تجربة حزب الله الاقتصادية والاجتماعية المتميزة والفريدة لم تكن يوماً دون حضور وفاعلية الجمهورية الإسلامية، وأصدقاء حزب الله من سوريا والعراق وغيرها، كما أن هذه التجربة لم تكن لتحقق النجاح والاستمرارية لولا وجود العمل المؤسسي المنظم، وهنا سنتحدث عن جمعية الإمداد التي باركها الإمام الخميني في حديثه الموجه لأعضاء الشورى المركزية في المؤسسة قائلاً لهم: «لقد كنتم أيها السادة من الثوريين الأوائل في النهضة الإسلامية، وقد عانيتم من السجون والظلم، أتمنى لكم المزيد من التوفيق لتحقيق هدفكم المقدس ألا وهو خدمة محرومي المجتمع».
على إثر النكبة الاقتصادية التي تسبب بها الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982م والحروب الأهلية والاعتداءات المتكررة التي طالت المرافق الحيوية ومختلف البنى التحتية وما رافقتها من نتائج مدمرة على المجتمع اللبناني عموما والطبقة الكادحة بالخصوص، كان لا بد من العمل لإيجاد برامج تعمل على علاج بعض أسباب الفقر ميدانيا ومباشرة مع الأسر التي وقعت في الفقر المدقع، ومعالجة وضع هذه العوائل موضعياً من جهة، وعلى أمد طويل ومتوسط وفوري من جهة أخرى، وفي نفس الوقت العمل على إيجاد مصادر تمويل من أبوابها المتنوعة للبقاء إلى جانب تلك العوائل بشكل سليم وعلمي وقابل للتطور.
ولهذا شكلت لجنة من عدد من المهتمين الاجتماعيين وعلماء الدين والمتخصصين وأعدت دراسة بالتعاون مع الجهات الفاعلة على الأرض في مختلف المحافظات اللبنانية، لمعرفة كيفية بناء مؤسسة تعمل بنطاق واسع ومستمر لعلاج الكثير من حالات الفقر المتفشية، وعلى إثرها تمت دراسة عدة نماذج من المؤسسات الخيرية الدولية والتواصل مع العديد منها، وجاءت الاستجابة من لجنة إمداد الإمام الخميني التي كانت قد تأسست خلال قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، وبأخذ التجربة ونقل النموذج مع التعديل بما يناسب الحالة اللبنانية، وافقت لجنة الإمداد في إيران على تقديم الخبرة والدعم الإداري واللوجيستي، فتم تشكيل جمعية الإمداد الخيرية الإسلامية في لبنان وأخذ الترخيص الحكومي من السلطات اللبنانية، وبهذا نظمت البرامج الحيوية لتقديم المعونات، بمعية ودعم أهل الخير والعطاء، ونشرت آلية لجمع التبرعات عبر صناديقها الموزعة في آلاف النقاط على الأراضي اللبنانية، وتقدم كامل مردود تلك الصناديق عبر المساعدات المنظمة إلى الأيتام والفقراء الأكثر حاجة، وكل ذلك بثقة عامة من الجمهور وبإشراف الوكيل الشرعي العام، ومجلس الإدارة والاستفادة من خبرة لجنة الإمداد وتطويرها وفقا للمقتضيات اللبنانية، وجمعية الإمداد في لبنان اليوم تسهم في سد جزء هام من المعاناة التي يعاينها الفقراء والأيتام في المجتمع وتعمل على بناء المؤسسات الرعائية والمهنية والتربوية عبر مساهمة الخيرين بعنوان الصدقات الجارية والتبرعات المباشرة وغير المباشرة.
محطات عديدة مرّت بها الجمعية على صعيد إغاثة الناس، كما أن الاعتداءات «الإسرائيلية» التي شُنت على لبنان في العامين 1993 و1996، ولاحقاً في العام 2006، وسعت حجم ونطاق عمل الجمعية، ليصبح دورها تنمية المجتمع وتكفل اليتيم والمسكين وهي في نفس الوقت صلة الوصل الأمينة بين المتبرع أو المانح والفقير والمسكين الفعلي واليتيم المحتاج، وتبدأ برامجها من الرعاية الاجتماعية وتأمين المنح الدراسية والتربوية وتقديم الدعم الدراسي والتعاون مع الأطباء والمراكز الصحية والمستشفيات لتقدم الخدمات الطبية اللائقة للعوائل والأيتام، وصولاً إلى تقديم الإرشاد لمن ترعاهم بأساليب إنسانية خلاقة.
