قبل أن يدخل الرجل المسكين إلى السوق الشعبية كان هاتفه ما يزال في جيبه. وما إن خرج من وسط الزحام حتى فوجئ بأن الهاتف قد اختفى وتبخر، فانتفض وذهب مسرعاً لاستعارة هاتف أحد المشاة واتصل على رقمه، فأجابه صوت يبدو عليه الحزم: «قبل أن تتكلم احترم نفسك وأعلم أنني لست لصاً أو ما شابه، كل ما في الأمر أنني نشلت هاتفك».
وأغلق الخط في وجهه على الفور. لم يترك للرجل فرصة ليخبره بأن قيمة الهاتف ما تزال ديناً على رقبته، لعله يشفق عليه ويعيده. لم يترك أي فرصة.
يقول لكم اللص إنه ليس لصاً، هو فقط معتاد على السرقة والنشل، فلا تكبروا الموضوع!
صحيح أن كلامه غباء مطلق، لكنه لا يملك غير هذا، فلا يجوز أن يقول أحد عن نفسه إنه نشال وسارق ولص.
حتى القاتل المأجور الذي اعتاد على إزهاق الأرواح مقابل المال، قال للقاضي بلهجة استعطاف أثناء محاكمته: «سيدي القاضي، صدقني، أنا لست قاتلاً، إنني أسعى وراء رزقي فقط».أي أنه رجل بسيط يقدم لزبائنه خدمة القتل، وهو يفعل هذا لتوفير قوت يومه ليس إلا، لذلك لا تتهموه جزافاً بأنه قاتل!
الأغبياء عندما يقترفون الأخطاء لا يجدون شيئاً مناسباً لتبرير أفعالهم، فيقولون مثل هذه الكلمات المتناقضة غير المفهومة، وهذا غباء من النوع العادي، لأن أصحابه عاديون، فالسارق والقاتل يظلون أناساً من العامة.
أما إذا كنت ملكاً على شعب فإن غباءك سيكون من النوع الملكي الفاخر، ما يتيح لكلماتك الغبية أن تسافر في رحلات دبلوماسية وتشارك الرؤساء والزعماء مختلف المناسبات السياسية، كما يتم نشرها على الصحف والمجلات والمواقع الإخبارية.
أفضل مثال على الغباء الملكي هو الاتصال الذي جرى قبل أيام بين ملك المغرب ورئيس فلسطين.
حيث أعلن العاهل المغربي «محمد السادس» تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، ثم اتصل مباشرة بمحمود عباس ليخبره بأنه ما زال واقفاً إلى جانب فلسطين!
يجاهر بولائه للعدو الصهيوني المحتل الغاصب، ثم يقول بالحرف الواحد: «موقفنا الداعم للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير».
يعبر للعالم عن حبه للصهاينة، ثم يقول للفلسطينيين إنهم الأساس ومن المستحيل أن يتركهم!
يمنح القاتل قلبه وجسده، ثم يقول للقتيل إنه مستمر في مناصرته والدفاع عنه!
«ابن زايد» عندما قام بالتطبيع مع العدو الصهيوني فإنه أعلن للعالم أنه عميل منبطح. وملك البحرين حين قام بالتطبيع أعلن للناس بالفصيح أنه خائن عديم شرف. وعسكر السودان أيضاً قاموا بالتطبيع وأعلنوا بالصوت العالي أنهم قد تصهينوا وباعوا بيت المقدس. كلهم يعترفون بخيانتهم ونذالتهم بصراحة تامة والأمور ريلاكس؛ باستثناء ملك المغرب، الذي باع فلسطين وارتمى في أحضان محتليها، ثم شطح وأعلن أنه متمسك بالقضية الفلسطينية.
نحن لم نتفاجأ بتطبيع هؤلاء المنبطحين، فالعلاقات بينهم وبين الكيان الصهيوني قائمة منذ عقود، و»إسرائيل» لديها مكاتب تجارية في بلدانهم من زمان. إنما انكشفت أنيابهم ودماء الفلسطينيين تسيل عليها.
لذلك هم ليسوا مجبرين على تبرير خيانتهم كما يفعل الملك المغربي، ذلك الأحمق الذي يحاول إقناعنا بأن «إسرائيل» وفلسطين يجتمعان في قلب واحد!
بالله عليكم، أخبروه أنه ليس هناك عاهرة شريفة، ولا مومس محترمة، ولا بالوعة نظيفة... لا وجود لأشياء مثل هذه أبداً.
* نقلا عن : لا ميديا