يُعاود الكثيرون، في الآونة الأخيرة، طرح السؤال القديم من هم أنصار الله؟ ويحاول المقال الإجابة ببساطة عن السؤال على ضوء المشروع القرآني الحضاري وفق مسار التطورات التاريخية للمشروع وسيرة القائد المؤسس.
وضع السيد حسين بدر الدين الحوثي البذرة الأولى لمسيرة أنصار الله في اليمن، وحينها كان السيد حسين بدرالدين الحوثي، يصف المنضوين في مسيرة أنصار الله، قبل أن تعرف بهذا الاسم بأنهم مجاميع من المؤمنين يتحركون على أساس القرآن الكريم، رافضًا تأطير التحرك تحت مسميات مذهبية معينة، مؤكدًا على الانتماء الإسلامي والهوية القرآنية لمسيرة أنصار الله كعناوين جامعة قابلة لاحتواء المسلمين جميعاً.
تميز مشروع أنصار الله في الشق السياسي للتحرك بالدعوة إلى مناهضة التحركات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة بوجه عام واليمن بوجه خاص، حيث سلّط السيد حسين بدر الدين الحوثي في جملة دروس ألقاها تحت عنوان “دروس من هدي القرآن الكريم” سلط الضوء بشكل واسع على التحركات الأمريكية النشطة حينها في اليمن مطلع الألفية الجديدة في العام 2001، متطرقًا إلى الأطماع الأمريكية في اليمن الذي ازداد توغلاً بعد أحداث أيلول/ سبتمبر، وتفجيرات المدمرة الأمريكية كول، متفردًا حينها بالسبق لوصف تفجيرات مبنى التجارة العالمي بأنها صنيعة أمريكية واتهام ما يُسمى بالقاعدة بالذراع الاستخباراتية الأمريكية قبل أن تأتي الأحداث فيما بعد لتكشف الحقائق التي استفاض في اثباتها في العام 2001.
********
تعرضت مسيرة أنصار الله لمضايقات عديدة من السلطة ” نظام علي عبدالله صالح” الذي حاول مرات عديدة الضغط على السيد حسين الحوثي لوقف شعاره الشهير ” الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام”. وبعد فشله أعلن حربًا ضد السيد حسين وأنصاره في منطقة مران بصعدة بعد عودته من واشنطن بحزمة من الأسلحة والمدربين.
بعد استشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي عام 2004 انتقلت القيادة إلى والده، ومنه إلى ابنه السيد عبد الملك الحوثي القائد الحالي للمسيرة.
التحق الآلاف من اليمنيين بالمسيرة وقد جذبتهم اليها الاطروحات القرآنية الواضحة للسيد حسين رضوان الله عليه، والتي رأوا فيها ما يحتاجه المسلمون من مشروع مكتمل الأركان و واضح الملامح عملي وشامل، والأهم أنه يعالج جوانب القصور التي تعاني منها الأمة ويلامس واقعهم المحتاج فعليا لمشروع يملأ الفراغ في واحدةٍ من أحلك حقب التاريخ وأخطرها وأعقدها.
********
وقد أثبت المشروع بالفعل في بواكيره قدرته على سد الفراغ المعنوي لدى الناس وشدهم نفسيا وخلق حالة استعداد عال للمواجهة والبناء وتقديم شواهد عملية و واقعية على نفع وجدوائية التحرك القرآني على سبيل تحقيق وجود حضاري محترم ومهاب ولائق بموقع الأمة الحضاري ومسؤوليتها الرسالية ونهجها القرآني؛ كما حمل المشروع القرآني الذي قدمه السيد حسين من روح القرآن وجوهره عوامل التمكين وركائز النهضة وأسباب النصر التي تقاطعت مع تطلعات المسلمين وطموحاتهم، ما مثّل حافزا معنويا لكثير من اليمنيين للالتحاق بالمسيرة والانضواء تحت لوائها الجهادي بقيادة السيد المؤسس حسين بدر الدين الحوثي ؛ حتى أولئك الذين قاتلوا المسيرة سرعان ما تراجعوا عن موقفهم حين تبينت لهم الحقيقة وعايشوا أحداثها بعيدا عن الشائعات وحرب الدعاية التي اعتمدت عليها السلطة في حربها على المسيرة و كانت تحجب عنهم الحقائق.
وتجدر الاشارة هنا إلى شعار المشروع الذي يمثل اختصارا لخارطة أهدافه وعناوينه الثورية التحررية فضلا عن شعار المقاطعة الاقتصادية كوسيلة عملية وضعها السيد حسين في أيدي أتباعه لخوض ما يمكن اعتباره أول وأبسط معركة في إطار الصراع الحضاري الشامل ما يعكس الطبيعة العملية الفعالة للمشروع من يومه الأول.