كما تشمل برامجها تقديم المخصصات المالية الشهرية والحصص الغذائية وخدمات ترميم وتأهيل مساكن الأسر التي تعيلها خصوصاً في القرى والمناطق النائية، والعمل على تخفيف أسباب الهجرة من القرى إلى ضواحي المدن وأحزمة البؤس، كما تنظم الجمعية المخيمات الكشفية الإرشادية لأبناء العوائل والأيتام، وتسعى لمشاركة عموم الناس وأطياف المجتمع في خدماتها، عبر إقامة أسابيع الخير والمهرجانات المستمرة لتكفل الأيتام وجمع وتوزيع كسوة العيد وزكاة الفطرة والصدقات وغيرها.
وحفاظاً على عزة وكرامة العوائل المستهدفة تقوم الجمعية بتأمين مخصصات شهرية وحصص تموينية ومواد للتدفئة شتاءً إضافة إلى الأدوات المنزلية المختلفة، كما أنه لكل أسرة ترعاها الجمعية ملفها الصحي الخاص، حيث تقدم الجمعية الرعاية الصحية للعوائل من خلال المساهمة بتغطية التكاليف الطبية الضرورية، وذلك في إطار التعاون المشترك مع مئات الأطباء والصيدليات والمراكز الصحية والمستشفيات اللبنانية، وللملف التربوي أولوية وعليه تقوم الجمعية بالمساعدات التربوية لكافة الأيتام وأولاد العوائل في مختلف المدارس والمعاهد والجامعات، كما تساعد في تأمين احتياجاتهم التعليمية وتأمين أهم لوازمهم الدراسية، وتضع الجمعية نصب أعينها، عدم ترك أي طالب ترعاه دون مدرسة وتسعى للوصول به إلى التخصص الجامعي هذا الاستثمار الاستراتيجي، لإزالة بعض من أسباب الفقر للأيتام وأبناء العوائل، لهذا عمدت إلى توقيع اتفاقيات للحصول على منح تعليمية مع عشرات المدارس والعديد من الجامعات الأساسية، وبذلك ترافق الإمداد طلابها حتى ما بعد تخرجهم وعملهم من خلال نظام التطوع المفتوح في مختلف أنشطتها وفعالياتها.
ولأن الخطط الاستراتيجية لحزب الله في مؤسساته وجمعياته تهدف لتمكين الأسر نحو الاكتفاء الذاتي تعمل جمعية الإمداد على تدريب الأمهات وأبناء العوائل البالغين ومن لهم القدرة على العمل ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، وتسعى لتأمين فرص عمل لهم بالتعاون مع المجتمع المدني أو تأمين قروض ميسرة لهذه العوائل وذلك ضمن برنامج الاكتفاء الذاتي.
ومن أهم السياسات التي حافظت على استمرارية جمعية الإمداد أنها تخضع للإشراف المتواصل من الوكيل الشرعي العام وهيئة الأمناء ومجلس الإدارة وممثلي المرجعيات المختصة، على جميع الإدارات والممتلكات والأموال الخاصة بالجمعية، كما أن تنفيذ الإجراءات يكون بناء على إجراء الدراسات وتقديم الاقتراحات والخطط اللازمة، والموافقة الكلية للجهات المشرفة، وإنجاز المشاريع بناء على الأنظمة القانونية للدولة، ويجري تنفيذ المشاريع بناء على مراعاة واحترام البيئة المحيطة المتعددة العقائد والمذاهب والطوائف.
مشاريع وافرة أطلقتها الإمداد، التي استطاعت أن تبني 5 مدارس في أكثر من منطقة، ومراكز لذوي الاحتياجات الخاصة منتشرة في بيروت والهرمل وبعلبك والنبطية وبنت جبيل، ودارين للأيتام في بلدتي راشكيدا قضاء البترون والمعيصرة قضاء جبيل، وداريْن للمسنين في صور والخيام.
ولمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية، أطلق حزب الله عبر جمعية الإمداد مشروع بطاقة السجاد التموينية، هذا المشروع عبارة عن تعاونيات وسوبر ماركت تقدم المواد الغذائية والاستهلاكية المدعومة لحاملي البطاقة بأسعار رمزية سنتحدث عن هذا المشروع مع تفاصيل عن بطاقة السجاد ووحدة الأمان الاجتماعي في العدد القادم.
* نقلا عن : لا ميديا