محمد ناصر الدين - كاتب لبناني -
جاؤوها من أرض النخوة والإيمان، هم الذين قال فيهم الرسول العربي: «الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجدُ نفس الرحمن من قِبَل اليمَن»، يردّون «يافا» إلى يافا وعيونهم اغرورقت بالدمع لعلّهم قد قصّروا، ربما كما يفهمون العطاء: لم تكن المسيّرة اليمنية أولى مساهمات أبناء اليمن الشجعان وتضحياتهم في سبيل فلسطين، إذ سبقها تاريخ طويل من البذل والتضحية منذ عام 1948 يذودون عن ترابها، يقفون وهم المعروفون بالشجاعة والمهارة في استخدام السلاح فوق أسوار يافا والنبي داود والمنشية وكرم التوت ويقاتلون شذاذ الآفاق والعصابات التي قدمت من جهات الأرض الأربع لتغتصب الأرض التي رووا ترابها بالدم، ثم تركوا أهلهم وعائلاتهم وزوجاتهم ليلتحقوا بمعسكرات الفدائيين في الأغوار وجنوب لبنان ويهتفوا مع كل عابرٍ للحدود: «إلى فلسطين خذوني معكم». من عملية عكا البحرية (1974) وعملية كمال عدوان (1978) وليس انتهاء بمعركة قلعة الشقيف (1982) والمسيرة يافا (2024)، لم يبخل اليمنيون بقطرة دم كي لا تُضام فلسطين وتنكسر، فهم كما قال شاعرهم عبدالله البردوني: «يا أخي يا ابن الفدى فيم التمادي، وفلسطين تنادي وتنادي؟/ ضجت المعركة الحمرا... فقم: نلتهب... فالنور من نار الجهادِ/ ودعا داعي الفدى فلنحترق في الوغى، أو يحترق فيها الأعادي». نستعرض صفحات مشرقة لعشاق فلسطين اليمنيين، ممّن لن تكون المسيّرة «يافا» آخر ما يدهشوننا به، ذلك أن «الهدهد» الذي يطير فوق الأرض المقدسة يتصل بهم أيضاً بنسبٍ وحكاية، وسيأتينا لا بد غداً بخبر يقين عن النصر القادم لا محالة.
الشهداء في حرب 1948
يقول الباحث الفلسطيني عارف العارف في الجزء الثالث المعنون «ملاحق وسجلّ الشهداء» من كتابه الموسوعي «النكبة: نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود 1947-1949» عن الشهداء اليمنيين: «عددهم تسعة وأربعون. عرفنا أسماء واحد وعشرين شهيداً منهم، والباقون مجهولون. كلّهم كانوا في فلسطين قبل الحرب الفلسطينية، ولمّا نشبت الحرب، تطوّعوا للقتال وراحوا يقاتلون مع إخوانهم المناضلين من أبناء فلسطين، وكثيراً ما كانوا يلتقون في ساحات الوغى بيمانيين كانوا يحاربون في صفوف الهاغاناه، فلا يألون جهداً في مقاتلتهم، لأنهم (أي اليمانيين الصهاينة) أعداء الدين وأعداء فلسطين».
كان اليمنيون مثالاً للنخوة والشجاعة في ساحات الوغى أينما وجدوا على أرض فلسطين، ومنها معركة حي النبي داود، يروي العارف: «في 17 أيار 1948 ولّى الصهاينة وجوههم شطر باب المدينة، وحاولوا اقتحامها من تلك الجهة. وصعدوا إلى ذلك التلّ من الدرب السلطاني المحاذي للسور. وكانوا في باص البقعة الفوقا ذي الرقم 6، فقابلهم المقاتلون العرب (وفيهم حامية يمانية) بنيران شديدة من على السور، وقبل أن يتمكن الباص من اجتياز الطريق المذكورة المؤدية إلى مدرسة صهيون، قذفوه بالقنابل المحرقة، فأحرقوه وقتلوا من فيه ولم ينجُ إلا القليل. والفضل في صدّ الصهاينة يومئذ راجع إلى فرقة التدمير العربية التي زوّدت المدافعين بمقادير كبيرة من القنابل اليدوية، وراجمات الألغام التي صنعتها».