كما ساهمت الظروف الصعبة وظلم النظام اليمني السابق لسكان صعدة خاصة، والقصف العشوائي على المدنيين خلال حروب صعدة بازدياد أعداد أنصارها والتابعين لها، وانضمام أعداد كثيرة من السكان والقبائل حيث وجد هؤلاء في أنصار الله ملجأً لهم.
مثّلت محافظة صعدة مركزاً أساسياً لأنصار الله، لما فيها من ثقل للمؤيدين والمنضمين لصفوفها، خصوصًا قبل الثورة الشعبية وازدياد القواعد الشعبية المؤيدة لأنصار الله في صنعاء، ومحافظات شمالية أخرى.
********
شنّ النظام السابق عليها ستّة حروب، بدأت منذ العام 2004، مطلقًا في مرحلة لاحقة من الحرب تهمة العلاقة بايران، رغم تصويب السيد حسين بأن سبب الخلاف هو موقف الحكومة الموالي للولايات المتحدة، وتبعتها العديد من الجولات القتالية حتى عام 2009. وانتهت جميعها بالفشل، فيما يخوض أنصار الله الحرب السابعة منذ عام 2015 حتى يومنا مع كافة القوى الوطنية الحرة والتيارات السياسية والاجتماعية المتوحدة في خندق الدفاع، تحت راية الجيش اليمني في مواجهة عدوان التحالف بقيادة السعودية، وإشراف وإدراة الولايات المتحدة، ومشاركة 15 دولة في بداية الأمر ، والذي فشل بتحقيق أي من أهدافه.
وجرّاء الظلم الكبير الذي تعرض له الشعب اليمني، تصدت الحركة للدفاع عن حقوقه، حيث قادت ثورة شعبية إثر موجة من التجويع والغلاء الفاحش، و ارتفاع أسعار الوقود عام 2014، فاختارت القوى التقليدية المهيمنة على الجيش حينها بقيادة الجنرال علي محسن الأحمر مسنودًا بحزب الإصلاح وقياداته ذات الخلفية المتطرفة، اختارت شن عمليات عسكرية متقطعة استهدفت مجاميع الشعب المطالبة بالغاء القرارات الحكومية لحكومة المبادرة الخليجية التي تسببت بارتفاع الأسعار وانتشار الفقر.
لكن المجاميع الشعبية والقبلية ومن بينها أنصار الله تمكنت من أخذ زمام المبادرة وسيطرت على مقرات حزب الإصلاح وألوية الجنرال علي محسن الأحمر، ليكون هؤلاء أول المغادرين الذين احتضنتهم المملكة، وخلال تلك الفترة كان، الفار هادي الذي كان يشغل منصب رئيس الجمهورية يقف على الحياد، مستفيدًا من انتهاء هيمنة الجنرال محسن، وبعض قيادات حزب الإصلاح الذين كانوا يتحكمون بقراراته لأكثر من عامين.
شهدت صنعاء عقب الأحداث حوارًا برعاية الأمم المتحدة بإشراف المبعوث الأممي حينها جمال بن عمر، مقتربين من التوصل لصيغة جديدة تنهي أسباب الأزمة وتضمن الشراكة السياسية لجميع الأطياف في الجنوب وصعدة.
بعد انتهاء نفوذ الجنرال علي محسن وتراجع قبضة حزب الإصلاح المرتبط بالولايات المتحدة شهدت صنعاء والمحافظات استنفار الجماعات التكفيرية المسلحة، واستخدامها كأداة لقمع المعارضين وأنصارالله، حيث هاجمت ما تسمى القاعدة تجمعات من المدنيين، ومراكز لحركة أنصار الله إضافة للعديد من المساجد، وأوقعت المئات من الشهداء من بينهم أطفال، وكان الهدف هو تقديم الصراع على أنه حرب أهلية بين جماعات متمردة، لا انقلاباً على النظام الظالم.
فوجئ المتحاورون، وخلال هدوء الأوضاع بإعلان هادي استقالته من منصبه، وإقالة حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة خالد بحاح ليفر بعدها هادي مباشرة الى الرياض، ويلتحق به العديد من المحسوبين عليه وعلى حزب الإصلاح.
