الفارق بين الإنسان المؤمن بربه وبين الإنسان المذبذب، بين الإيمان والنفاق، هو الفارق في مواقفه تجاه القضايا الكبرى والمصيرية التي يتبناها كُـلٌّ منهما بمواقفه المشرفة، أما الصلاة والصيام وبقية الطقوس الدينية فهي لا شيءَ ولا قيمةَ لها إذَا لم تترجم على أرض الواقع في ميدان المواجهة مع قوى الطاغوت والاستكبار، ومن هذا القبيل فَـإنَّ المحايدين اليوم تجاه قضية اليمن الحقة الصامتين عن العدوان السعوديّ الأمريكي، الصامتين على تطبيع أعداء اليمن مع إسرائيل العدوّ اللدود للأُمَّـة الإسلامية الذين لم يكن لهم موقف أمام تلك المجازر والجرائم التي تُرتكب بحق النساء والأطفال منذ 7 أعوام في اليمن والجرائم المماثلة لها من قبل العدوّ الصهيوني في فلسطين وعلى مدى أكثر من سبعين عاماً قد وضعوا أنفسَهم في موضع النفاق: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) يميزه بالمواقف العملية على أرض الواقع ساعة المواجهة مع الباطل مع الطغاة والمجرمين.
عبدُ الله بن أبي بن سلول رأس النفاق في الإسلام لم يظهر نفاقه ومن معه إلّا بتخلفهم عن الجهاد في سبيل الله وَإلّا فقد كان يصلي ويصوم ويقومُ خلفَ رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وقد كان أُولئك المنافقون معه يتخلّفون عن الجهاد الحقيقي، ويجاملون أعداءَ الإسلام وهم يرون الحق بأم أعينهم وهم يصلون ويدّعون الإسلام.
وكان من تخلُّفِهم لا يعدون عدةً، ولقد كشف اللهُ أستارَهم وأسرارَهم، وقال في سورة التوبة: “ولو أَرادوا الخروج لأعدوا له عدة” فإذا كانوا يريدون الجهاد حقيقة ويريدون مواجهة الطغاة لأعدوا عدةَ الجهاد، ولكنهم لم يعدوها كانوا يتخلفون عن النبي بالأعذار القبيحة والحجج الواهية فكشف أمرهم، والقرآن لم تأتِ فيه الدروس والعبر لمُجَـرّد القراءة والتلحين والقِصَص التاريخي “لا “، بل جاءت لكي نعرف من خلالها المؤمنَ الصادق من مدّعي الإيمان بظاهره وهو مبطن للنفاق في قلبه وَبأعماله، ميزان ومقياس دقيق بين المؤمن ومدّعي الإيمان هي مواقفه العملية على الأرض “لم يعدوا العدة، فما بالك بمن لم يكن له موقف؟! ما بالك بمن يسكت عن الحق.. بمن يجامل الأعداء ماذا نسميه؟
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قال: “لهدم الكعبة حجراً حجراً أهونُ عند الله من إراقة دم امرئ مسلم”، فكيف بمن يقتُلُ المئات والعشرات يوميًّا من النساء والأطفال بغاراته وصواريخه الحاقدة، ويحاصر الملايين ويتركهم يتضورون جوعاً وعطشاً، ويصافحُ الصهاينة ويسالمهم، ويقود الحربَ ضد أحرار الأُمَّــة بالنيابة عنهم وهو يدّعي الإسلام، يسالم الأعداء ويحارب الإخوة والأشقاء، إن لم يكن هو رأسَ نفاق العصر في الإسلام وَقرن الشيطان وحزبه فمن هو إذَن؟
وللأسف نحن – المسلمين – متى ما عرفنا توجُّـهَ تلك الدولة وذلك الشخص ورأينا مواقفَه المخزية لا نحسب حسابَه ومدى وأبعاد خطورته على الإسلام أبداً، بل نظل صامتين نحسب حسابَ القوة أَو حساب بطوننا؛ لأَنَّنا ما عرفنا الإسلام بمعناه الصحيح السامي، فقد تمسكنا بالقشور وتركنا اللُّباب ونبذنا أهمَّ مبادئه وأخلاقه وواجباته ومسؤولياته “الجهاد”، فأيُّ سخف وأيُّ سقوط هذا الذي وصل إليه المحايدون والصامتون؟!
إنَّ مُجَـرَّدَ التفكيرِ في أبعادِ ما وصلت إليه الأُمَّــة الإسلامية محزن للغاية يجعل الإنسان المؤمن يخجل من ربه ومن نفسه ومن عمله ويتحَرّك كالليث الهصور في الميدان ضد أعداء الله ورسوله والمؤمنين، ضد المتصهينيين وَالصهاينة ضد الباطل وأهله، ولو كان الثمن حياته وماله وما يملك.