*الشهداء.. هم من يحفرون أسمائهم و صورهم في ذاكرة الخلود و لأجلها تُقام المتاحف و لذكراها يترنم الكون و يزدانُ الوجود..
عندما تزكو النفس وتسمو الروح وتتسع دائرة الإهتمامات والشعور بالآخرين لتحمل هم الناس وتصبح بحجم الوطن..
عندما يكون الإنسان إنساناً يتحرك من منطلق إنسانيته ومبادئه التي تفرض عليه حب الوطن وحب الناس وتحمّل أعباء و واجبات ما تفرضه هذه المعاني السامية فنحن نتحدث عن أنموذج من النماذج العظيمة المشرفة والتي تجسدت فيها هذه القيّم في أبهى صورها وهو #الشهيد_بشار أحمد المؤيد.. 40 عاماً كانت حافلة بالإنجازات والعطاء والمتوّجة بالإبداع والإبتكار والتفرّد والتميز..
انخرط #بشار منذ ريعان شبابه في الكثير من الأعمال السياسية والإدارية وتقلد الكثير من المناصب القيادية المهمة ونتيجة لاهتمامه الكبير بعمله فقد أدى ذلك إلى نجاحه الدائم.. وبين كل ذلك كانت الشهادة دائماً نصب عينيه وأغلى آماله..
ولأن عقله كبير ومبتكر ومحب للإبداع وأفكاره عظيمة واستثنائية، وقد تميّز بالذكاء والحكمة فقد انشأ العديد من المشاريع العظيمة والمهمة والتي كان له قصب السبق في انشاءها والتي كان يهدف من خلالها إلى تطوير الوطن والنهوض به.. وأيضاً إلى خدمة المواطن وتوظيف أكبر عدد من الشباب والشابات من خريجي الجامعات وغيرهم..
كان بإمكان الشهيد بشار أن يحقق الكثير من المكاسب لنفسه وكان الباب مفتوحٌ له على مصراعيه.. ولكنه كان شديد الارتباط بمبادئه وقيمة العظيمة السامية.. وعندما رأى أن بعض تلك المشاريع قد انحرفت عن المسار الذي أُنشئت من أجله قام بمعارضة ذلك حتى تم الإستغناء عنه..
كان بشار رجلا قيادياً يحمل بين جنباته أحلام الشباب وآمالهم وتطلعاتهم في التغيير نحو الأفضل.. ولم يكن هذا الحلم يفارقه مهما كانت الظروف والصعاب بل كان قلبه الكبير المحب للوطن والخير لأبناءه يزداد تعلقاً به وسعياً نحوه يوماً بعد آخر..
مما جعل له أهمية كبيرة في قلوب كل من عرفه حتى أصبح ملهما لدى الكثير منهم.
لكن الدنيا بزخرفها ومالها ومناصبها لم تجد سبيلاً إلى قلبه.. كيف لا.؟ وهو من قد ذاب عشقاً في مدرسة بيت النبوة صلوات الله عليهم.. وكان متيماً ومأسوراً بخطى وحكمة وشجاعة وإقدام سيد الوصيين الإمام علي عليه السلام ومتعلقاً بمناقبه وأقواله..
كان عطوفاً وحنوناً ومحبوباً عند أهله وكل من عرفه من صغار وكبار ومن قادات أو أفراد عاديين..
ولأنه كان كبيراً في أهدافه وطموحاته وفرضياته ومبادئه فإنه لم يستسلم وظل يبحث عن بصيص من الأمل والنور تأوي إليه روحه ونفسه ويستطيع أن ينطلق منه نحو التغيير المنشود فالتحق بالمسيرة المباركة في بداياتها ولم يستوحش الطريق لقلة سالكيه آنذاك..
ولم يوفر فرصة يستطيع من خلالها تحقيق آماله والنهوض بوطنه الغالي إلا وخاضها بكل عزة وبسالة فاشترك في ثورة الشعب والتي انطلقت يوم الحادي والعشرين من سبتمبر ضد الظلم والفساد وتحرك فيها في جميع المجالات..
وما إن بدأ العدوان السعوصهيوأمريكي على اليمن حتى انطلق ملبياً لنداء الوطن ومنخرطاً في صفوف المجاهدين الأبطال الذين نذروا أرواحهم للدفاع عن حياض الوطن الغالي وعن الشرف والكرامة..
