دلّت الكثير من الشواهد المستوحاة من حقائق التاريخ، أو تلك الماثلة للعيان في حركة الزمن الحالي وحاضر البشرية، بكل ما يزخر به من وقائع وأحداث، وما يتمخض عن ذلك كله من حركات نهضوية وثورات تحررية: أن حملة الأفكار الحية المنطبعة بطابع الفطرة السليمة، والمضبوطة بضابط الشريعة، التي هي وحيٌ من الله، والقائمة على أسس مرتبطة بالحركة العملية للرسل والأنبياء عليهم السلام، عادةً ما يصطدمون بوجود نوعين من الناس الذين يعملون على استهداف حركتهم، والحد من آثارها الفكرية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية في نفوس مريديهم والمتطلعين للخلاص من كل ما هو شر وطغيان وبغي وظلم على أياديهم، أما النوع الأول فهو: المشتمل على وجود صنف من الناس محسوبين على تلك الحركات، ومعدودين ضمن لبناتها، وداخلين في كل جزءٍ من أجزائها، ولكنهم افتقروا إلى البعد المعنوي الذي به تصاغ دواخلهم وفق المنهاج التربوي والإيماني المتبنى من قبل الحركات التي يمثلونها، لذلك ظلت خطواتهم العملية، وإطلاقاتهم الفكرية، وطرق تعاملهم مع المحيط محسوبة على التوجه العام، وحجة من الحجج التي يستدل بها كل المغرضين على إثبات بطلان كل الدعوات التي أطلقتها تلك الحركات، والتأكيد على خلوها من كل الغايات السامية والأهداف النبيلة، وقد يتمكن مثل هذا الصنف من الناس من الوصول لأعلى المراتب، بحيث يصبح له مع مرور الوقت آراء في كل ما يجري في الواقع، ومؤيدون لتلك الآراء المنحرفة عن الخط المرسوم للحركة التحررية، والخالية تماماً من أي مظهر من المظاهر التي تعكس ولو بالحد الأدنى شيئاً من الملامح المعبرة عن الفكر والروحية المتبنيين من قبل تلك الحركات، فيحل الجمود في كل المواقع التي طالها نفوذ أولئك، ويسود الجهل في كل المحيط الداخل ضمن إشرافهم، والمعدود ضمن مسؤولياتهم التوجيهية والإدارية، ويرجع عدم انضباطهم بضوابط النهج لأسباب منها: غفلتهم عن الحاضر، نتيجة تناسيهم للماضي، ولذلك كان حالهم كقارون والسامري، من الجهل بنعم الله والتمرد على أحكامه، والانشداد إلى الملذات، تلبيةً لنداء الغريزة، والانحصار حول الذات، كنتيجة للبعد عن الله، وكذلك دخول تلك الحركات بمراحل طويلة في الصراع المسلح لحماية وجودها، الأمر الذي جعل الاهتمام بالجانب التربوي والتثقيفي مقتصر على جوانب معينة، وقليل الاهتمام بجوانب أخرى لها أهميتها في بناء الشخصية المتكاملة، ناهيك عن أن مراحل الصراع المسلح تتيح المجال لدخول شخصيات في بنية المنظومة العملية للدولة وتحتل مناصب مهمة وحساسة فيها، ولم يكن من مبرر لتعيينها سوى العصبية القبلية، التي تستغل غياب الرقابة أو ضعفها في بعض الأحيان، فتنمو وتتسع دوائرها إلى ما لا نهاية.
وهكذا يمهد هذا الصنف لسقوط تلك الحركات من الداخل، ويقدم خدمةً جليلة للصنف الثاني، وهو: المشتمل على مجموعات وجماعات وحركات تتبنى العداء الصريح لتلك الحركات، وتسعى لإزالتها ومحو آثارها الوجودية بكل ما تستطيع، وتعمل بمختلف ما لديها من قوة وجهد وأسلوب من أجل ذلك، ولكن لو أنها لم تكن مستندة إلى ما يقوم به الصنف الأول، لما تمكنت من تحقيق أهدافها مهما كانت قوتها، فذلك الصنف هو السلاح المعول عليه من قبل كل الأعداء، ولا يمكن لأي سلاح آخر أن يحل محله.
* نقلا عن : لا ميديا
طباعة الصفحة
مقالات ضدّ العدوان
فيسبوك 
تويتر 
يوتيوب 