مئات الآلاف من اليمنيين على مدى عقود وقبل ذلك بقرون ذاع صيت ازدهارهم في بلدان الاغتراب. تجد وتسمع عن اليمنيين الأجداد ممن غادروا اليمن بحثاً عن الأمل والمستقبل والحياة في أكثر من بلد، منهم في بلاد الحبشة ودول أفريقية أخرى وإندونيسيا وسنغافورة وبلدان غربية وبلدان مجاورة، هاجروا للاغتراب لنفس المسببات التي لا تزال إلى اليوم من شظف المعاناة وقسوة الظروف وغلبة النفوذ وسيطرة الإقطاع وصعوبة المعاناة التي لم تتغير داخل البلد، وقد أصبح اليوم منهم في تلك البلدان في الجيل الثالث، ومع كل ذلك لايزال يتملكهم الحنين لتراب اليمن الذي هَجّر أجدادهم وأجبرهم على المغادرة والبحث عن المستقبل.
لماذا نسمع باستمرار عن نبوغ الإنسان اليمني وتحقيقه للنجاح والتغيير بمجرد أن يكون قد استقر في بلد آخر؟! هل البلد بيئة طاردة بهذا الشكل؟! ومعقول أن الأمل محصور والفرصة احتكار؟!
لو أحصينا تعداد المغتربين اليمنيين وحجم رؤوس أموالهم وتحملت الدولة مسؤوليتها الحقيقية في تطبيق القانون وإيجاد القضاء العادل الذي يحقق الأمن، وتبنت الحكومة تهيئة الظروف لمواطني المهجر وضمان أموالهم والشعور بالأمان، كم من مئات ملايين الدولارات ستتدفق للبلد وتحرك الاقتصاد وتبني المصانع والمشاريع التنموية وتوفر فرص العمل، ولربما أن من المغتربين من لو توفرت لهم الأسباب لعادوا من الغربة واستقروا في الوطن واستثمروا كل مدخراتهم في اليمن؟! ولكن ما الذي سيضمن لهم ألا يعضوا بنان الندم على قرار عودتهم؟!
كنا نسمع عن فكرة إنشاء مشروع بنك المغتربين، كما هو حال المصرف البريدي، ولكنها كانت أضغاث أحلام لم ولن يسمح لها أن ترى النور، بسبب ضراوة الإقطاع الرأسمالي الجهوي السياسي بطبيعة الحال لواقع بلدنا المسيطر لصالح أجنداته التي لا يعنيها إلا ضمان مصالحها الشخصية الخالصة، لأن هذه اللوبيات لا تريد أن توجد أي كيانات ومؤسسات حكومية تمتلكها الدولة وتهدد مصالحهم.
من ضحايا قصر السلطانة وشركة فلافور مغتربين
كيف لو كانت الدولة تمتلك الرؤية والتخطيط والفرصة لاستثمار الأموال بشكل شفاف وواضح، وتم الإعلان مثلاً عن إنشاء شركة تصنيع دوائي أو شركة تعدين أو مصنع إنتاج أسمنت أو مدينة طبية توفر احتياجات المرضى وتغنيهم عن الحاجة للسفر إلى الخارج وإهدار ملايين الدولارات شهرياً وتعرضهم لابتزاز الدولة المضيفة لحاجتهم إلى إجراءات وتأشيرات وإقامة وتضاعف نفقات التكاليف وتزيد من معاناه المواطن اليمني؟!
ما هو المانع في التفكير والعمل لإنجاز مشروعات كهذه بشراكة مع المغتربين لتستثمر مدخراتهم داخل البلد بدلاً من مصادرتها والحجز عليها وحظر السحب منها كما يحصل للمغتربين لدى جارة السوء مثلاً، دراسة جدوى وتحديد كلفة حقيقية وكم رأس المال ومكان وزمان المشروع وعدد الأسهم وثمنها، ويتم التواصل مع أبناء الجاليات اليمنيةَ بطريقة صحيحة تشجعهم وتطمئنهم أن استثمار أموالهم في اليمن تضمنهُ الدولة ويحفظه العقد بين الطرفين بسلطة القانون والنظام؟! لو حصل ذلك لتم استثمار واستقطاب عشرات المليارات ولكن الوضع المزري يجعل المغتربين لا يثقون بالدولة، وهذا منطقي عندما يقوم المغترب بتحويل بعض أمواله من الخارج إلى الداخل، وفي النهاية يجد نفسه يشحت على أبواب البنوك التي تحتجز أمواله بحجة إما بتعليمات البنك المركزي وإما "ما بش سيولة"، أو عندما يشتري أرضاً لكن يستولي عليها "عاصي والديه"، فيستنجد بالمحاكم وجهات أخرى، لكنها تجعله يكفر بالساعة التي زاد عليه فيها إبليس وفكر يفعل لنفسه شيئا في بلده! وكم من قضايا للمغتربين داخل المحاكم؟!
