في زمنِ تكشُّفِ الحقائقِ وإزاحةِ الأقنعة التي أثقلت وجوه الخونة والعملاء، وفي طريق القفزِ على الثوابت الوطنية والقومية للشعب اليمني المتمسِك بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بتحرير كامل تراب الأراضي المحتلّة من دنس الاحتلال الإسرائيلي، خطواتٌ خطيرةٌ يقومُ بها ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، مغازلةُ العدوّ الإسرائيليِّ وبدعم من المشغل الإماراتي.
حيث نشرت صحيفُة إسرائيل اليوم مقالًا يكشفُ عن ما وصفه بـ”الأصدقاء السريين” الجُدُدِ في اليمن، ويذكر كاتبُ المقال، أفيل شنيدر، بعضَ المؤشرات التي وصفها بالإيجابية بشأن مواقف “الانتقالي” تجاه الكيان، مُشيراً إلى تغريدات سابقةٍ لنائب رئيس الانتقالي، هاني بن بريك، في تويتر، ترحّب بالتطبيع مع إسرائيل، كما نقل الكاتبُ عن صديقٍ يعملُ في المطار أنه لاحظ في يناير أن مواطنين يمنيين ليسوا يهوداً جاءُوا إلى تل أبيب.
ولم يخف المجلس الانتقالي هذه العلاقات وعلى لسان مدير العلاقات الخارجية لما يسمى بالمجلس الانتقالي الخضر سليمان أكّـد على ما أوردته الصحيفة الإسرائيلية من عدم الممانعة لإقامة أية علاقات مع إسرائيل، مستنداً إلى أن المجلس جزءٌ لا يتجزأ من المنظومة العربية، حسب تعبيره، ما يعني بالضبط التبعية للسعودية والإمارات، ومن جرى مجراهما من الأنظمة اللاهثة خلف التطبيع؛ بحثاً عن حماية عروشها.
ومع خطورةِ هذه الخطوة فإنها تأتي في وقت لا يزالُ البعضُ يكابر في نفي علاقة العدوان -المتواصل على اليمن منذ أكثرَ من خمس سنوات- بكيان العدوّ الإسرائيلي ومصالحه في المنطقة، وإزالة مخاوفه التي عبّر عنها نتنياهو وكثيرٌ من الإسرائيليين في أكثر من موقف، إلَّا أن الأحداث التي تمخض عنها هذا العدوان على مدى السنوات الماضية، أثبتت حتى لهؤلاء البعض أن علاقة العدوّ الإسرائيلي بالعدوان هي حقيقة واقعة، وأعادت إلى الأذهان تصريحاتِ نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي في الرابع من مارس 2015، قبيل انطلاق العدوان على اليمن، وهو نفس الأمر الذي كرّره أمام حكومته بعد انطلاق العدوان على اليمن بأربعة أَيَّـام فقط، مؤكّـداً أن ما يجري في اليمن خطيرٌ جِـدًّا، ويجب وقفُه، معتبرًا أن ذلك سيؤدي إلى تغييرِ موازين الملاحة في باب المندب ونقل شحنات النفط، ليكرّرَ نتنياهو مخاوفَه المتصاعدة أمام وفد برئاسة وزير الخزانة الأمريكي، وذلك عن مخاطر الصواريخ اليمنية إذَا استهدفت كيانَه، لا سِـيَّـما بعد أن استطاعت هذه الصواريخ إثباتَ فاعليتها ضد الأهداف السعودية في أرامكو وغيرها.
ولم تكن هذه الخطوةُ هي الأولى من مرتزِقة العدوان فقد سبق أن جلس وزير خارجية هادي الأسبق، خالد اليماني، بين نتنياهو وبومبيو في مؤتمر وارسو، فبراير من العام الماضي، الذي عُقد برعاية أمريكية؛ مِن أجلِ ما تسميه السلامَ والأمن في الشرق الأوسط، والذي يصب حكماً في أمن وسلام ربيبتها إسرائيل، وأثار اللقاءُ استياءً واسعًا في أوساط الشعب اليمني شمالاً وجنوباً.
الغريبُ في هذه العلاقة التي تظهر اليوم هو أن الإمارات والسعودية التي تدفعُ المجلس الانتقالي الجنوبي -ومثله وقبله المجلسُ السيادي السوداني- إلى إقامة علاقات علنية مع كيان الاحتلال، مع أن النظامين قد قطعا أشواطاً خطيرةً في طريق التطبيع، إلَّا أنهما لا يزالان يحتفظان بمسافاتٍ أبعدَ نوعاً ما من هذه الأدوات.
والأغربُ أن المجلسَ السوداني يتذرَّعُ بهذه العلاقة على أنها المدخلُ إلى قلب واشنطن؛ مِن أجلِ رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وبالتالي رفع الحظر الاقتصادي المفروض على الخرطوم، في حين أن الانتقالي الجنوبي لا توجد له أي قضية يمكنُ التذرع بها، سوى اعتقاد أن ذلك يمكن أن يسهل لأسياده الإماراتيين مشروعَ الاحتلال التقسيم والتفتيت، وبالتالي الاعتراف بسلطة الانتقالي الانفصالية على المناطق المحتلّة جنوباً، بما فيها من موقع استراتيجي، على ساحل خليج عدن ومدخل باب المندب وساحل البحر العربي، والإشراف المباشر على المحيط الهندي، وهنا يجب الالتفات إلى أن الكشف عن هذه العلاقة السرية وإخراجها للعلن أتى لاحقاً لإعلان سيطرة ما يسمى بالمجلس الانتقالي وقواته المدعومة من الاحتلال الإماراتي على جزيرة سقطرى، بما تمثِّلُه من أهميّة استراتيجية، حيث يقع الأرخبيل في ممر الشحن الرئيسي الرابط بين الغرب (أُورُوبا) والشرق (آسيا).
إن التطبيعَ مع العدوّ لا يمكن أن يجلب أية شرعية ولا يمكن أن يحمي أية شرعية، فقد سقطت أنظمة ظنت أن علاقاتها مع العدوّ الإسرائيلي يمكن أن توفر لها نوعاً من الحماية، لكنها سقطت أمام غضبة شعوبها، وبالتالي فَإنَّ أقرب الطرق للحصول على الشرعية؛ مِن أجلِ الوصول إلى السلطة هي الحفاظُ على المبادئ والقيم الوطنية والاقتراب من الشعوب، ومصالحها وتطلعاتها وقناعاتها.