أما في معركة يافا، فقد أبلى اليمانيون البلاء الحسن، إذ كتب قائد منطقة كرم التوت كامل الشريف في 13 شباط (فبراير) 1948 تقريراً إلى قيادة الحامية عن معركة تل الريش التي كان عدد البنادق العربية فيها لا يتعدى السبع، وكانت بيد مجموعة من المناضلين الفلسطينيين والعرب يقودهم الشيخ حسن حسونة من تجار الخضار في يافا وهو لدّي الأصل، وكان أول عمل قام به هؤلاء المناضلون أنهم اشتبكوا مع الصهاينة في قتال بين تل الريش ومستعمرة حولون الواقعة إلى الجنوب الشرقي من يافا. ورغم قلة سلاحهم كان النصر حليفهم، فقتلوا عدداً كبيراً من الصهاينة، كما قتلوا قائدهم كاتس ودفنوه في تل الريش. وفي التقرير نفسه، يعدّد الشريف أسماء الشهداء، فيرد من بينهم اسم الشهيد مصلح اليمني، إذ كانت يافا تضم عدداً من اليمنيين والحجازيين الذين عملوا في أسواقها وبساتينها وبياراتها، وكانوا مدربين قبل قدومهم إليها وشجعاناً ومهرة في استخدام السلاح. وكانوا رغم ضيق حالهم يقدمون الشهيد تلو الآخر على محاور البصة وكرم التوت والمنشية، فيكتب قائد فرقة البصة وشارع سلمة في تقريره المرفوع يوم 14 شباط (فبراير) عن صد هجوم صهيوني على المنطقة ويختم: «تمكّنا من ردّهم خاسرين، وقد استشهد أثناء ذلك المجاهد كايد القحطاني اليمني وهو في استحكامه في الخندق الأمامي رحمه الله». ومن الشهداء اليمنيين مثنى حسين اليماني، مواليد اليمن وسكان معان في الأردن، من السرية الثانية عشرة التي كانت متمركزة في الخليل في 12 أيار (مايو) 1948 وتحركت صباح ذلك اليوم لمواجهة الصهاينة في مستعمرة كفر عتصيون واشتبكت معهم حيث قضى مثنى نحبَه. أما قبيلة العرادة اليمينة، فتفتخر بشهادة ابنها حسين العرادة الذي انطلق من مأرب عام 1948 مع نجله أحمد تلبية لنداء الجهاد في فلسطين. يروي أحمد ما جرى عليه وعلى والده في تلك المعركة للكاتب اليمني مخلص برزق: «كنّا مع المتطوعين في محافظة القامشلي في سوريا، وكان المفتي الشيخ أمين الحسيني يأتينا على حصانه الأبيض ويحرّضنا على القتال والجهاد والدفاع عن أرض الإسراء والمعراج... ودخلنا بعدها في فلسطين وتجولنا في الضفة الغربية مع المجاهدين ومررنا خلالها بالقدس وصلّينا في المسجد الأقصى. ثم انطلق والدي ببندقيته الإنكليزية (11 طلقة غير أوتوماتيكية) وأرجعني أنا، ابن الرابعة عشرة إلى معسكر المتطوعين في سوريا، ثم انقطعت أخباره. وبعد شهر تقريباً، إذ بعجوز سورية تقول لي: أنت ابن الحجازي؟ (وكانوا يطلقون عليه هذا اللقب)، فأجبتها نعم، فقالت: الله يرحمه... استشهد في النقب في جنوب فلسطين مع أربعة من الشمامرة السوريين (من قبيلة شمّر). فما كان مني إلا أن اتجهت بمفردي إلى دمشق، ومنها إلى جنوب القنيطرة. وبعدما قطعت الجولان ووصلت فلسطين، فأحاط بي الصهاينة وساقوني إلى معتقل كبير كان عبارة عن بستان محاط بسورٍ طيني جمعوا فيه أعداداً كبيرة من الرجال والنساء والأطفال وساموهم صنوف العذاب. كان الصليب الأحمر يأتينا بالطعام قرابة تسعة أشهر حتى جاءت طائرات مصرية من الفالوجة وألقت منشورات تطلب منّا التوجه نحو البوابة الشمالية الشرقية، وألقت قنابل على السور فهدمته، ففررت ومررت بأحراش كثيفة من الصبار، ثم بدأت القذائف تنهال علينا من الصهاينة فاخترقت إحدى شظاياها بطني وأغمي عليّ على الفور. استفقت في أحد مستشفيات غزة التي بقيت فيها 11 شهراً ثم انتقلت منها إلى السعودية واليمن، وتركت والدي خلفي في فلسطين يحتضن ثراها المبارك».
