كلمة إنسان.. كلمة قديمة ومألوفة كقدم الحياة على هذه الأرض.. كلمة اعتيادية ويتفق عليها جميع البشر بمختلف جنسياتهم وانتماءاتهم.. وهي كلمة ذات أهمية بالغة في ذات الوقت.. وقد أجمع البشر على أهميتها وقداستها في كل منطقة في هذا العالم..
لذلك فقد سنّوا قوانين ووضعوا قواعد وأقاموا العديد من المنظمات الحقوقية والدولية لأجل حماية هذه الكلمة.. ولكي تظل الإنسانية هي التي تحكم البشر في ما بينهم في كل أرجاء المعمورة..
ولأن الإنسانية هي الفطرة الطبيعية والسوية التي يجب أن تكون هي السائدة والغالبة في المجتمعات حتى تكون حياتهم على درجة عالية من الأمن والراحة فإن كل ما يشذ عنها يكون مخالفا لهذه الفطرة المتفق عليها من كل بني البشر وتمثل اعتداء صارخاً للإنسانية وقيمها السامية..
وإضافة إلى تركيز هذه المنظمات الأممية على الإنسان بشكل عام فإنها قد ركزت على حقوق المرأة والطفل بشكل خاص وركزت أيضا على حقوق الطفل بشكل أخص الذي يُمثِّل أساس الحياة على هذه الأرض وأنك إن انشأت طفلاً سوياً في كل الجوانب فقد انشأت مجتمعا وحياة مثالية..
وبناءً على ما تقدم فإنه من حق هذه المنظمات الدولية المعنية بالإنسان وحقوقه أن تصرخ عندما تجد أن الأطفال وصغار السن في بلد كاليمن يحملون السلاح ويتواجدون في جبهات القتال وأن هذا يتنافى مع طفولتهم وصغر سنهم ومع قوانين وقواعد هذه المنظمات المعنية خاصة بحقوق هؤلاء الأطفال.!
نعم.. اصرخي أيتها الإنسانية ومنظماتك فيا له من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وخاصة هؤلاء الأطفال المساكين الذين حرموا من طفولتهم بهذا الشكل.!
لماذا حملت سلاحاً يبدو أكبر منك أيها الصغير حتى أنه أفسد براءتك ويبدو غير لائقٍ بك.؟
لماذا جعلت المنظمات الإنسانية تصرخ فينا وتزدرينا وتنظر إلينا بعين الرجعية والتخلف، وأين والداك من كل ذلك؟ هل طاب خاطرهما عندما سمحا لك بالذهاب إلى ميادين القتال.. وعندما سقطت شهيداً في مكان كهذا على صغر سنك.!
اصرخي أيتها الإنسانية.. فلتصرخي.. هيا دعينا نسمع صوتك فقد افتقدناه وقد غاب عنّا طويلاً حتى خِلنا أنكِ قد مُتّي منذ زمنٍ بعيد وأنه لم يعد منك شيء يذكر.!
هل تعرفي أيتها الإنسانية هنا في اليمن.. لم يعد بإمكانك أن تسألي الطفل عن الحدائق والألعاب أو عن وسائل التسلية والترفيه التي يحظى بها غيره من الأطفال في مختلف بقاع الأرض..
لكن.. اسأليه..
قولي له.. لماذا أيها الصغير لم تبقَ في مكانك تنتظر الجوع والفقر ليبطش بك وقد حاصرتك من كل مكان ولم أترك منفذاً جوياً ولا بريا ولا بحرياً إلا وقمت بتدميره أو أغلقته في وجهك الصغير..
اصرخي أيتها الإنسانية.. وقلي له..لماذا ذهبت أيها الصغير الكبير في نضجك وأفعالك.؟
لماذا لم تنتظر نقص الدواء وانعدامه وتدمير المستشفيات والمرفقات الصحية ليفتك بك عندما تصاب من تلك الأسلحة المحرمة وسمومها أو من تداعيات ذلك الحصار الخانق.!؟
اصرخي أيتها الإنسانية.. وقلي له.. لماذا لم تنتظر حتى تتم تسوية بيتك فوق رأسك سواءاً أكان ذلك وأنت تلعب في النهار.. أو وأنت نائم في حضن الليل..! وهل تحب أن تلفظ آخر أنفاسك تحت سقف أم على قارعةِ الطريق.؟
اصرخي.. ولا تنسي أن تسأليه.. أيُّ طريقةٍ يفضلها في الرحيل هل بحرقة أم بتمزيق وبعثرة أشلائه.!
أم هل يفضل أن يحترق بيته وأهله أمام عينيه وينجو هو ليعيش مُعاقاً ويتيماً.!
اصرخي هيا.. لماذا بح صوتك؟ لماذا لم أعد اسمع صدىً لصوتك.. ولماذا جفت دموعك؟ وأين ذهب بكاؤك وعويلك؟
نعم.. صدقتي.. والتعليم حق من حقوقه لا يحق لأحد أن يمنعه منه.. دعيه يذهب إلى المدرسة مهما كانت الظروف والأحوال التي تحيط بأسرته ومجتمعه الناتجة عن الحرب الكونية العسكرية والاقتصادية على بلده..
دعي تلك الأم تداعب خصلات شعر ابنتها الصغيرة وتلبسها الحجاب الأبيض وتقبلها على جبينها بحب وتوصيها حين العودة ألّا تتأخر كي لا تقلق عليها.. لكنها هذه المرة لن تتأخر ثانية فقد سُرِقت روحها الطاهرة قبل أن تصل حتى إلى المدرسة.. ولتسقط على قارعة الطريق وهي تحتضن حلماً وأمنية وليحترق فؤاد أمها التي لم تكن تعرف أنها تقبلها لآخر مرة.! وليتخضب الحجاب الأبيض بالدماء كأنه حِناء لتزف العروس الصغيرة إلى السماء.. وتُساق الإنسانية المزعومة الملوثة برائحة النفط المدنس إلى مزبلة التاريخ.. ولا عزاء…