قرابة العام منذ انتهاء الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في اليمن، ولا جديد يذكر. تصريحات سياسية كثيرة سمعناها، في مجملها: قال المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ إن فترة اللا حرب واللا سلم لن تطول... ولكنها طالت وطوّلت، والمستفيد الأكبر دول العدوان على اليمن، التي تعمل على تثبيت احتلالها للجزر والموانئ والمرافق الحيوية في المناطق الواقعة تحت نيران احتلالها.
أما مناطق جغرافيا السيادة الوطنية فهي تكتوي بنيران اللا حرب واللا سلم أكثر من لظى الحرب نفسها؛ لأن الحصار مازال مفروضاً براً وبحراً وجواً، والفتح الجزئي لمطار صنعاء وميناء الحديدة لم ينهِ المعاناة، وآثار العدوان الكارثية لاتزال قائمة وتلامس الحياة اليومية للمواطن، الذي تتفاقم أوجاعه كل يوم، وحالة التململ الشعبي في ازدياد كل لحظة... على الأقل في حالة الحرب كانت تواجه مطالب المواطن بحقوقه الواجبة على الدولة أننا في مرحلة حرب، فين الكهرباء؟! وفين الماء؟! وفين الطريق؟! وفين الخدمات الصحية؟! وفين الراتب؟!... نقول له: العدوان يسرق إيرادات الدولة واحنا في حرب معه. أما الآن أيش الجواب الذي ممكن يقنع موظفاً جائعاً بدون مرتبات من سنوات ومطلوب منه يشتغل ويداوم ويوقع على مدونة السلوك؟! واحنا في مرحلة لا حرب ولا سلم، «لا مطلقة ولا منفقة».
راحت وفود وجاءت وفود، واستقبلت صنعاء «علوج» النظام السعودي ومبعوثيه بحفاوة، في السر والعلن. والنتيجة: لا رواتب صُرفت، ولا حصار انتهى، ومازالت السعودية تتحكم بحق المواطن في التنقل والسفر، ويموت المرضى دون الحصول على تذكرة سفر، بعد أن استحوذ مسؤولو حكومة الإنقاذ على مقاعد الطيران للعلاج والنقاهة والحج.
منذ الهدنة الأولى توقفت عمليات كسر الحصار، التي كانت قد أذاقت السعودية الويل، بضرب منشآت أرامكو في جدة ومنشآت حيوية في الرياض وأبها وخميس مشيط وجيزان وصامطة وظهران الجنوب ومصفاة رأس التنورة وينبُع ومصفاة رابغ النفطية، بأعدادٍ كبيرةٍ من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية والمجنحة، وكان قد وصل الحال بالسعودية إلى إعلان أنها «تخلي مسؤوليتها من أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية»، وكانت تبذل كل جهودها لزيادة إنتاجها من النفط لسد عجزها المتراكم، حيث وصل حجم الدين الداخلي إلى حوالى 535.3 مليار ريال، أي 58% من حجم الدين العام، بينما بلغ الدين الخارجي 387.5 مليار ريال، أي ما يعادل 42% منه، ووجدت في الهدنة المزعومة حلاً لكل مشاكلها الاقتصادية.
بعد انتهاء الهدنة وعدم الانصياع السعودي للمطالب الإنسانية التي كانت شرطاً لتمديد الهدنة، جاءت التوقعات بتوسيع رقعة الاستهداف لتشمل منشآت نفطية وحيوية جديدة وحساسة، خاصة فيما يتعلق بالكهرباء والغاز ومحطات تحلية المياه وغيرها، وتطال أهدافاً لم تصلها من قبل، مع معاودة قصف كافة منشآت أرامكو النفطية، ومن خلال التصريحات النارية لـ»السياسي الأعلى» كان العالم ينتظر توجه صنعاء لاستعمال ورقة الضغط الدولية والاستفادة من باب المندب، وهي قادرة فعلاً على إغلاقه لو أرادت وبطرق متعددة؛ سواء بالألغام البحرية أو بالزوارق الانتحارية أو بالصواريخ المناسبة، لإجبار الولايات المتحدة على القبول بتسوية سياسية، وكذلك إعادة اليمن إلى مكانتها الدولية والاهتمامات العالمية؛ لكن المراوغة والمماطلة السعودية نجحت مرة أخرى في تعطيل عمليات كسر الحصار ونسفت كل تلك التوقعات.
إلى جانب الاستفادة الكاملة لدول العدوان من حالة اللا حرب واللا سلم، هناك استفادة جزئية لمن «قبضوا ثمن» هذه الحالة المزرية وتجدهم في تصريحاتهم اللاوطنية يُسبِّحون بحمد الهدنة ويتغنّون بالسلام الزائف، الذي لم نرَ له أي مؤشرات أو مقدمات فعلية، وكل ما نراه هو توسع سعودي إماراتي في محافظات الجنوب اليمني، وحضور أمريكي «إسرائيلي» في جزر اليمن ومحافظاته الشرقية، وهناك تنافس محموم بين قوى العدوان على تثبيت واقع احتلالها، وتقاسم خيرات البلاد، وكأنها قد تلقت وعوداً بعدم إخراجها من الأراضي اليمنية.
نشاط دول العدوان بالاستفادة من الحالة الراهنة لا يقتصر على المناطق المحتلة، بل صنعاء وتعز وإب وذمار وحجة والمحويت وريمة... وكل المحافظات في دائرة الاستهداف، والشواهد الأمنية والاقتصادية والثقافية واضحة وبارزة، ولن تجد مخابرات دول العدوان ولجانها الخاصة أفضل من هذا التوقيت لشراء الذمم وتجنيد العملاء وتحريك الطوابير المنتظرة لدورها، وإشعال الفتن الداخلية والدفع بزعامات جديدة إلى الواجهة، وبالمال يلتف الناس حولهم، لبروز شقوق وانشقاقات ربما عسكرية أو أمنية أو حتى قبلية لتفتيت الكتلة الوطنية الواحدة، التي واجهت وانتصرت منذ بداية العدوان، واسألوا أهل الحج والإنقاذ إن كنتم لا تعلمون!
* نقلا عن : لا ميديا