كانت المسلسلات المدبلجة – وما تزال – مدخلا للثقافات الغريبة إلى داخل المجتمعات العربية والتي أنشأت فيما بعد أجيالا مؤدلجة قابلة للانحلال، وقد تنبه المنتجون منذ زمن إلى أن اللغة العربية الفصحى المستخدمة في تعريب هذه المسلسلات تمثل عائقا لتحقيق الأهداف المرجوة من هذه الأعمال التي كان من المؤمل أن يصل تأثيرها إلى كل مجالات الحياة ، ومن هنا جاءت فكرة الدبلجة باللهجات المحلية لتحقيق هدفين هما :
أولاً هو أن اللهجات المحلية تكون أقرب للمجتمعات المحلية ، وبالتالي يكون التأثير أكبر في تغيير الثقافة المحلية وتقبل عادات لم تكن مقبولة من قبل ، وقد وصل تأثيرها حتى أصبحت بعض الكلمات والمصطلحات تعبر عن مشاعر الناس أكثر من الكلمات العربية نفسها ، ولا ننسى طريقة (الفرنكو) مثلا المستخدمة في المحادثات والتي تحولت الكلمة نفسها إلى (شات) …
الهدف الثاني هو التعود على إهمال اللغة العربية الفصحى ، وهذا ما ظهر أثره في مجالات أخرى لم يكن موجودا فيها من قبل مثل المقالات والشعر والإعلانات التجارية والعلوم وغيرها ، والأمر بدأ فعلا يخرج عن السيطرة تحت مبررات يتم الترويج لها كالتسهيل والابتعاد عن التحذلق ، ومؤخرا وصلنا إلى درجة أن شابا خريج جامعة لا يستطيع أن يقرأ آيتين من القرآن الكريم دون أن يخطئ عدة مرات في نطقها ، وربما إذا استمر الحال كما هو عليه – لا سمح الله – سيصل الحال إلى درجة أن نجد جيلا كاملا غير قادر على قراءة القرآن الكريم !
خطورة خلق ( النموذج ) تظهر بشكل ملفت في مجتمعاتنا ، فهناك كثيرون ممن يقلدون الأبطال الأتراك دون تفكير ، فتجد من يحب أن يقلد أنه شهم ولكنه في نفس الوقت لا يجد حرجا في خيانة صديقه أو الإساءة لغيره ! وهذا التناقض يعمل فيما بعد على ترسيخ العادات السيئة التي تم تقبلها من خلال تقبل أبطال المسلسلات بعيوبهم وعاداتهم ، بينما تقوم المؤسسات التعليمية بإكمال المهمة عبر الإهمال المقصود للشخصيات الحقيقية التي تعبر فعلا عن قدوة ونموذج جيد وقويم لمجتمعاتنا ولأجيالنا .
ما نشاهده اليوم أن جيل الشباب هو الأكثر تأثرا ، رغم أن هناك كبارا في السن وصغارا أيضا قد تأثروا بهذه الهجمة الثقافية الشرسة ، فأصبح الكثير منا يعرف عن الممثل الفلاني أو المطربة الفلانية أكثر مما يعرفه عن نبي أو علم من الأعلام أو ملك تاريخي أو مفكر عظيم ! وهذا الخلل يجب تداركه سريعا من خلال منظومات التعليم المتوفرة أو عبر أي وسيلة ثقافية نملكها قبل أن يفوت الأوان ونجد أنفسنا أمام جيل لا يعرف الفرق بين الحق والباطل ، وبين الخير والشر ، وبين الحقيقي والزائف !
الآثار المدمرة لهذه المسلسلات أكثر من أن تحصى في مقال واحد ، والأمر مطروح للجهات ذات العلاقة وللمجتمع أيضا ، ومن الخطير تجاهل هذا الأمر إذا كان لدينا اهتمام بحاضرنا ومستقبل أجيالنا . لا بد من وقفة جادة للتفكير بتمعن في هذا الأمر ابتداء من رب الأسرة ووصولاً لأكبر مسؤول في بلداننا كون الجميع مستهدفا .. إمنعوهم ولو بالقوة، فالغرب يتصرف معنا بذات الطريقة فيما يخص “أمنه القومي” دون أن ينعته أحد بالتسلط والتحجر والديكتاتورية، فلماذا نسكت نحن عمن يحاول تدمير كل شيء في حياتنا ؟!