والشهداء اليمنيون الذين أحصاهم العارف في موسوعته هم: محمد حسن عبده ومحمد عبدالله (استشهدا في معركة يافا)، وأحمد جبران، أحمد الحبيشي، صالح الحاج، عبدالله محمد، عمر سلمان محمد علي، كايد رضوان، مصطفى إبراهيم، ومنصور محمد الحبيني (استشهدوا في جنوب القدس)، ومحمد علي حسن وعبده الحباشنة (استشهدا في النبي داود) وعايش أحمد اليمني، أحمد حبيش، يحيى عبيده، سعيد عبدالجليل، شمسان مقبل، محمد سعيد، بكاش محمد عامر، ومحمد حسن اليمني (استشهدوا في أماكن متفرقة في حرب 1948).
بطل معركة عكا البحرية (1974)
نقلت صحيفة «السفير» اللبنانية (العدد 142، 16 أغسطس 1974) عن وكالة «وفا» الفلسطينية مجريات معركة عكا البحرية التي خاضتها فرقة رجال الضفادع الفلسطينية التابعة لقوات العاصفة قرب شواطئ عكا في المياه الإقليمية الفلسطينية في العاشر من الشهر نفسه. وفي التفاصيل أن مهمة الزورق الفلسطيني كانت قصف عدة منشآت وأهداف حيوية للعدو داخل مدينة حيفا في فلسطين المحتلة، وقد تم تسليح الزورق باثني عشر صاروخاً، إضافة إلى الأسلحة الفردية من رشاشات وقنابل يدوية. لكن المجموعة، وقائدها الشهيد حسن أحمد محمد مهدي (مواليد تعز، 1953) اصطدموا بينما كانوا بالقرب من مدينة عكا بمدمرة «إسرائيلية» كشفت مواقعهم، وفي الوقت ذاته كانت هناك ثلاثة زوارق «إسرائيلية» أيضاً تقوم بمحاصرة الزورق الفلسطيني وتطلب إلى من فيه التسليم. هنا تشاور الثوار سريعاً واتفقوا على التظاهر بالتسليم حتى إذا ما أصبحت الزوارق «الإسرائيلية» بمحاذاتهم فباغتوا من فيها بنيران رشاشاتهم وقذائفهم الصاروخية. وبالفعل، اقترب أحد الزوارق وعندها تناول المناضل اليمني رشاشه وبدأ برمي العدو بنيران غزيرة، بينما قام زملاؤه بقصف الزورق «الإسرائيلي» بالقنابل اليدوية المضادة للدروع، ما شكّل مفاجأة للعدو أوقعت في صفوفه الكثير من الخسائر البشرية، إضافة إلى إعطاب الزورق. ثم استمرت المعركة مع الزوارق الأخرى حتى أصيب خزان الوقود الاحتياطي فانفجر، ما أدى إلى تدمير جزء من الزورق الفلسطيني. وعندها قام القائد اليمني بتشغيل أقصى السرعة بالزورق بينما ألقى الثوار بأنفسهم في البحر مشتتين انتباه العدو عن الزورق الذي مضى مسافة من الأمتار، ثم وقع فيه انفجار آخر وبدأ يغرق في مياه البحر تحت الأضواء الكاشفة. وصل مناضل فلسطيني وحيد سالماً إلى قاعدته التي انطلق منها بعد سبع ساعات من مغالبة الموج. أما الآخرون، فقد أمكن بعد ساعات وبواسطة الضفادع البشرية من انتشال جثة أحدهم والعودة بها إلى القاعدة، وهي جثة المناضل اليمني حسن محمد مهدي (أيمن الشمالية) الذي كان يعمل بحّاراً في الكويت وترك زوجته في اليمن لينضم إلى صفوف الثورة الفلسطينية عام 1970. نقل جثمان الشهيد إلى دمشق ومنها إلى تعز ليدفن في ترابها احتراماً لوصيته التي كتبها بخط يده. يمكن اعتبار «أيمن الشمالية» من أوائل الشهداء اليمنيين في صفوف الفدائيين، إذ لم يسبقه سوى الشهيد محمد سعيد باعباد (أبو السعيد) الذي ولد في حضرموت والتحق بالكلية العسكرية في القاهرة. وبعد نكبة 1967، التحق بالفدائيين في الأغوار واستشهد حين اكتشفته دورية «إسرائيلية» وهو يستطلع إحدى الثغرات عند نهر الأردن أثناء تحضيره لعملية فدائية عام 1970، ليوارى في ثرى مدينته قصيعر في حضرموت. ورثته المقاومة الفلسطينية في بيان مؤثر جاء فيه: «يا أهالي قصيعر، ارفعوا رؤوسكم إنّ بطلكم جاء إلينا ولم يذكر الرتب التي يحملها وقاتل معنا كأيّ جندي».
