الانتخابات، سواء في لبنان أم في العراق، لم تخرج بعد من نفوذ وسيطرة “الحاوي” الأمريكي الخبيث، وما جرى لا يخرج عن رغبة أمريكية بفوز صعب لحزب الله، وهزيمة مدوية للحشد الشعبي. لا تتسرعوا الرد، ولنناقش الأمر بهدوء.
الموقف ذاته كان يحصل عندنا أيام الامتحانات الجامعية قبل سنوات، فقد كان يأتي ابن الشيخ إلى قاعة الامتحانات، ونراه مكبا فوق ورقة الإجابة، ثم يخرج من قاعة الامتحان مبتسما وهو يشعر بالرضا، في حين أن كل ما فعله هو رسم بعض الخطوط فقط على ورقة الإجابة ولم يكتب حرفا واحدا؛ فهو يعلم تماماً أن “أصحابه” يسيطرون على “المطبخ”، أي غرفة التصحيح أو لجنة الامتحانات، وبهذا ضمن النتيجة!
أنا لا أقول هنا إن فوز حزب الله بالانتخابات لأن أمريكا أرادت فوزه، بل لأن أمريكا أرادت فوزه (الآن بالذات) وبفارق طفيف. أما لماذ؟!! فهذا لأنها تخطط لاستغلال ظروف لبنان الاقتصادية السيئة لتسقط الحزب شعبيا. وأنا أتوقع أن الضغوط الاقتصادية ستزداد أكثر، وسيتم منع البنك والصندوق الدوليين من تمويل أي مشاريع في لبنان، وستعمل المؤسسات المالية على تثبيط أي إجراءات اقتصادية للخروج من الأزمة، كما سيتم استنزاف الحزب عبر خلق أزمات واضطرابات لتبرير التدخلات الخارجية، والتي ستصل إلى الاعتداء العسكري فيما بعد كما فعلت أمريكا مع دول أخرى حول العالم.
أما الحشد الشعبي في العراق فقد دخل الانتخابات بحسن نية، ورأيي الشخصي أنه قد تم توريطه بمشورة سياسية فاسدة لكبح جماح شعبيته المتزايدة، خاصة بعد أن استطاع كسر شوكة الإرهاب، التي استخدمتها أمريكا لإخضاع دول عدة تمتلك الجيوش والثروات. فأكثر ما يخيف أمريكا هي المكونات والأحزاب الوطنية التي تؤدي دوراً اجتماعياً للشعوب، وأشد ما تخشاه هو أن تنال هذه الأحزاب شعبية واسعة وتسعى للاستقلال بدولها بعيداً عن السيطرة الأمريكية، والأهداف التي تريد أمريكا تحقيقها خدمة لمصالحها في ثروات ومقدرات هذه البلدان.
كان الأجدر بالحشد التركيز على الجانب الاجتماعي أكثر لبناء قاعدة شعبية أوسع تشمل العراق من شماله إلى جنوبه، وأن يتصرف كمرجعية لجميع المكونات الحزبية والطائفية في العراق لا كحزب، وأن يسعى للمزيد من القوة والاستقلالية للعراق ككل، وأن يزيد تحركه ضد التواجد الأجنبي على أرضه، سياسياً وعسكرياً وثقافياً. فالانتخابات لن تعطيه شرعية أفضل مما يمتلكها الحشد اليوم والمستمدة من إنجازاته التي حققها وأذهلت القاصي والداني. وبالتأكيد لن تكون الانتخابات معبرة عن حقيقة شعبية الحشد في ظل حكم الانتداب المبطن الذي تديره أمريكا اليوم.
الحشد اليوم بحاجة للتفكير ملياً فيما حدث، وأن يحقق إنجازا أكبر مما حققه عندما دحر القوى الإرهابية عن أرضه وحمى شعبه، وهذا الإنجاز لن يكون بأقل من دحر القوات الأجنبية من العراق تماماً؛ فطالما أبناء الأفاعي هؤلاء باقون في العراق فلن ينعم البلد بأي استقرار، وستظل المؤامرات تدور وتتوالى على كل مكون وطني يسعى لتحقيق استقلال ونهضة العراق. فتوكلوا على الله يا جند الله، واشحذوا الهمم، فقد دحرتم الأدوات الشيطانية من قبل، وأنتم قادرون -بإذن الله- على دحر الشيطان نفسه من أرضكم. والعاقبة للمتقين.
* نقلا عن : لا ميديا