إلا أن تلك الخطوة قوبلت بتصدي قبائل الصبيحة التي تنحدر منها الفصائل الموالية للرياض في محافظة لحج. وفي ظل تراجع دور «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات في تلك المناطق، فشلت فصائل طارق صالح في احتواء الرفض القبلي، وهو ما دفعها إلى الانسحاب التدريجي من الأماكن التي تموضعت فيها الخميس الماضي في طور الباحة، وذلك بعدما منحتها قبائل الصبيحة 24 ساعة لإخلاء مواقعها. ووفقاً لمصادر قبلية مطّلعة في الصبيحة، تحدثت إلى «الأخبار»، فإن الفصائل التابعة لصالح انسحبت باتجاه سواحل ذوباب، ولم تعد إلى ثكناتها في مدينة المخا، فيما هدّدت القبيلة باجتياح المخا في حال عاودت تلك الجماعات التوغل في أراضيها.
هذه التطورات في المثلث الاستراتيجي المتاخم لمضيق باب المندب، تنذر باندلاع مواجهات عسكرية مباشرة بين الفصائل الموالية لكل من الإمارات والسعودية، ما قد يؤدي في حال تحقّق إلى تقليص النفوذ الإماراتي في المضيق، للمرة الأولى منذ سيطرة أبو ظبي على المخا وباب المندب عام 2016. وأربك هذا الاحتمال الفصائل الموالية للإمارات التي كانت قد دفعت بثقلها العسكري نحو حضرموت شرقي اليمن بهدف مواجهة السعودية هناك. ووفقاً لمراقبين عسكريين، فإن السعودية تعمل على نقل الصراع من حضرموت إلى المناطق المطلة على باب المندب، واستدراج الإمارات إلى حرب استنزاف ستتولى تنفيذها قبائل الصبيحة، التي سبق لها أن استدرجت فصائل «المجلس الانتقالي الجنوبي» من محافظة شبوة النفطية إلى محافظة أبين، لتوقعها في حرب استنزاف مفتوحة منذ عام.
السعودية تعمل على نقل الصراع مع الإمارات من حضرموت إلى المناطق المطلّة على باب المندب
وجاءت تلك المستجدات في أعقاب قيام قائد «اللواء الثالث عمالقة»، العميد حمدي شكري الصبيحي، والذي يُعدّ قائد الجناح السعودي في «العمالقة»، بتنفيذ عملية انتشار عسكري واسعة شملت مديريات المضاربة وراس العارة وطور الباحة، لاستكمال السيطرة عليها، تحت ذريعة ملاحقة مطلوبين أمنياً، وذلك بالتوازي مع تحركات مماثلة قامت بها فصائل حزب «الإصلاح» في محور طور الباحة. وذكرت وسائل إعلام تابعة للحزب أن حملة عسكرية قام بها اللواء، الثلاثاء الماضي، تعرضت لكمين مسلح، أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في أوساط عناصره، ولمّحت إلى وقوف ميليشيات موالية لـ«الانتقالي» وراء الهجوم.
وكانت السعودية قد باشرت مساعيها لتقليص النفوذ الإماراتي في جنوب اليمن، من خلال رعايتها تشكيل قوات «درع الوطن» التي تسلمت أواخر كانون الأول الفائت، قاعدة العند العسكرية في محافظة لحج من قوات موالية للإمارات بتوجيهات سعودية. وتم تعيين العميد بشير المضربي الصبيحي، قائداً لها في أواخر كانون الثاني الماضي، وهو من أبناء الصبيحة، بهدف استمالة قبيلة الصبيحة التي يصف أبناؤها أنفسهم بـ«حراس باب المندب». وفي أعقاب ذلك، تم الدفع بقوات «درع الوطن»، للسيطرة على جبل خرز التابع لمديرية المضاربة ورأس العارة في لحج منتصف آذار الماضي.
وحصلت «الأخبار» على معلومات بأن المخطط السعودي لفرض النفوذ العسكري في المناطق المطلّة على مضيق باب المندب، سيتم تنفيذه على مرحلتين، الأولى تبدأ بتحريك وحدات من قوات «درع الوطن» لنشرها في مديريتَي المضاربة ورأس العارة، والثانية يتم خلالها استكمال السيطرة على المناطق المحيطة بباب المندب، ونشر قوات موالية لها في جزيرة ميون ومديريتي ذوباب وجبال كهبوب الاستراتيجيتين التابعتين لمحافظة تعز. وفي هذا الإطار، كشفت مصادر قبلية، الشهر الماضي، عن قيام الرياض بتنفيذ حملة استقطاب في أوساط قبائل الصبيحة، كبرى قبائل محافظة لحج. كما اتهم موالون لـ«الانتقالي» السعودية بالوقوف وراء تصاعد الصراعات بين قوات المجلس وعدد من قبائل الصبيحة خلال الفترة الماضية في طور الباحة والمضاربة ورأس العارة ومناطق أخرى شمالي محافظة لحج، ما نتج منه تراجع نفوذ المجلس في تلك المناطق. وتزامن ذلك مع دعم السعودية لـ«ألوية المقاومة التهامية» المناوئة للفصائل التي يقودها طارق صالح، في المخا والخوخة.