أنصارُ الله -في كُـلِّ تلك المراحل التي كانوا في صراعٍ فيها مع خصومهم منذ اليوم الأول- عُرِفوا بالشدة والمواقف القوية والثابتة، وفي نفس الوقت بالمبدئية والوفاء والقيم والالتزام بأخلاق وأدبيات الصراع مع خصومهم، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أنهم ينهجون نهجَ القرآن في تربيته للمؤمنين ومواقفهم من الخصم.
الحقد والمواقفُ الشخصية تحول بين الخصم وبين عودته إلى صف الحق وجادة الصواب؛ لأَنَّ العِداء ليس شخصياً؛ وإنما لما هم عليه الأعداء من أعمال وأقوال ومواقف باطلة.
منهجيةٌ تربويةٌ قرآنيةٌ جذابة تعلمك أن موقفك من العدوّ ليس شخصياً أَو مناطقياً أَو مذهبياً، إنما موقفٌ منه لما هو عليه من مخالفة واعتداء وتمرد وعدم استجابة للحق؛ لأَنَّ المواقف الشخصية من الخصم ستجعلك غير متقبل له؛ حتى وإن عاد وترك ما هو عليه، تجعلك تنظر بحقد إلى شخصه وليس إلى عمله؛ فتحاول أن تجعله لا يعودُ ويترك ما هو عليه ويدخل في صفك؛ فتصبح صادًّا عن سبيل الله بدلاً عن أن تكون داعيةً للحق، وتلك الأحقاد الشخصية تجعلُ الخصمَ نفسَه يستميتُ في موقفه منك؛ لأَنَّه يراك لا تريدُ له أن يعودَ إلى صفك؛ فقد عملت الحاجزَ بينك وبينه.
روي أن مالك الأشتر أنه قال: (إن علياً علّمني كيف أقاتلُ العدوَّ دون أن أحقدَ عليه)، تجدُ أن الأنصار جسّدوا تلك المقولةَ بحذافيرها؛ فمن يتأمل في واقعهم اليوم يجد أنهم احتضنوا كثيراً من المراكز العلمية المخالفة والجيوش اليمنية والشخصيات السياسية التي كانت تخاصمُهم وتقفُ ضدهم.
تميَّز الأنصارُ بالمبدَئية والقيم؛ فتراهم لا ينظرون إلى شخص الخصم وإنما لما هو عليه فقط، فإن ترك مَـا هو عليه استقبلوه في صفهم، لهُ ما لهم وعليه ما عليهم، تلك هي مدرسة الرسول الذي احتضن في الإسلام حتى من كان كما يقال جباراً في الجاهلية، وحتى من حاربوه بسيوفهم، فتح الرسول -صلى الله عليه وآله- لهم باب العودة إلى حضن وصف الحق؛ لأَنَّ موقفه منهم لم يكن حقداً شخصياً.
كذلك اليوم تجد الأنصار ينادون المخدوعين وكلّ من هو في صف العدوان بالعودة والرجوع إلى صف الوطن وترك ما هم عليه، وبحسب إحصائية نشرتها صحيفة 26 سبتمبر أنه تجاوز إجمالي العائدين من المغرر بهم إلى صف الوطن من جبهات القتال، أكثر من 16 ألف مقاتل، وذلك منذ صدور قرار العفو العام حتى نهاية العام 2022.
وليس من المستغرب أن يأتي يوم ويستقبل الأنصار قياداتٍ كانوا في صف العدوان ثم تركوا ما هم عليه وعادوا إلى جادة الصواب، سواءٌ أكانوا من (تعز) أَو من أية محافظة أُخرى، فتلك منهجية القرآن ومبادئ الإسلام، يقول سُبحانَه: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأشهر الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْـمُشْرِكِينَ، حَيثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُـلّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
قبولُ الأنصار بالعائدين ليس قبولاً تحت ذلك الشعار الكاذب الذي يقولُ: [القبول بالآخر] وإنما قبولٌ له واحتضانٌ له إذَا ترك ما كان عليه {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَـمُونَ}.
وفي الأخير نقول لكل مَن يستغرب أن يأتيَ اليومُ الذي يدخل فيه أبو سفيان العصر هذا في صف صنعاء: افْهَمْ أولاً منهجيةَ الأنصار من القرآنِ حتى تزولَ من رأسك كُـلُّ الشكوك والأوهام؛ فالحربُ ليست للإبادةِ والاستئصالِ، وإنما حتى تكونَ كلمةُ الله هي العُليا.