قبيل الغروب من ليلة رأس السنة الهجرية، وعلى مدى سنة كاملة، كانت الجوانب المضيئة في تاريخ المقاومة الموحدة تراكم الأمجاد الإضافية وتستلهم إضاءات ساطعة من أبطال المقاومة والصمود وأطفال الحجارة والمولوتوف، أبطال انطفأت أرواحهم لتعيش أهدافنا وينبوع القوة والكرامة والمقاومة والصمود، إرادات ملتهبة متحفزة للانطلاق نحو ما طال انتظاره للعودة إلى الوطن الموفور الكرامة والعزة إلى الوطن الكبير.
إننا الآن وجهاً لوجه أمام كل تلك التساؤلات، وفي عام الاستحقاقات، علينا أن ندفع على الأقل الاستحقاق التاريخي لأهالينا في فلسطين، لتلك المجموعة من الأطفال والفتية الذين قاوموا العدوان قبيل الغروب من رأس السنة الهجرية، من خاضوا معارك العزة والكرامة بالحجارة والمولوتوف والسكاكين مع جنود الاحتلال، وها هم متجمهرون بالقرب من البيت الذي تعرض للهدم والتدمير عند أطراف مخيم جنين، بيت الشهيد الذى نفذ عملية جريئة في قلب معسكر العدو، وها هم يعايشون المشهد بخليط من مشاعر الألم والحسرة، وأيضاً الاعتزاز برفيقهم الشهيد الذى نفذ العملية ضد العدو المتوحش. هؤلاء الأطفال يحتفلون بالمناسبة على طريقتهم النضالية بالحجارة والمولوتــــــوف والمفرقعـــــات القاتلة والعمليات الاستشهادية وبالمقاومة والصمود.
ومع غروب شمس السنة الهجرية أخذ الجمع يأخذ شكلاً آخر؛ ازداد عدد الشباب، وجاء البعض يحمل يافطات كُتب عليها «الموت لإسرائيل، الموت للمحتل المتوحش». وسرعان ما بدأت تتشكل مظاهر الاحتفال بعام من النضال والمقاومة والصمود والتوحيد وامتلاك قوة الردع من صواريخ ومسيّرات. تحرك الجمع باتجاه وسط المخيم وهو يتكاثر بين لحظة وأخرى، وتعلو هتافات تشق السكون المضطرب: «بالروح بالدم نفديك يا جنين»، و«بالروح بالدم نفديك يا فلسطين»، الحادية عشرة من ليل نهاية السنة الهجرية.
آخر ليلة من العام الهجري ينفجر السكون المضطرب بقذائف المدافع والرشاشات الثقيلة تستهدف أطراف المخيم مجدداً، مختلطاً بالتكبيرات التي انطلقت من الحناجر ثم من المآذن، من حناجر أطفال يحلمون بأن يكونوا الأبطال الذين سيجري الحديث عنهم في وقت لاحق من زمن المقاومة والصمود والاستشهاد، من الزمن الفلسطيني المفتوح على الصراع مع العدو المغتصب الذي يرفض الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني.
المقاومة تقاتل وتستمر في القتال ليس حباً في القتال، ولكن لأنه الخيار الوحيد الذي يوصلهم إلى الحقوق والأرض المغتصبة. كنا في الماضي وعلى مدار الساعة أحياناً تتسمر عيوننا على ما تزخر به الشاشات المرئية، لنرى القتل وهدر دماء الفلسطينيين العزل، قصفاً ودماء واعتقالات وسجوناً قهرية ومقابر جماعية... فُرجة ساخطة وليست كفاحية مستسلمة، وليست فاعلة ومقاومة، ونرى ونسمع ولا شيء بعد ذلك، ولا نملك من حسرتنا ووجعنا إلا أن نقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم»!
أما اليوم فإن المقاومة الموحدة حاضرة وجاهزة للرد بقوة، والاستعدادات جارية لمقاومة المحتل حتى التحرير، ويبدأ اليوم الأول من العام الجديد بتطوير الأسلحة الرادعة والنوعية التي سوف تجبر العدو المحتل على الابتعاد عن ميادين المواجهة. يهبط المساء الأخير لسنة 1444 هجرية رويداً رويداً، وقبل أن تكتمل حلقاته تسمع هدير انفجار قوي داخل معسكر العدو، ويبدأ اليوم الأول لسنة 1445هـ بمقاومة موحدة تستعد للنضال حتى دحر الاحتلال المتوحش.
* نقلا عن : لا ميديا