*الشهداء.. نبع من القيم و الأخلاق، يعطون ولا يأخذون، يترفعون عن سفاسف الأمور، يضحون براحتهم وأرواحهم و حياتهم لأجل حياةِ الآخرين حتى و إن كانوا يخالفونهم في الرأي أو يسيئون إليهم..
إن الشهادة تشريف عظيم وكبير يرتقي به الإنسان المؤمن مقاماً عليا إلى جوار الله وجوار الصالحين من أنبيائه وأصفيائه..
ولكنها اصطفاء واختيار لا يناله أي أحد.. إلا من يمتلك المقومات الإيمانية والروحانية.. و قد ارتقت روحه كثيراً لتستقر أخيراً في النعيم المقيم الخالد..
ومن صفات المؤمنيين والصالحين هو الإحسان.. وهذا ما ذكره الله كثيراً في كتابه وأثنى على أهله ومن يتحلون بهذه القيمة الإنسانية العظيمة.. حتى جعلهم الله ممن يحبهم..
وماذا بعد الحب إلا الإصطفاء.؟
"إنَّ الله يحب المحسنين "
وقد بدأنا قصتنا بالحديث عن الإحسان.. لأنه أهم بل وأجمل ما كان يميز بطل قصتنا.. #الشهيد_محمـد أحمد أحمد الحملي(أبو هاشم)
الأمانة_السبعين_حدين.
امتلك الشهيد محمد شخصية مميزة منذ صغره وكان يمارس رياضة التكواندوا وحصل على حزامين فيها..
وكان شديد التمسك بقناعاته فكان أول طفل يؤدي الصرخة في المدرسة مما أدى إلى استدعاء والده وحضور طقم إلى المدرسة آنذاك..
كما بدأ المشاركة في حضور الفعاليات والمسيرات وهو لا يزال في الثانية عشر من عمره..
تحمل محمد المسؤولية مبكراً وكانت أسرته تعتمد عليه في كل شيء فقد كان خدوماً وشجاعاً و يُعتمد عليه و هذا ما أهله أن يكون رئيسا للكشافة في المدرسة وكان محبوباً من مدرساته ومعلميه..
كما اتصف محمد بكثير من الصفات الجميلة منذ نعومة أظفاره.. فقد كان مأدبا مهذبا وخجولاً و مرهف الأحاسيس وكان طيباً وحنونا..
وعندما وصل عمره خمسة عشر عاما التحق بالمكتب السياسي لأنصار الله وكان محبوباً من كل من يعرفه لما فيه من صفات نبيلة.. بمن فيهم وفي مقدمتهم أفراد أسرته والذين يشيدون ويفتخرون بأخلاقه العالية..
كان محمد مهتم جداً بالصلاة ومستحيل أن يفرط فيها ولا يقدم أي عمل عليها مهما كان..
وعلى الرغم من مرضه، فقد كان مصاباً بروماتيزم حاد في القلب وروماتيزم في المفاصل أيضا وكان يتعب بشكل كبير و قد وصف له الطبيب إبرة كل 21 يوم لمدة ثمان سنوات..
إلا أنه كان أحياناً يزحف زحفاً إلى الحمام من أجل تأدية الصلاة فقد كان المرض قوياً عليه ولا يسمح حتى لوالده بمساعدته.. و هذا المرض على شدته لم يمنعه من الجهاد والإلتحاق بجبهات الشرف في سبيل الله والوطن..
وكان كثير التوصيات لأهله وبارا جداً بوالديه..
كان محمد يتواصل مع أفراد عائلته حتى البعيدين ويعمل على خدمتهم.. و كان قلبه الكبير معلقا بالأطفال فكان يحبهم كما يحبونه كثيرا.. و السفر معه متعة كبيرة فقد كان كريما وحنوناً..و يجمع بين الابتسامة والمرح والوقار..
ولقيام الليل معه قصة وحكاية فقد كان يوقظ أفراد أسرته لقيام الليل و يستقبل الصلاة والمناجاة بين يدي الله سبحانه كأنه عريس وقد تجمّل وسرح شعره و رائحة العطر تفوح منه.. و هكذا كان يحيي الليل..