مجموعة دلال المغربي (1978)
لم يبخل اليمنيون في بذل الدماء والأنفس في سبيل القضية الفلسطينية، فانضم كثيرون منهم إلى الفدائيين في حركة «فتح» و«الجبهة الشعبية» و«الجبهة الديمقراطية» والكتيبة الطلابية، فكان الشهيدان اليمنيان عبدالرؤوف عبدالسلام (أبو أحمد اليمني، صنعاء 1956) ومحمد صالح الشمري (شمّر، 1958) من الكوكبة التي قضت نحبها في عملية الشهيد كمال عدوان التي قادتها المناضلة الشهيدة دلال المغربي. وعن ظروف استشهاد عبدالسلام، يروي بهاء شاتيلا (الاسم الحركي) أحد المخطّطين للعملية والمكلَّف بعملية إنزال أفراد المجموعة الفدائية إلى الشاطئ الفلسطيني في حوار مع الزميل أيهم السهلي: «تحركنا في اتجاه منطقة الإنزال، وحين وصلنا إليها، شاهدت على رادار الباخرة زوارق متجهة نحونا، وكانت من طراز «الدبور» الذي يتميز بسرعة شديدة، ومحمّلة برشاشات عيار 800 ملم. أشعل القبطان ضوء الاستغاثة باللون الأحمر، وهو من الأمور المتعارف عليها في البحار حين تحدث مشكلة ما للسفن. وصل الزورقان: الأول بقي بعيداً منا بمسافة قريبة، والآخر اقترب بمحاذاتنا، وصعد منه إلى ظهر السفينة، ضابط برتبة عالية ومعه عدد من الجنود. سأل القبطان عن سبب مرور السفينة في المنطقة، وعن الحمولة التي لديه، فأخبره جورج عن العطل الذي أصاب البوصلة، فذهب الضابط ومَن معه مع القبطان ومهندس السفينة التونسي للتأكد من المشكلة. وبعدما تأكدت الدورية «الإسرائيلية» من العطل، منح ضابطها القبطان مدة ساعتين لإصلاح العطل، أو التحرك في اتجاه آخر. وكانت هذه المدة كافية لإنجاز الإنزال والابتعاد عن الموقع. غادر الإسرائيليون السفينة، وبقيت أراقب الرادار حتى اختفوا تماماً. عندها خرج أفراد المجموعة من العنابر، وبدأنا التجهيز: أخرجنا الزورقين والأسلحة وسائر المعدات الخاصة بالعملية؛ نفخنا الزورقين، وأنزلناهما إلى البحر، فاكتشفت الشهيدة دلال المغربي أن أحد الزورقين فيه تسرب للهواء؛ الزوارق كانت مكونة من خمس طبقات، والعطب كان في طبقتين فقط، ما يعني أنه يمكن استخدامه مع تخفيف الحمولة التي عليه. وكان المخطط أن يصعد في الزورق الأول 7 فدائيين، وفي الثاني 6 فدائيين، لكن بسبب العطب، نقلت أحد الفدائيين من الزورق الثاني إلى الزورق الأول، فصاروا 8 في الزورق الأول، و5 في الثاني. انقلب الزورق الثاني في البحر، وغرق الشهيد أبو أحمد اليمني، وكان محمد الشرعان (وائل) مكلفاً قيادة المجموعة في هذا الزورق، مع الاستمرار في نفخ القارب أثناء مكوثهم فيه»، أما الشهيد الشمري فقد استشهد في المواجهة البطولية والشرسة التي خاضتها مجموعة دلال المغربي التي نجحت في الإنزال على الشاطئ الفلسطيني.
«الكورال سي»: انظروا إليها تحترق!