لذلك طبيعي أنه ليس للدولة أي دور في متابعة أحوال فئة الاغتراب من اليمنيين ولا يسأل أحد عنهم، سواء قتلوا أو سجنوا بطراً وظلماً، خصوصاً في جارة السوء، ونلوم من يستند للجنسية الأمريكية وغيرها، بينما دولتنا هي من توصل ابن البلد لهذه الوضعية!
تمر أمام أحد المشافي في العاصمة صنعاء، وتشاهد كم عدد اليمنيين المتقدمين للفحص الطبي بهدف الحصول على تأشيرة عمل، وتنصدم بحجم المواطنين الذين يريدون البحث عن الفرصة خارج اليمن، ما هو السبب؟! لأن الوضع الداخلي مُزرٍ جداً لدرجة أنه لو كان للكلاب سبيل للاغتراب لهاجرت طلباً لحياة حقيقية بدلا عن اليمن!!
دور وزارة شؤون المغتربين في كل الحكومات مغيب ومهمل بشكل مقصود من أنظمة الحكم حتى اليوم، رغم أهميتها الكبيرة لفئة كبيرة من أبناء اليمن، حيث ينظر للوزارة رغم أهميتها على أنها منفى! كم يُقتل ويُسجن ويُنهب ويُغلب من أبناء الجاليات اليمنية في كل بلدان الاغتراب، ولا يهتم بهم أحد، بما في ذلك البعثات الدبلوماسية، وإذا حصل وكان على رأس البعثة شخصية محترمة يكون الفرق وجود اهتمام شخصي من السفير لمتابعة أبناء البلد، والنادر لا حكم له.
يتم تعيين ملحقين دبلوماسيين بدون أي مهام، مجرد عطايا، فلماذا لا يتم تخصيص ملحقيات للمغتربين وتعيين ملحق لوزارة شؤون المغتربين في السفارات لمتابعة قضايا وشؤون أبناء الجاليات اليمنية في بلدان المهجر؟! فهل النظام السياسي الحاكم اليوم سيبادر لتمكين الوزارة ويطلق لها العنان والتمكين لتكون ذات اختصاص ودور حقيقي في نشاطها ضمن طواقم البعثات الدبلوماسية حتى يشعر المواطن اليمني في الغربة أن لديه بلداً يهتم به ويرعاه ويصون حقوقهُ ويدافع عنه كما هو في كل الدول التي تهتم بشؤون مواطنيها ورعاياها ويتم تأسيس قاعدة بيانات شاملة يتم من خلالها إحصاء تعداد المغتربين اليمنيين ومناطق تواجدهم ونشاطاتهم وزمان الهجرة... إلخ.
اليوم، هل تتضمن أجندة المفاوضات مع دول العدوان وعلى رأسها السعودية والإمارات أوضاع اليمنيين وما يحدث لهم من استهداف ممنهج خارج عن أي أعراف وقوانين دولية وإنسانية، والوصول إلى تفاهمات ترفع الغبن والظلم الذي يستهدف كثير من المغتربين اليمنيين، وهذه مسؤولية القيادة السياسية بصنعاء وجغرافيا السيادة، حيث لا تعويل على ما يسمى حكومة دول العدوان من الخونة والعملاء، ولا يجب أن يُنظر للأمر من منطلق لا مشكلة في تأجيل هذا الملف، بل على العكس، فالدولة هنا هي التي تمثل اليمنيين وتهتم لقضاياهم بدون أي استثناء حتى ضمن المناطق المحتلة وهي مسؤولية تحملها شرفاً ووطنية.
* نقلا عن : لا ميديا