الخميس قبل الماضي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريس ومبعوثه الخاص إلى اليمن عن نجاح مشاورات السويد والخروج باتفاق بشان الحديدة يقضي بوقف إطلاق النار ويعطي الأمم المتحدة دوراً رقابياً في المدينة والميناء.
الاتفاق أتى منسجماً مع مطالب الوفد الوطني بتحييد الحديدة ومينائها لضمان تدفق الواردات التجارية وتجنيبها مخاطر الحرب والكارثة الإنسانية التي ارادت دول العدوان أن تشمل كل اليمن باعتبار أن ميناء الحديدة هو الميناء الأهم بالنسبة للمواد الغذائية والطبية والمساعدات الإنسانية، وانتزع الورقة الإنسانية الاكثر ضغطاً على القيادة الوطنية التي كان يستخدمها تحالف العدوان.
صحيح أن الوفد الوطني قدم بعض التنازلات في الاتفاق، لكنها دون سقف التفريط بالسيادة وتحترم تضحيات الشعب وتطلعاته، وتسحب ذريعة العدوان في استهداف ميناء الحديدة، كما تعمل على تأمين المنفذ الوحيد المتبقي للواردات التجارية وإمدادات الدواء والغذاء عبر هذا الميناء رغم التنازلات الكبيرة التي قدمها الوفد لمصلحة الحالة الإنسانية بالدرجة الأولى.
من شأن هذه التنازلات أن تؤكد للشعب اليمني من هو الطرف المعرقل والمصر على بقاء المعاناة الانسانية وتفاقمها لاستخدامها لأهداف ضيقة بعيدة عن الشعب وتطلعاته وقريبة من أجندة تحالف العدوان ومشاريع الهمينة الأمريكية والصهيونية.
يضاف إليها إشارة المبعوث الاممي مارتن قريفيث للطرف المعرقل وتسمية وفد ما سماه الحكومة امام مجلس الامن صراحة بأنه رفض الإطار العام للحل السياسي، وهي المرة الاولى وعلى غير عادته وعادة سلفه ولد الشيخ، الامر الذي أثار حفيظة وزير خارجية الفار هادي ليبعث تلك الرسالة المتوترة للاحتجاج على المبعوث الأممي.
وبالعودة إلى نتيجة الاتفاق بالنسبة للطرف الآخر -وهو تحالف العدوان ممثلا بوفد الرياض -فقد أنقذ الاتفاق قوات الغزو الإماراتية والمرتزقة المرتبطين بها في أطراف مدينة الحديدة من المستنقع وحالة الاستنزاف والمأزق الذي وضعت نفسها فيه وتكبدت فيه خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، ولا ننسى هنا انكسار خمس مراحل من التصعيد لغزو المدينة الساحلية وحشوداً عسكرية كبيرة غرقت كلها في رمال الحديدة وسهولها، وتبخرت أمام صمود الجيش واللجان الشعبية وتكتياكاتهم العسكرية الذكية والمناسبة لهذه الحشود وغطائها الناري الجوي والبحري.
وعلى مدى الأيام الماضية التالية لإعلان الاتفاق في استوكهولم في الثالث عشر من الشهر الجاري كانت البروباغندا الاعلامية لتحالف العدوان ومرتزقته تصف هذا الاتفاق بالنصر وأنه جاء حسب تعبير بعضهم نتيجة للضغط العسكري، مع محاولة تفسير بعض البنود الواردة فيه لمصلحة تلك الاجندة وهي محاولة أقل ما توصف به أنها محاولة للتضليل على أتباع العدوان والتغطية على الهزيمة السياسية التي صفع بها وفدهم على طاولة السويد.
وبالتوازي مع هذا التضليل اعتمدت قوى العدوان ومرتزقتها على تصعيد عملياتها العسكرية في الساحل الغربي والمتمثل بعشرات الغارات والقذائف والقنابل العنقودية التي صبتها على منازل المواطنين ومزارعهم في منطقة كيلو 16 ومنطقة الفازة وحيس و7يوليو بمديرية الحالي، فضلاً عن التصعيد المترافق على جبهات ومحاور أخرى كنهم والحدود.
ومع اقتراب الإعلان عن دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مع الساعات الاولى لصباح الثلاثاء الماضي بدأت مؤشرات الانقلاب والنكوص والنيات المبيتة لتحالف العدوان في نقض الاتفاق في التصاعد متوزعة بين مؤشرات التصعيد الميدانية ومحاولات التضليل الاعلامية والمناورات السياسية سواء في ما يخص ملف الحديدة وإطلاق الأسرى، لا سيما بعد انكشاف حقيقة الاتفاق للرأي العام وطبيعة بنوده التي لا تنسجم بأي حال من الأحوال مع أهداف العدوان التي رسمها لحملات غزو الحديدة وخسر في سبيلها الكثير، ولهذا بدأت وسائل إعلام العدو في العزف على نغمة أخرى ترتكز على التفسيرات العبثية التي يمارسها اعضاء في الشرعية المزعومة ووفدها إلى السويد وهو ما يعكس تململ مرتزقة العدوان من الاتفاق وسعيهم لإفشاله قبل تطبيقه ودخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ صباح الثلاثاء.
بطبيعة الحال جاء التصعيد الأخير لقوى العدوان ليحمل دلالة واضحة على حالة الامتعاض والخيبة التي تعيشها دول العدوان ومرتزقتها وأيضا حالة التخبط والتأرجح بين الخيارين السياسي والعسكري، وهو التخبط الذي يكشف فشل رهانهم على طاولة المشاورات وخيبة ظنهم في أن يحققوا فيها ما لم تحققه القوة العسكرية.
هذا التصعيد يضع الكرة في ملعب الأمم المتحدة لا سيما وقد أعلن المبعوث الاممي مارتن قريفيت أمام مجلس الامن مؤكدا دخول الاتفاق حيز التنفيذ في الثالث عشر من الجاري، وتبقى الأيام القليلة القادمة علامة هامة وتكشف مدى جدية دول العدوان والمرتزقة المرتبطين بها في تنفيذ الاتفاق، وأيضا مدى تحمل الامم المتحدة والمجتمع الدولي مسؤوليتهما أمام هذه الممارسات.