طاهر علوان الزريقي
طباعة الصفحة طباعة الصفحة
RSS Feed مقالات ضدّ العدوان
RSS Feed
طاهر علوان الزريقي
أنظمة في نسيج العنكبوت
أنظمة في عنق الزجاجة
سقوط الأسطورة
طوفان يجرف الكيان
البديل القادم
لا رقابة ولا محاسبة
«عبقرية» قصير العمر!
الثورات لا تهزم
السعودية هي أمريكا
وداعاً للدولار

بحث

  
حين تأكل الثورة أبناءها
بقلم/ طاهر علوان الزريقي
نشر منذ: سنة و 6 أشهر و 23 يوماً
الجمعة 26 مايو 2023 10:42 م


الحالمة، التي فُتنتَ بها، حزينة عليك، تبكيك لوعة، تكاد لا تصدق الأخبار بأنك ارتحلت دون وداعها، حملت صدقك ونقاءك وقلقك ورفضك ورحلت، غادرتنا وأنت تحمل النقاء والصفاء والود الصادق ورحلت، لم يعد هناك من يقلق على مصيرنا ومصير جميلتك الحالمة بالخير والعطاء والعدل والمواطنة المتساوية.
رفيقي وصديقي الدكتور عباس محمد صالح الزريقي، حاولت مراراً أن أكتب عن رحيلك المفاجئ ولم يطاوعني القلم المرتعش بين أناملي، تضيع مني حروف الكلمات، يلتهمها صمت الجدران، تسقط وتحتويها رجفة الحزن، ذهول مطلق يشل تفكيري، يستبد بي الحزن، مخنوق بالكلمات الدامعة، عتمة قاتلة تجتاح أعماقي، مرارة ساحقة تخنقني، ضباب كثيف يقف حاجزاً بيني وبين إحساسي بالأشياء وتسمياتها، اختلطت الألوان.
طمست ملامح الكلمات، امتزج الممكن بالمستحيل، تداخلت المفردات، صار العدم هو الوجود، عشوائية تمتص رحيق الحياة وحرمة الممات، سخرية الأشياء تمد خيوطها السوداء، تخنق الأجنة في أرحام الأمهات، تقف الحجارة مخنوقة بالكلمات الدامعة، تواسي الزهور الميتة في عز تفتحها ونضجها، يترنح القلم في يدي، يجف مداد القلب، تنتابني الرجفة المخذولة بالوجع.
يُقال: "تموت الأشجار واقفة"، وبموتها يموت كل شيء، يموت كل شيء، هذه دماؤك نفحة شريدة بلا ضفاف، والزمن موت الأزمان، والليل موقوف محيط بلا حراك، ظلام سكن أعماقي وما يزال معتماً لم يتوارَ، داس على جسدي، حطم جمجمتي بين المكان والزمان ما توارى، لا يصدق الرفاق أبداً أن تكون في يوم من الأيام مصدر حزن، وأنك ارتحلت دون وداع، ليس من عادتك، كنت تجمعنا وتصلنا فرداً فرداً، تجد لنا المبررات والأعذار وتعاودنا، لكنك غافلتنا عند الغروب وبهدوء كعادتك المستحبة حملت رفضك وقلقك ورحلت.
الظلمة عباءة مسمومة تلف جسدي، تعربد العواصف الثائرة بين ضلوعي المهشمة، أكابر على ضعفي، ألملم أحشائي الممزقة، أضغط على الجرح النازف، أصرخ بكل قوتي فلا حياة لمن تنادي، ومع ذلك حملت رفضك وقلقك ورحلت، لم نعتد يا رفيقي وصديقي أن تكون معنا ويكون هناك حزن، عهدناك باسم الوجه حتى في أحلك اللحظات مرارة، قوي النبرات، واثقاً بالحياة والمستقبل السعيد لكل أبناء هذه التربة الطاهرة شمالاً وجنوباً.
رفيقي وصديقي الدكتور عباس محمد صالح الزريقي، القامة الشامخة بكبرياء الممتلئ بذاته امتلاء لا مزيد عليه، الأكبر من كل تزييف، والأبهى من كل ظلال، والأقوى من كل تزوير، من نذر روحه وكيانه ووعيه للمواقف الوطنية الصعبة وقول الحقيقة في وجه الرفاق قبل الأعداء، نذر روحه للشهادة والإرادة الحرة دونما وجل حتى الموت، عاش الحياة بكل دروب آلامها ومعاناتها القاسية وظل يسخر من كل مغرياتها ولا يجاهر بهمومه الذاتية حتى في أحلك اللحظات مرارة، لم يعرف معنى الضمانات الحياتية المستقبلية لنفسه ولأسرته، بل كانت ضمانته الوحيدة دقات قلبه العازفة هلعاً وخوفاً على وطنه ورفاقه، تحمل طعنات الغدر والخيانة ونكران الجميل من الرفاق والأصدقاء، وظل يحمل هويته الوطنية وولعه الهستيري بوطن يفصّله على شاكلته وقامته الشامخة ويحمله إلى العالم كمن تأبط شراً.
نعم، رفيقي وصديقي الدكتور عباس الزريقي، الثورة تأكل أبناءها بالإهمال والتجاهل وعدم الاكتراث، الموت هو الذي يدير حياة الشرفاء الوطنيين، لنا القبور والتراب والحزن والهموم والحصار، ولهم السماء والأرض المزروعة والزهور، لهم الحضور والضحك على ذقوننا، ولنا الغياب والعويل، لهم السياط ولنا الأنين، لهم الأعمال والأفعال والاحتفالات بالنصر المؤزر، ولنا عفن الهزيمة، لهم الوقت كله والكلام، ولنا الهذيان والفراغ، لهم الأفراح، ولنا الأحزان، لا شيء في حالتنا عجيب، ولا شيء في حالتنا غريب، من الصمت الطويل جئنا وإلى الصمت الطويل نذهب، جثث جثث جثث، كالليل من جثث، كالنهار من جثث، كالأخبار من جثث، والحاكم العربي ديناصور لا يموت، تحفة من التاريخ القديم تسللت إلى وقتنا لتحكم حاضرنا ومقبرة المستقبل، حتى لم يعد بوسع هذا القلب المتعب أن يحتمل المزيد، ومع كل ذلك لا نأسف وإن كنا أكثر حزناً.
أكبر الخسارات أن ترى قلبك وهو ينطفئ والوطن بعيد، نرثيك بل نرثي زمناً يتيماً لأبناء مقهورين، يلف الزمان والمكان ظلام وحشي ونعود بمصابيح شاحبة وحزن طيب!
 

* نقلا عن : لا ميديا

تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى مقالات ضدّ العدوان
مقالات ضدّ العدوان
د.عبدالعزيز بن حبتور
تأملات واقعية في تاريخ وحاضر الشعب اليمني العظيم بمناسبة يوم الوحدة اليمنية الخالدة المباركة
د.عبدالعزيز بن حبتور
عدنان الجنيد
الشعار صرخة الأحرار
عدنان الجنيد
صلاح الشامي
الصرخة.. الكلمة التي غيرت الأحداث
صلاح الشامي
عبدالرحمن مراد
اليمن .. وحركة الاستعمار الجديدة
عبدالرحمن مراد
أحمد يحيى الديلمي
”الوحدة” خيار شعب
أحمد يحيى الديلمي
عبدالفتاح حيدرة
قدرةُ خطاب الرئيس اليمني على ملامسة أسرار وحدة الأُمَّة
عبدالفتاح حيدرة
المزيد