أما «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، فقد انضوت تحت لوائها مجموعات يمنية شاركت في فرع العمليات الخارجية ومنها عملية قصف سفينة «الكورال سي» عام 1972. وقد جاء في بيان الجبهة الشعبية في حينها: «كورال سي سفينة ناقلة حمولتها حوالي 85 ألف طن من الزيت، ويعمل فيها حوالي 40 بحاراً، وتشتغل على خط إيلات -خِرج في الخليج العربي. وقد وصلت الناقلة في الساعة الثامنة من صباح اليوم الثامن من نيسان (أبريل) 1971 وغادرت في العاشر منه في السابعة صباحاً، متجهة إلى ميناء خِرج الإيراني. وفي طريق عودتها من خرج، وجّه إليها فدائيو الجبهة الشعبية وهي في طريقها إلى الشمال من جزيرة البريم عند مدخل مضيق باب المندب خمسة صواريخ أدت إلى احتراقها. ومن الشهداء اليمنيين الذين نعتهم الجبهة الشعبية ووردت أسماؤهم في «سجل الخلود»: الشهيدان مهدي سالم القصار وعبدو حميد غالب (استشهدا في منطقة غور الصافي، الأردن أثناء تصديهما للعدو الصهيوني)، وعبدالله محمد ناجي المراني الذي استشهد في عملية ضد عملاء جيش أنطوان لحد في كفر فالوس في جنوب لبنان (1989)، ومحمد حسين العطاب (استشهد في جبل لبنان عام 1983) وأحمد عزمي العوالقي (استشهد في مغدوشة عام 1986).
قلعة الشقيف (1982)
أما الكتيبة الطلابية التي عرفت باسم «كتيبة الجرمق» التي تمركزت في قلعة الشقيف، فبرز فيها الشهيد عبدالكريم الكُحلاني الذي شغل منصب نائب قائد الكتيبة. التحق الكحلاني في أواخر السبعينيات من القرن الماضي بمعسكرات المتطوعين للعمل الفدائي في صنعاء، ومنها انتقل إلى جنوب لبنان ليلتحق بكتيبة الجرمق مع كوكبة من المقاتلين اليمنيين الذين أفرد لهم معين الطاهر مقطعاً كاملاً من كتابه «تبغ وزيتون»: «تدفقت أعداد كبيرة من اليمنيين الذين التحقوا بصفوف «فتح»، وكانوا في غالبيتهم قد تلقوا تدريباً عسكريّاً عالياً في صفوف الجيش اليمني على مختلف صنوف الأسلحة. تميّز المتطوعون اليمنيون بالصلابة والروح القتالية العالية والجاهزية الدائمة للقيام بالمهمات الصعبة. اندمج هؤلاء الإخوة بسهولة في حياة الكتيبة ومهماتها اليومية، وتولى بعضهم لاحقاً مهمات قيادية فيها مثل الشهيد عبدالكريم الكحلاني (عبدالقادر اليمني) الذي أصبح نائباً لقائد قلعة الشقيف واستشهد فيها وكان سابقاً رقيبا أول في الجيش اليمني، وحاز محبة إخوانه وثقتهم، وكذلك الشهيد أبو رعد اليمني الذي أصبح قائداً لمجموعة رشاشات ثقيلة مضادة للطائرات من عيار 37 ملم، وهو الذي تولى تدريب إخوانه على هذا الرشاش الذي دخل في الخدمة خلال وجوده معنا، وكان يعمل في الجيش اليمني على الرشاش ذاته. وقد تمكّن أبو رعد ومجموعته من إسقاط مروحية «إسرائيلية» «هوت» محترقة مساء السادس من حزيران (يونيو) 1982 على أحد تلال النبطية، وكانت تقلّ عدداً من ضباط الأركان الصهاينة. كان اليمنيون مثالاً ساطعاً للمقاتل العربي الذي لو أتيح له الوصول إلى مناطق التماس مع العدو الصهيوني لحقّق الكثير من الإنجازات». تذكر عائلة الكحلاني أنّ أخاه قد طلب منه مرة أن يعود إلى اليمن من أجل الزواج وتأسيس عائلة، ليجيبه البطل الذي رفع العلم الفلسطيني فوق القلعة واستشهد أثناء غارات طائرات شارون عليها: «لقد تزوجت فلسطين وأعطيت مهرها دمي».
المراجــــــــع:
* عارف العارف، «النكبة» (مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2012)، ومخلص برزق، «فلسطين واليمن: علاقة ممتدة عبر الزمن» (الوعد للنشر والتوزيع، صنعاء، 2001).
* «بهاء شاتيلا: السيرة البحرية لعملية كمال عدوان: حوار مع أيهم السهلي» (مجلة الدراسات الفلسطينية، صيف 2023، العدد 135).
* الأرشيف الخاص بـ»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
* معين الطاهر،ـ «تبغ وزيتون: حكايات وصور من زمن مقاوم» (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017).
(*) جريدة «الأخبار» اللبنانية