحرك اليمني العميق لكن ما نستطيع ان نؤكده ان الولايات المتحدة الامريكية قد فقدت بوصلتها في باب المندب وتبحث اليوم عن مخرجٍ يسعفها هي وإسرائيل من هذا المأزق الذي لا فكاك منه.
لقد شكلت واحدية القضية وصدق الاتكال على الله إضافة الى الاستعداد المبكر لهذه المعركة الوجودية الهامة عوامل الانتصار في هذه الجولة من المعركة ولا تزال معركتنا مع أمريكا وإسرائيل طويلة ولن تنتهي إلا بزوال الاحتلال عن المقدسات في فلسطين.
* نقلا عن :السياسية