"الإرهاب" ومكافحته ارتبط بصورة وثيقة بالفكر الليبرالي، وخاض غماره المؤمنون بهذا الفكر. والغاية من ورائه إجهاض كل غضب شعبوي والحيلولة دون بلوغه مرحلة الثورة. وهذا لا يعني البتة إنكار وجود "إرهاب" وجماعات "إرهابية" وبالتالي أفعال "إرهابية"، بيد أن السؤال الذي يمكن أن يوضح المسألة: لماذا تلجأ فئة أو جماعة إلى استخدام "الإرهاب" في تحقيق أهدافها؟ وما هي أسباب ظهور هذه الجماعات؟ ومن وراء نشأتها؟
بيئة "الإرهاب" ذات شقين: الأول: فكر (ولن نقول دين أو مذهب) متطرف سائد، والثاني: أوضاع اقتصادية غير سوية تنعدم فيها العدالة والإنصاف، وتستأثر فيها قلة بمقدرات بلد بالمشاركة مع الناهب الدولي. ولأن أوضاعاً كهذه يمكن أن تفضي لا محالة إلى وضع ثوري في نهاية المطاف، فإن الناهب الدولي والمحلي وجدوا في "الإرهاب" ضالة ومصيدة دون بلوغ الناس مرحلة الثورة، وعليه فإن الفكر الذي يجري تكريسه في المجتمع يغدو مصيدة الفئران الغاضبة، وبذلك يمنح الناهب نفسه ذريعة أخلاقية لقتل هؤلاء الغاضبين كالجرذان دون أن يرف له رمش، ولأن هؤلاء الغاضبين سلكوا طريق قلة الحيلة، ولجؤوا إلى وسائل وأساليب ترفضها الفطرة الإنسانية السوية.
وعليه فإن مكافحة "الإرهاب" أكبر كذبة جرى تسويقها من نظام الهيمنة العالمي، لأن هذا النظام نفسه هو المسؤول عن صناعته، ويعد "الإرهاب" أحد متارس حمايته وبقائه. وأحداث العقد الأخير في غير بلد تكشف حقيقة زيف وكذب هذا النظام، الذي استخدم شخصيات وجماعات في حربه كانت تصنف في جدول أعماله جماعات "إرهابية"، وبات يغض الطرف عنها، طالما هي مع مصالحه ورهن إشارته.
وفي هذه المرحلة يدخل نظام الهيمنة العالمي مع أطرافه في تناقض. فلجين الهذلول، الناشطة المعارضة لنظام بني سعود، ينظر إليها مركز الهيمنة العالمي بوصفها ناشطة ليبرالية، بينما نظام مملكة المنشار الطرفي ينظر إليها أو يحاول أن يصنفها "إرهابية". حيث تغيرت نظرة نظام الهيمنة العالمي وأسلوب تعامله مع "الإرهاب" فلم يعد مصيدة وحسب، بل صار وسيلة تنمر يبتز من خلاله أعداءه من أجل تحقيق مصالحه، أو يراكمها أوراق مساومات عند الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وبالمختصر: من يعارض مصالح نظام الهيمنة العالمي ويهدده فهو "إرهابي" بالضرورة، وكل إنسان أو تيار أو تنظيم أو نظام هو "إرهابي" بالإمكان، حتى يثبت براءته، من خلال الالتحاق به والتسبيح بحمده.
* نقلا عن : لا ميديا