********
في السادس والعشرين من مارس 2015 أعلنت المملكة العربية السعودية عبر سفيرها في واشنطن إنطلاق ما سمته “عاصفة الحزم” على اليمن، وبدأت بتنفيذ غارات جوية، وتحديد جملة أهداف لم تتحقق حتى الان، وهو ما وصفه السيد جمال بن عمر المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن بأنه قوّض جهود السلام، مؤكدًا أن الحرب التي أعلنتها السعودية أفشلت جهود السلام في اليمن بعد أن كان اليمنيون قاب قوسين أو أدنى من قطف ثمار الحوار السياسي المرعي من قبل الامم المتحدة.
ولا تزال المواجهات مستمرة إلى اليوم حيث تخوض القوات المسلحة اليمنية حربًا ضروسًا مع قوات التحالف الأميركي- السعودي- الإماراتي بدعم لوجستي إسرائيلي، إلا أن القوة الكبيرة التي يمتلكها اليمن، ظهرت جلياً في عدة محطات من المواجهة العسكرية ابرزها نجاح اليمن في استهداف مناطق في الرياض والعمق السعودي، والعمق الإماراتي في عدة ضربات شهدت تصاعدا وتجورا ملحوظا في المدى والفاعلية باستخدام أسلحة استراتيجية أخطر وأفتك من تلك التي تعمد العدوان الأمريكي السعودي قصفها وتدميرها واخراجها عن الخدمة في الاسبوع الأول من حربهم على اليمن.
وقد طاولت الهجمات اليمنية في السنوات الأخيرة بشكل مطرد مراكز حيوية داخل دول العدوان منها محطة أرامكو ومطار الرياض، ومطار ابوظبي وغيرها ، علاوة تطور مدهش في الأداء الميداني للقوات المسلحة اليمنية على صعيد المعارك في أكثر من أربعين جبهة وساحة قتال ضد جيوش رسمية ومجاميع مرتزقة مجمعين من أصقاع الأرض على امتداد خارطة الجبهات بتضاريسها ومناخاتها المختلفة من الحدود الشمالية الى المحافظات الجنوبية الى السواحل التهامية الى المرتفعات الجبلية وصولا الى صحارى الربع الخالي، ونجحت القوات المسلحة اليمنية والى جانبها الدعم الشعبي والاسناد القبلي في تحرير مناطق شاسعة وكبيرة في غضون أيام وربما ساعات قليلة كما حصل في عمليات نصر من الله و عملية البنيان المرصوص وعملية فجر الحرية وغيرها الكثير التي انتهت الى تحرير العديد من المناطق اليمنية وقد جعلت السعودية تستجيب لمفاوضات وقف إطلاق النار بشروط لا بتسوية.
وقد باتت حكومة الإنقاذ الوطني والمجلس السياسي الأعلى الذي يرأسه مهدي المشاط عضو المكتب السياسي لأنصار الله، تحكم المناطق الاستراتيجية ذات الكتلة السكانية العالية .
وتشير التقارير الدولية إلى أن عدد المقاتلين المنضوين في صفوف الجيش اليمني كان يزداد عقب كل حرب تشنها الحكومة اليمنية السابقة، فيما كانت اليمن يخوض جميع حروبها بخطة قتال منسجم وبرؤية قتالية واضحة وبعقيدة راسخة، وهيكل تنظيمي يصعب تحليله.
ويمثل: السيد عبد الملك الحوثي رأس هرم مسيرة أنصار الله الرافعة الشعبية الأقوى لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ، بينما يمثل المجلس السياسي الأعلى، أعلى سلطة سياسية في البلد تحكم بالشراكة والتوافق السياسي بين مختلف المكونات المواجهة للعدوان والمتصدّية له.
اليمن اليوم كدولة محترمة ومهابة وتحظى بموقع جيوسياسي يمثل أحد تمظهرات ثورة الحادي والعشرين من أيلول سبتمبر ٢٠١٤م وعلى رأسه حركة أنصار الله التيار الأسرع نموا والأوسع انتشارا والأكثر تضحية والأقوى تنظيما والأكثر عمقاً وتجذرا، ومازال الأنصار كمشروع ثوري نهضوي تنموي يحظى بتوسع وتمدد مستمر على المستوى الإقليمي والدولي وقد أثبتت الأحداث جدوائية وعظمة المشروع وفاعليته في تقديم حلول عملية لمختلف الأزمات والاختبارات التي مرّ بها اليمن أو التي تمر بها أمتنا اليوم وبما يعطي نتائجها الاستراتيجية المضمونة والمأمونة العواقب باعتبارها حصيلة لانتهاج تعاليم القرآن بما فيه من توجيهات إلهية تمثل خلاصة حهود الانبياء ومشروع دين الله في أرضه.
*نقلا عن : موقع أنصار الله