والصيام قصة حب أخرى فكان كثير الصوم دون أن يعرف أهله بذلك أو حتى يطلب منهم أن يجهزوا له طعام الإفطار ،فهو من كان يخدم نفسه بنفسه ولا يكلِّف عليهم شيئا..فيغسل ملابسه ويجهز طعامه بنفسه..
ومما كان يردده دائماً_"تلك الجنَّة التي نُورِّثُ من عبادنا من كان تقيّا"
وله في الإحسان أروع القصص وأجمل المعاني التي لا يتسع المجال لذكرها..
وقد كان كثير الإنفاق ودائماً ما يحث أهله على ذلك، ويقول:"وأنفقوا مما تحبون"
ويقول:الإنفاق يزيل النفاق..
وأما الجهاد فقد كان فيه فارس من أشجع الفرسان وله فيه صولات وجولات يعجز عن وصفها البيان..
فقد شارك في الكثير من الميادين ورابط في الكثير من المواقع والجبهات وحتى من قبل العدوان فكان له شرف تسطير أروع البطولات..
وقد جاب مجاهداً الكثير من المحافظات مثل تعز ونهم والجوف ومأرب و في أراضينا المحتلة مثل جيزان ونجران والتي كان لها شرف احتضان دماءه الزكية الطاهرة..
كان محمد المشرف اللوجيستي على نجران.. لكن أهله لم يكونوا يعرفوا ذلك، وكان من أقواله:الله يثبتنا.. الله يثبتنا.. عملنا لله وليس لأشخاص..
تحمّل الشهيد مسئوليات كبيرة وهو لم يكن قد أكمل العشرين من عمره حينها..
وكان أهلاً وكفؤاً لها لحكمته وشجاعته و وعيه وإيمانه.. فكما كان بطلاً في ميادين القتال فقد كان أميناً شديد الحرص لدرجة أنه كان يقوم بتدوين كل ريال يتم صرفه ولو حتى على مستوى أبسط الأشياء..
إنَّ من أكثر ما يميز الشهيد محمد هي أخلاقه التي كانت تأسر الألباب وتجعل كل من يعرفه يقف محتاراً لهذه الروح الطاهرة التي كأنها أتت من الجنة في زيارة قصيرة وسرعان ما عادت إليها فهناك.. ولا غير هناك مكانها..
لدرجة أنه كان بين جيزان ونجران عدد من البيوت للبدو والذين أحبوا محمداً وتعلقوا به وأعجبوا بأخلاقه العظيمة إعجاباً شديداً.. لم يكونوا يعرفوا حينها أنه أحد المجاهدين الحوثيين الذين تم تشويه صورتهم في مخيلاتهم.!
كل ما يعرفونه أنه فتىً في غاية الإحترام و على درجة عالية من الأدب والأخلاق، لديه سيارة.. يقوم بزيارتهم بإستمرار والإنفاق عليهم وتزويدهم بكل ما يستطيع..
حتى أنهم دعوه للغداء ذات مره فاستجاب لهم على الرغم من تحذير بعض المجاهدين له ومحاولة ثنيه عن ذلك..
لكنه في الأخير حاول أن يبين لهم وأن يغير قناعاتهم..فذات مرة كان يمشي من جوارهم فوق الطقم ومعهم عرس فنزل وهو يرتدي اللباس العسكري و دخل وسلم عليهم وعلى العريس وهم في حالة من الذهول الشديد.!
فقد اكتشفوا أن ذلك الشاب العظيم هو أحد المقاتلين الحوثيين.!
لكن هذه الحقيقة التي صدمتهم كانت سبباً في انطلاقهم بعد ذلك وانخراطهم في صفوف المجاهدين، فقد انضم منهم خمسة أو أكثر من ذلك مع المجاهدين الصادقين ضد الظلم والطواغيت بعد استشهاده، وقالوا:والله أننا عرفنا الحق من وجهه..
فكانت أخلاقه وقيمة كافية لأن تهديهم وتدلهم على أن من هو مثل محمد لا يمكن إلا أن يكون مع الحق وفي صفه..
وكما كان له مع المجد قصصاً فقد كان له مع الشهادة موعداً..
