هناك قوى داخلية وقوى خارجية تسعى بكل قوة إلى إفشال المشروع الثوري وإحباطه، أو على أقل تقدير تحييده عن وظيفته الرئيسية في القدرة على حمايتنا من مخاطر الأزمات الاقتصادية والحصارات والجوع، وإفساد المؤسسات والوزرات والهيئات، والانقسامات الحادة وتبديل معنى وجودنا، وإعادة إنتاجنا بطريقة تجعلنا مؤهلين لخدمة نمط من العيش والحياة ليس نمطنا، وألا تترك أمامنا خياراً غير التبعية والعجز عن الانتماء إلى المشروع الثوري الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والعمل والمشاركة بكل جدية وندية في خيارات كانت متاحة لنا، لكننا أخفقنا في امتلاكها والاستفادة منها، وتعثرت كثيراً عملية إعادة بناء حياتنا وتحصينها من مخاطر العبث والفساد والأزمات الاقتصادية القاتلة الخارجية.
الأسباب يفاقمها سياقنا الداخلي، ويجعلها تترجم نفسها في صورة عجز عن حماية أنفسنا من الآخر، وعن امتلاك الأدوات والمشروع والقيم الضرورية لتحصيننا تجاهها وإبقائها خارجياً لا تمس تأثيراتها سطح وجودنا دون أن تغوص إلى أعماقنا، فنتآكل شيئاً فشيئاً حتى الانقراض، فنبدو وكأننا خارج أي سياق تاريخي واقعي بنّاء وفاعل سياسياً واقتصادياً وثقافيا، ونتقلص داخلياً لصالح الخارجي، من خلال نواظم واتفاقيات وهدن ومعايير لا تنبع من الذات، وليست مكرسة لخدمة وجودنا ومصالحنا، وإنما لصالح آليات خارجية تقيدها وتبدل وظيفتها، فتجعلها أداة اغتراب وإضعاف لما في الذات من مناعة وحصانة ومقاومة، وتتراجع قيمها الوظيفية وفاعليتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، بينما تتعاظم حاجة المجتمع إلى الحماية والاستقرار الاقتصادي، وحاجة الفرد إلى التوقف عن انتهاك فرديته ومجاله الشخصي وكرامته، أي بمعنى أدق الحاجة إلى الشعور بالأمان الدائم.
إن الهدنة الزائفة والاتفاقات الأخرى انتهكت كل القوانين الإنسانية وأضعفت البدائل الوطنية، وأنتجت أنماطاً مبتكرة من الممارسات السلطوية تمتص تدريجياً المواقف الوطنية والانتصارات العظيمة وتلقي بها إلى الهامش، والتي يجب أن تزداد تهميشاً في واقع مليء بالأزمات الاقتصادية الهائلة الخطورة وليس لها حلول أو إرادة لحلها أصلاً في ظل حكومة «الإنقاذ» الغارقة في بحر الظلمات، ووزراء يعيشون في إجازة وخارج نطاق الخدمة والأحداث ومعاناة الناس، ولم يذوقوا طعم المرارة والذل والمجاعة.
إن المطلوب هو حكومة إنقاذ حقيقي، قادرة ومتمكنة وبعيدة عن المحاصصة، ولا بد من تشكيل حكومة تستطيع إيجاد بدائل اقتصادية بالاعتماد على الذات كغيرنا من البلدان الكثيرة التي تعرضت للحصار واستطاعت إيجاد البدائل الاقتصادية الناجحة، مثل كوبا وإيران وسورية وفنزويلا والعراق سابقاً، حكومة غير متعالية على الأحداث وأوجاع الناس وإرادة البشر ومتطلبات التطور والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
* نقلا عن : لا ميديا