خاض الشهيد البطل بشار المنايا ضاحكاً ومستبسلاً ولم يستنكف عن اللحاق بصفوف المجاهدين الميامين في الميادين كونه كان ذا منصب من قبل..بل كان له شرف الالتحاق بركب رجال الرجال العظماء الأحرار..
وله في ساحات الوغى وميادين البطولة قصة تدل على مدى قوة إيمانه وارتباطه وثقته بخالقه عز وجل.. وهو يقين العارفين المستبصرين..
حيث تم محاصرته هو وأربعة عشر مجاهداً في لحج بأربع مدرعات في منطقة صحراوية مكشوفة محاذية لطريق الحرور الواصل بين خط عدن أبين وبين لحج (بساتين الحسني)ومطالبتهم بالاستسلام والانبطاح على بطونهم.. لكن بشار لم يرض بالاستسلام ولم يقبل أبداً أن يسلم نفسه لهم وكان يحث أصدقاءه بكل ما يستطيع على أن يلحقوا به وأن يفعلوا مثله وألا يسلموا أنفسهم لأولائك المحتلين والمرتزقة المجرمين.. وكانوا خلال ذلك يرون مناظر بشعة جداً من جثامين الشهداء الذين تم تعذيبهم والتمثيل بهم على جنبات الطرق..!
لكنهم لم يستمعوا إليه ،وكان قد بلغ منهم العطش والتعب مبلغه والمشرف عليهم كان جريح أيضاً..
كان بين أولائك الغزاة إماراتيين على المدرعات وخلفهم أعداد من الجنجويد..
قام بشار بالجري بسرعة كبيرة جداً وبكل ما يستطيع بعد أن ألهمه الله لذلك بعد الدعاء والاستغفار ولم يتوقف لسانه عن ذلك البتة والأعداء من خلفه يطلبونه فوق مدرعاتهم و كانت المصفحات تضرب عليه الأعيرة النارية.. لكنها كانت تمر من جنبه وتقع بين رجليه ولم تصبه بقدرة الله الحافظ لمن وثق به وتوكل عليه وسلم أمره إليه..
كان بشار يشعر بقرب شديد من الله وأنه سبحانه يتولى رعايته..
وهكذا استمر بشار في الجري حتى اختفى في أحضان المزارع التي حمته من أعينهم وعناية الله فوق كل ذلك..
وبالنسبة للأسرى الأربعة عشر فقد تم أخذهم إلى سوق وما إن وصلوا حتى باعوا اثنين منهم بثمن الآوالي و قام من اشتراهم بقطع رؤوسهم من فوره وهذه هي أخلاقهم وتعاملهم مع الأسرى وقد عرف بشار بذلك مؤخراً من الإثنين الذين نجوا منهم وتم إطلاق صراحهم بعد ذلك..
وبعودتنا إلى بطل قصتنا فقد استيقظ على أصوات الكلاب والدم يخرج من رأسه بعد أن أصيب عندما أغمي عليه والجراح في قدميه أيضاً.. و وجد أحد المزارعين الذي توسم فيه الخير وقام بتخييره بأن يقوم بقتله إن أراد أو أن يقوم بمساعدته لأنه يريد الشهادة أو أن يعود سالماً إلى أهله لكنه لا يريد أن يكون أسيراً.. فقام ذلك المزارع الطيب بمساعدته بعد ثلاثة أيام قضاها بدون ماء ولا طعام..
حيث قام بحفر حفرة عميقة في الأرض ارتفاعها مترين وغطاها بالقش وقام بإخفاء بشار فيها خوفا عليه حتى لا يعثر عليه أحد وكان يحضر له الطعام والشراب..
وهكذا حتى سنحت الفرصة في عودته لصنعاء جعله المزارع يرتدي ملابس المزارعين.. و أعطاه بشار الآلي و بيادته التي دفنها في الأرض وقال له :إذا انتصرت فسوف آتي لزيارتك وآخذ البيادة لابني..
وكان تاريخ استشهاد بشار بعد هذه القصة بأربعة أشهر..فقد قال لزوجته عندما التقاها :أنا لم آتي إلا لتوديعك.. فأنا شهيد.. شهيد..
