غزةُ أسقطت كُـلَّ القيم الغربية بالضربة القاضية وكشفت بأنها قيمٌ زائفةٌ مِن صنع الصهيونية العالمية وهدفت إلى حماية الأقلية اليهودية بدرجة أَسَاسية.
لقد ظل الكلُّ يتغنى بعلمانية الدولة في الغرب حتى جاء عدوانُ غزة أقام ماكرون في قصر الإليزيه قُدَّاس الحانوكا اليهودي داخل القصر؛ تعبيراً عن الدعم، واعتبر كثير من النقاد أن هذا يتناقضُ مع علمانية الدولة الفرنسية، ونفس الأمر حدث في ألمانيا.
هذا يؤكّـد أنها قيمٌ زائفة هدفت إلى تقديمِ حماية ناعمة لأقلية سعت بعد السيطرة على القوة في هذا العالم القوة المالية وقوة السلطة المتمثل باللوبي الصهيوني الذي بات يتحكم بالعالم، هذا اللوبي استحوذ على مقدرات العالم ووضع له قاعدةً عسكرية متقدمة في وسط العالم القديم فوق أرض فلسطين ومنحها مشروعيةَ دولة “إسرائيل”.
وعندما أضحى هذا الكيانُ المصطنع قاب قوسَين أَو أدنى من الزوال، تداعى اللوبي الصهيوني في العالم كله إلى نجدته بكل أشكال الدعم ومنحه حَقَّ استخدام كُـلّ الوسائل اللاأخلاقية القذرة؛ حتى لو ذهب إلى إبادة سكان غزةَ، متنكراً لكل القيم الذي رسَّخها في وعي الناس في العالم وظل يتباهى بها زيفاً بوصفها أرقى ما وصلت له الإنسانية.
وتحطيمُ أي فكر جامع استراتيجية صهيونية بامتيَاز دينيًّا كان أَو بشريًّا، وذلك من خلال محاربته وزرع بذورِ الانقسام والصراع في المجتمعات وتغذية النزاعات للحيلولة دون عثور الناس على فكرةٍ جامعةٍ توحِّدُهم وترعى مصالحَهم.
ولذا فكُلُّ دين جامع ينبغي زرعَ بذور الشقاق فيه وتغذية خلافاته ونزاعاته، وكل فكر إنساني جامع ينبغي شيطنته ومحاربته والوقوف ضد توسعه بكل الوسائل الممكنة، سواءٌ أكانت وسائلَ مشروعة أَو غير مشروعة.
ما يسمى بالعالم الإسلامي “السُّني” (وأستميح القارئ عذراً على هذا التصنيف) على الأقل الرسمي “السلطات الحاكمة” عالَمٌ مريضٌ عرَّاه انتصارُ حزب الله في حرب تموز 2006م وزيادة شعبيته حينها؛ فذهب بالتنسيق مع رعاته (أمريكا والكيان الصهيوني والغرب) إلى نسجِ المؤامرات والدسائس؛ مِن أجل تقليص شعبيته والحد منها عبر وسائل عديدة، وانتهى بهؤلاء للهرولة إلى أحضان التطبيع والتنازل الفاضح عن القضية الفلسطينية.
وفي المقابل العالَمُ الإسلامي “الشيعي” ذهب إلى توسيعِ فصائل المقاومة ودعمها بغض النظر عن توجُّـهاتها المذهبية والأيديولوجية حتى بلغت أعلى جهوزيتها، ولم يضع في حساباته إلَّا نصرةَ قضية فلسطين وأن يسترد الفلسطينيون حقوقهم المسلوبة، وأن يستعيدَ المسلمون والمسيحيون بيتَ المقدس والأقصى الشريف.
والعالم الثاني أسَّس حركة مقاومة عابرة للمذاهب والأيديولوجيات يكسبُ تأييدًا متعاظمًا، في حين العالم الأول يعيشُ أزمةً وتاهت بُوصلته؛ بسَببِ تبعيته الاقتصادية وارتهان قراره السياسي.
وعلى الرغم من فداحة التضحيات و مآسي العدْوان إلَّا أن لـ “طُـوفان الأقصى” إيجابيات، حَيثُ أحدث فرزًا واضحًا في المواقف، وأخرج العالم الإسلامي والعربي من الحالة الرمادية التي كانت سبباً في مراوحة القضية الفلسطينية، وأخرجها من عالم النسيان والزوال وأعادها إلى صدارة المشهد.
والدينُ الإسلامي أكثرُ دين تعرض إلى حرب قذرة سعت دوائرُ قرار في أنظمة البترودولار إلى تحويله من دينِ هداية ومقاومة للظلم الاستكبار ونُصرة المظلومين إلى دينٍ شكلي يبُثُّ أسباب الفُرقة والنزاع وتفريق الأُمَّــة، ولقد لعبت الوهَّـابيةُ دوراً رئيسياً في تنفيذ هذه المهمة، إنها الحصانُ الذي أوكل له هدمُ قلاع الإسلام من داخله؛ لأَنَّه أقوى الأديان تأثيراً وقدرةً على الانتشار والتوسع.
صحيحٌ أنهم لم يستطيعوا الحدَّ من انتشاره وتوسعه، ولكنهم جعلوه يتوسَّعُ وينتشرُ كغثاء السيل، ينتشرُ حاملاً معه بذورَ الشقاق والنزاع، وها نحن نرى أُمَّـةً يناهزُ تعدادُها ربعَ سكان الكوكب، لكنها أُمَّـةٌ مشلولةٌ دولُها وحكامُها تابعون مرتهنون ومتواطئون في ضرب دين الأُمَّــة في مقتل.
*نقلا عن : صحيفة المسيرة