ها هو محمد الذي شارك في الكثير من الاقتحامات والبطولات يقترب من تحقيق حلمه.. و هو من كان يقول لوالدته :ماذا قد قدمنا لدين الله.. الله المستعان يا أماه..
إذا حصل وأكرمني الله بالشهادة.. استقبلوني كأنكم تستقبلون خبراً طيباً من الله.. وكونوا من المستغفرين الحامدين الشاكرين.. الله يتقبلنا.. الله يثبتنا..
*عاش محسناً وارتقى إلى العلياء محسناً..
كان محمد يشارك في الاقتحامات والمواجهات في نجران وخلال ذلك يقوم بتفقد أولائك البدو في الصحراء كل يومين ويعطيهم كل ما يستطيع من الطعام والغذاء وما يقدر عليه..
لكنه هذه المرة كان مقبلا على عملية كبيرة وكان يخشى أن يتأخر عليهم، فوصى بعض من أصدقاءه بتفقدهم و تزويدهم بالطعام.. و ظل أسبوعاً وقد كانت المواجهات على أشدها..
عاد محمد بعد الإسبوع من الفزعة ليكتشف أن من أوصاهم.. لم يقوموا بتفقدهم طيلة ذلك الإسبوع ولم يعطوهم شيئاً فشعر بقهر وألم كبير.. و توجه من فوره إليهم وقد جلب لهم كل ما يستطيع من طعام وحاجيات ..
وتوجه مسرعاً إليهم وحال وصوله كان يدعوا أحد أولائك البدو وهو لا يزال فوق الطقم.. تعال يا فلان وهو يضحك من كل قلبه.. تعال خذ حاجتك( وقد جلب له أيضاً شيئاً يحبه وهو يلوح له به )قبل أن أستشهد..
وما إن نطق بها.. حتى أقبلت الطائرة و قامت بالضرب عليه في نفس الوقت وافتدى محمد أحد أصدقاءه بنفسه حيث قام بتغطيته بجسده فارتقت روحه الطاهرة إلى بارئها واستشهد معه ذلك البدوي وطفل وجرح أحد أصدقاءه..
وكان استشهاده بتاريخ :8_10_2016
وقد وجدوا في جيبه بعد استشهاده بطاقته وبعض الأوراق مع صورة الشعار وأربعين ريال وهو من كان المشرف على منطقة نجران حينها..
كما وجدوا الصحيفة السجادية التي تخضبت بدماءه الطاهرة العطرة..
وكما كان استشهاده استثنائياً فقد كان تشييعه مهيباً حضره كثيرين ممن يعرفونه.. والكثير من الشخصيات البارزة والدبلوماسية والضباط والكثير من الناس حتى أناس كانوا يعرفون بفكرهم الداعشي لكنهم كانوا يحبونه لأخلاقه ويتمنون أن يلتحق بهم بل ويدعون بأن يهتدي ليكون معهم،على حسب فهمهم للهداية.!
وتم قطع شارع السبعين بالطقومات ليحظى بشرف زفة ذلك الجثمان الطاهر وكان احتفالاً عظيماً زينه البرع والأهازيج الجميلة.. لينتقل جثمانه الطاهر أخيراً إلى جوار أصدقاءه الذين كان يزوروهم في روضة الشهداء ويفتقدهم كثيراً..
حزنت الأم لفراق ولدها الحبيب لكنها قالت :لأجل دين الله يرخص كل غالي وأشكر الله الذي وفقني بدفع ابني إلى ساحات الشرف والعزة بعد الرغبة والإصرار منه..
وأنّ هذه الدماء الطاهرة تعتبر وقود حرية ونصر، وأننا لا نربي أبناءنا على القيم والفضيلة إلا لإحياء وإعلاء كلمة الله وهذه هي المواقف التي تثبت إيمان المرء من عدمه.. و الجهاد هو أحب الأعمال إلى الله وتنصح كل أم بأن تكون رافدا كبيرا لدفع ابنها لساحات الكرامة وصدق الله القائل :"أحياء عند ربهم يرزقون"
لن أكون أرحم بإبني من الله.. الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى..
وتقول :ابني فاز.. وأعاهده بالمضي على دربه..
وأما والده فيعاهد الله بدم الشهيد أنه سيمضي على دربه ولن يستكين وأنه سوف يلحق به..