وبعد عودته بفترة قصيرة تم إعلامه بأن العدوان قد استهدف مزرعته في الخوخه بصاروخين وتدمر بيته بالكامل فما كان رده إلا أن قال (أبوه أبوه روحي ودمي وبيتي فداءاً لهذا الوطن)
وما إن عاد حتى قام بلقاءات موسعة مع الشباب في الحارات ويحدثهم بضرورة حمايتها وتأمينها، وكان يقول لهم:حارتك بيتك الذي هو مأمنك وسكنك ولم يكن يتركهم حتى يبادروا بحمايتها وتأمينها..
ليس هذا فحسب بل لأنه كان شخصية اجتماعية مشهورة ومعروفة بعقلها الكبير وعلاقاتها الواسعة جداً مع الجميع من مسئولين وغيرهم .. ولأنه كان محنكا سياسيا وقياديا متمكنا يمتلك دائرة واسعة من العلاقات مع مختلف الشخصيات من جميع الناس بمختلف انتماءاتهم وأحزابهم وفئاتهم، عاد لإطلاق العديد من المبادرات الشبابية وقام بعدة اجتماعات في مختلف الحارات في أمانة العاصمة يدعو فيها إلى وحدة الصف لحماية الوطن وتوحيد الجهود والبعد عن النزاعات الحزبية والمناطقية بين المكونات المناهضة للعدوان أبرزها(أنصار الله والمؤتمر) حتى أثمرت جهوده العظيمة بتوحدهما علناً في مواجهة العدوان بعد أشهر قليلة من استشهاده، والذي كان يعتبر من أوائل الداعين لتوحيد الصف بينهما والمهندسين لذلك..
وما إن أدركت قوى الشر حجم هذا الرجل وخطورة تحركاته عليهم وعلى مشاريعم ومخططاتهم القذرة،حتى سارعت في حبك الخطط لاغتياله فقامت بإدراج اسمه في قائمة الأبطال الواجب التخلص منهم سريعاً..
ولم يكن جرمه إلا أنه كان يحمل قلباً بحجم الوطن..
كانت نفسه لا تزال تتوق إلى الجهاد في الجبهات وخاصة جبهة نجران و لكن توجيهات قائد الثورة حفظه الله ورعاه بأن الحاجة إليه وإلى حسه الإداري العالي وعقله الكبير ومهاراته وأفكاره الإبداعية هنا أكثر من الجبهات..
لكن أيادي الخيانة والغدر كانت أسرع إليه من كل ذلك.. وكان لهم ذلك في مساء يوم السادس عشر من يناير(كانون الثاني) العام المنصرم وكان له ما تمنى فارتقى شهيداً بعد مسيرة حافلة من العطاء في جميع المجالات مخلداً سيرته ومسيرته النضالية بأحرف من نور في جبين التاريخ..أولاً، وفي قلوب كل من عرفوه أو سمعوا عنه ثانياً..
ولم تكن روحه قد استقرت بعد في الحياة الأبقى والعالم الأسمى حتى تسابقت قنوات العدوان على نشر الخبر.. وكأنها قد ربحت ربحاً عظيماً باغتيال روحه الطاهرة، هذا إن لم تكن تنتظر نشر الخبر على أحر من الجمر و لم يكن لها اليد الطولى في التخطيط لاغتياله..
فها هي قناة العربية تنشر الخبر وتقرن اغتياله بإنسحاب الحوثيين من صنعاء أو هكذا كانت تمني نفسها وتقول:اغتيال قيادي كبير اسمه بشار المؤيد وانسحاب الحوثيين من صنعاء..
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عظمة هذا الرجل الذي تم استهدافه بذلك الشكل بخمس رصاصات في جسده الطاهر والذي تسبب في هذا الإرباك لأبواق العدوان الإعلامية..
وأما عن أهله فقد فرحوا له بالشهادة التي كان يتمناها حتى لو كانت ممزوجة مع ألم الفقد، وها هي زوجته تقول :
كنت سأشعر بغصة وقهر كبير لو كان مات بحادث و لكني فرحت له لأنه نال ما كان يتمنى.. و تقول :
على كل امرأة أماً كانت أم زوجة أن تدفع بالرجال إلى الجبهات وإلا فإن الأعداء سيدخلون لنا إلى البيوت..