خطاب قائد الثورة دائما يبرز البعد الإنساني لشخصيته، وهو فيما يتكلم يحرص على توعية الجميع بمن فيهم الأعداء! صحيح أن معظم خطابه كان موجها لنا بالدرجة الأولى، لكن إذا تمعنا أكثر نجد أنه يخاطبنا ويخاطب المنافقين والعملاء والأعداء بذات الحرص، وربما هذا يرجع لإيمانه الكبير بأن هؤلاء عاجلا أم آجلا سيكونون أخوة لنا يوما ما، ويقاتلون معنا حتى تنتصر القضية الأهم، قضية الأمة التي أراد الله لها أن تكون عليه، أمة الشهداء على الناس، قضية الحق والخير والعدل والقيم.
بالرجوع إلى تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف نجد هذا المبدأ أصيلاً فيه، دعوة الناس جميعا للكفر بالطاغوت الذي ينشر الفساد والظلم والعيش المهين لغالبية الناس، وهناك شواهد واضحة في حياة الأمم اليوم تؤكد أن المستكبرين قد وصلوا بشرهم إلى أعماق ونفسيات الناس، ونجد أن الكثيرين منهم أصبحوا يتبعون هؤلاء المتجبرين رغم ما يلحقهم من ضنك العيش أو كما قال الله عنهم على لسان نبيه نوح: { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا }، وقد حق القول على أكثرهم فلا يصحون من غفلتهم إلا بعد فوات الأوان، في حين أنه لو كان الخطاب موجها لنا فقط فبالتأكيد لن يحتاج كل هذا الكلام والتوعية وبهذا الشكل المتكرر، مع أن الذكرى تنفع المؤمنين.
طبيعة قائد الثورة – حفظه الله – هي التوعية المستمرة للناس المؤمنين وغير المؤمنين، ولعل ما يجعل تأثيرها أكبر هو أنها تأتي بعد انتصارات منّ الله بها علينا، وهي ما جعل بعض المخطئين يراجعون حساباتهم، وربما يستطيعون سماع كلمات السيد القائد بشيء من التجرد غير مدفوعين بالأحقاد التي زرعها الطغاة في صدورهم ووعيهم، فعند تحقق الانتصارات يراجع الناس المتخبطون والمخدوعون مواقفهم، وهذه إحدى فوائدها التي حاول قائد الثورة التأكيد عليها في كلمته بمناسبة هامة وجليلة لشعبنا اليمني، باعتبار جمعة رجب يوماً للهوية الإيمانية لكل اليمنيين.
بالتأكيد لكل مقام مقال، لذا فإن خطابات السيد عبدالملك الحوثي تختلف في كل مناسبة لتؤكد على نقاط هامة للمرحلة التي نحن بصددها، وإن كان معظم كلامه قد ركز على أهمية الهوية ومفاعيلها ولماذا تحارب وماهي نتائج خسارتها، ومع هذا كله الاشارة لأمثلة واقعية لكي تترسخ هذه المفاهيم في عقولنا، وخلال الكلمة إذا تمعنا في محتواها نتأكد أنها كلمة تحمل الكثير من الصدق والحرص وتحاكي المنطق السليم، فقط بانتظار الأذن الواعية التي تتلقاها لتستفيد من كلام افتقده الناس لعقود من الزمن، وربما هناك مجتمعات كثيرة تفتقد لمثل هكذا قيادة حكيمة تستطيع أن ترسو بها إلى بر الأمان.
نحن الأمة المختارة من الله لتَحَملُّ مسؤولية كبيرة نحو أنفسنا ونحو باقي الشعوب المستضعفة، فلا نسمح لأنفسنا أن نبخس هذا الدور أو نشك في قدراتنا كما أراد الأعداء أن يرسخوا الهزيمة في صدورنا.. يجب أن نتحلى بالإيمان والوعي اللازمين لقيامنا بهذا الدور، ومن نعمة الله أن المنهج والمعلم متوفران لنا، فماذا ينقصنا؟ وبصدق أقول إن السعودية وتحالف العدوان لا يمثلون عائقا أمام تحقيق أهدافنا! بل هم مرحلة كان يجب أن نمر عبرها لسببين هامين هما:
أولا: التخلص من الفساد وكل العناصر الفاسدة في مجتمعنا، وهو ما تم تحقيق الجزء الأكبر منه حتى الآن، سواء كان هذا بفرارهم أو بمن لقي حتفه منهم وهو على ما هو عليه، او بمن راجع موقفه وغيَّر توجهه بناء على ما رأى من وقائع أظهرت الخطأ الذي كان فيه، ومعظمنا من النوع الأخير ونحمد الله على هدايتنا.
ثانيا: أن هذه المرحلة هي التي جعلت الطاقات الكامنة تبرز للواقع، فوجدنا أنفسنا نكتشف وننتج ونطور بدافع الحاجة والظروف، وهي ظروف إيجابية أدت بالكثير من الشعوب إلى أن تتغير وتتطور بشكل مختلف عمَّا كانت عليه، وخلال فترات وجيزة، وقد أدركت هذه الشعوب في الأخير أن هذه الظروف كانت حدثا مهما للتغيير، رغم أنها لم تدرك ذلك وهي في خضم الأحداث.
لذا فلا قلق علينا يا شعب اليمن، فلنعد ونسمع الخطاب بتمعن، ولنستعد لمرحلة قادمة ونحن مليئون بالإيمان والثقة والوعي، ومن خلاله سنتمكن من معرفة متطلبات المرحلة القادمة.. نحن شعب الإيمان والحكمة، وبالله نحن منتصرون، وسنثبت لأنفسنا ولأعدائنا ولكل الشعوب المستضعفة التي تتطلع إلينا أننا شعب عظيم جدير بلقب يمن الإيمان الذي كرمنا به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.