منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي الأمريكي على قطاع غزة تحركت الولايات المتحدة باتجاه دعم العدو الصهيوني بكافة أنواع الدعم العسكري والسياسي وفي كافة المحافل الإقليمية والدولية.
على هذا الصعيد أرسلت واشنطن حاملات طائراتها وبوارجها الحربية للبحر الأحمر على أمل إيقاف أي تحركٍ قد يدعم فلسطين ومنع أي توسع لدائرة الصراع الذي يمكن ان يخرج عن قواعد الاشتباك التي يرغب بها الامريكيون.
لم تنتظر صنعاء طويلاً وأعلنت مبكراً أنها ستقف الى جانب الاشقاء في فلسطين ولن تتركهم يواجهون لوحدهم مجازر الإبادة الجماعية التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي برعاية أمريكية بريطانية كاملة.
ولأن ما أقدمت عليه اليمن لم يكن رداً انفعالياً فقد تصاعدت عمليات الجيش اليمني في البحر الأحمر لتجعله مغلقاً بصورة كاملة امام السفن الإسرائيلية وكل السفن المتجهة الى موانئ فلسطين المحتلة.
عندها رأى البنتاجون الأمريكي انه يجب ان يتحرك لفك هذا الحصار المؤثر على إسرائيل والذي قد يدفع اطرافاً أخرى للانخراط في معركة المقاومة ضد كيان الاحتلال وداعميه الأمريكيين والبريطانيين.
هنا برزت حقيقة الوضع الأمريكي في المنطقة وان واشنطن باتت عاجزة بصورةٍ فعلية عن التحرك الفعّال أمام القدرة والثقة التي اظهرتها القيادة اليمنية والجيش اليمني.
خلاصة ما نريد ان نؤكد عليه هو حقيقة القدرة الامريكية على الدفاع عن صورتها التي اهتزت وسقطت اسطورة الاساطيل البحرية الامريكية القادرة على تغيير المعادلات في كل بحور العالم من أقصاه الى أقصاه.
ارهقت عمليات البحرية اليمنية تل ابيب ومن خلفها واشنطن ولندن وحين اخذت عواصم العدوان قرارها بالعمل على إيقاف المدّ اليمني المتنامي وجدت الولايات المتحدة وبريطانيا نفسيهما عاجزتين عن الفاعلية الحقيقية التي يمكن ان تحقق هذا الهدف.
مرّ هذا العجز بمراحل ابتدأت بالعجز عن تشكيل تحالف دولي واقليمي او حتى من الدول المشاطئة للبحر الأحمر ضد المدّ اليمني.
هذا العجز لم يأتي من فراغ فالجميع ادرك قدرة صنعاء ومصداقيتها وثباتها عندها قرر العدو الأمريكي التحرك منفرداً بمعينة القرن الآخر من قرون الصهيونية المتمثل في العدو البريطاني.
هنا كانت قاصمة الظهر بالنسبة لواشنطن ولندن فهما باتا يدركان ان أي تحرك تجاه صنعاء لن يكون فاعلاً على الاطلاق ولن يوقف عملياتها في البحر الأحمر او حتى يؤدي الى تراجع وتيرتها والحد منها.
لكن بالمقابل فإن صورة القوة الامريكية اهتزت الى الحد الذي صارت فيه السفن الغربية وغيرها التي تعبر مضيف باب المندب ترفع واجهات تعريفية تقول “ان لا علاقة لنا بإسرائيل” في إشارة الى عدم الركون على الوعود الامريكية بحمايتها من قدرات البحرية اليمنية.
بالعودة لسياق مقالتنا فإن الإعلان الأمريكي الذي سبق الضربات المحدودة التي طالت اهداف متفرقة في محافظات الجمهورية اليمنية وما صاحبها كان باهتاً ولم يرتقي الى الحد الذي يحقق أهدافها الدعائية على الأقل.
حينما يقول الامريكيون انهم ليسوا في حالة حربٍ مع اليمن وأنهم على استعداد للتراجع عن تصنيف الحوثيين في قائمة الإرهاب فإن كل ذاك ليس له سوى دلالة واحدة ان واشنطن تعول على تراجع موقف صنعاء او تحييده على الأقل.
بمعنى ان واشنطن ولندن على الرغم من انهما دخلا في حربٍ مباشرةٍ مع اليمن عبر سلسلة الضربات الهمجية التي وجهت لعدة اهداف يمنية إلا انهما تركا الكرة في ملعب صنعاء.
انها الحقيقية التي لا يمكن للأمريكيين او البريطانيين نفيها او تجاهلها وما استمرار عمليات صنعاء وبصورة أكثر شمولاً إلا تأكيدٌ على ان الكرة لم تخرج من ملعبنا رغم التظاهر الأمريكي بأن قدرات واشنطن لا تزال على حالها في المنطقة.
لقد وجّه هذا العجز الأمريكي رسائل لكل القوى العالمية الفاعلة وحتى دول المنطقة بأن واشنطن فقدت الكثير من خيوط اللعبة ولم تعد هي من ترسم قواعد الاشتباك.
الإصرار الأمريكي على المضي قدماً في حماية كيان الاحتلال والتصدر للدفاع عنه يؤكد ان إسرائيل ليست اكثر من نبتت شيطانية زرعتها واشنطن ولندن والغرب كله في قلب العالم العربي وان المعركة مع إسرائيل لا تنفصل عن لندن وواشنطن.
* نقلا عن :السياسية