دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
حظيت الدعوة الأمريكية، لتشكيل تحالف دولي -وليس أمميا- ضد اليمن «المقاوم» تحت عنوان «حارس الازدهار» باهتمام عالمي، وتساؤلات حول طبيعة التحالف، وقدرته على تحقيق أهدافه، بفك الحصار البحري اليمني، عن الكيان الصهيوني.
بداية، لا بد من الإشارة، إلى بعض القضايا الإشكالية لهذا لتحالف، حيث الولايات المتحدة الأمريكية لديها «هوس» بتشكيل مثل هذه التحالفات تحت عنوان «الدولية»، لأنها تتم خارج إطار القانون الأممي، بسبب عجزها عن استصدار قرار من الأمم المتحدة، كما حصل في حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت) والعدوان على ليبيا، بسبب تغير المواقف والتوازنات الدولية، ولتنبه روسيا والصين لعدم وقوعهما مجدداً بالخدعة الأمريكية، كما حصل خلال استصدار قرار أممي لتغطية العدوان على ليبيا، وخروج هذا العدوان عن التفويض الذي منحه القرار الأممي.
كما أن الولايات المتحدة تحاول من خلال هذه التحالفات عدم تحمل المسؤولية عن نتائج أعمالها العدوانية المخالفة لقرارات الأمم المتحدة، ودفع أطراف إقليمية ودولية لتوريطها في تحمل مثل هذه المسؤولية.
وفي الحالة اليمنية، تحاول واشنطن توريط السعودية والإمارات، بتقدم هذا التحالف في الميدان لاحتلال ميناء الحديدة، وتحويل الحصار على اليمن بدل الكيان الصهيوني وبأيد عربية.
أما أهم إشكالية في تحالف «حارس الازدهار» فأنه دعاية أمريكية أكثر مما هو حلف أو حشد حقيقي جديد، قادر على وقف الهجمات اليمنية على السفن الصهيونية أو المتوجهة إلى الكيان، ولعدة أسباب أهمها:
- الحشد المعلن عنه، سيكون تحت قيادة وحدة العمل الأمريكية (153) العاملة تحت قيادة القوات البحرية المشتركة (CMF)، وهذا التحالف قائم في الأساس، ويضم 39 دولة، منها كل الدول العشر التي أعلن عن مشاركتها في عملية «حارس الازدهار»، وبالتالي المنطقة كلها تقع ضمن عمليات هذه الوحدة.
- التواجد العسكري الأمريكي «وحلفائه» هو موجود وبقوة، برياً وبحرياً، في كل المنطقة قبل التطورات الجديدة في فلسطين المحتلة والبحر الأحمر، مثل «قاعدة العيديد» في قطر أو الأسطول الأمريكي المتمركز في البحرين وفي الأردن وفي العراق وفي القواعد غير الشرعية في سورية وفي قاعدة إنجرليك في تركيا، إضافة إلى تواجدها في الكيان الصهيوني، وحتى في أماكن سيطرة المرتزقة في اليمن، وبالتالي الولايات المتحدة قادرة على التدخل، لو أرادت ذلك، بدون التحالف الجديد.
هذا يؤكد أن الهدف من هذا التحالف «الوهمي» هو توريط أطراف إقليمية أو دولية في عملياتها، لتهربها من تحمل المسؤولية عن نتائج أي عدوان على اليمن، ولإدراكها أن العملية غير مضمونة.
أما تمنع الأنظمة العربية التي كانت مدعوة للمشاركة في تحالف «حارس الازدهار» فهو عملية تضليل كبيرة أيضاً، ولأكثر من سبب أهمها:
- هذه الأنظمة هي مشاركة في الأساس، في وحدة العمل الأمريكية (153)، وبالتالي ستكون مشاركة في أي عدوان أمريكي على اليمن، حتى لو لم تعلن ذلك.
- التمنع العربي «الظاهري» عن المشاركة في التحالف الجديد سببه الفشل الأمريكي والصهيوني في تحقيق الأهداف التي أعلنوها في عدوانهم الهمجي والوحشي على الشعب الفلسطيني، والتحول الكبير والمؤثر في الرأي العام العربي والعالمي ضد هذا العدوان، والخشية الحقيقية لهذه الأنظمة من هذه التطورات وتداعياتها، في حال استمر العدوان على الشعب الفلسطيني أو في الفشل المؤكد في أي عدوان على اليمن.
وحتى تكون القراءة الميدانية والسياسية للوضع واقعية، نؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك قوة عسكرية ونارية كبيرة جداً تستطيع من خلالها شن عدوان على اليمن، على الطريقة الصهيونية، وحتى إحداث تدمير كبير، لكنها تدرك في نفس الوقت -كما يحصل في العدوان على غزة- أن حسابات الربح والخسارة لا تتعلق فقط بالأرقام المادية لأي عملية عسكرية، وإنما هناك حسابات سياسة واستراتيجية تتجاوز العسكرية بكثير أهمها:
- تدرك الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، أن اليمن يمتلك من الأسلحة، وخاصة الصواريخ البحرية والباليستية والطيران المسير، ما تستطيع أن تزعجهم به، وأن أي ضربة يمنية مؤثرة على البحرية الأمريكية ستوقع خسائر معنوية هائلة بالولايات المتحدة.
- كما تدرك واشنطن أن اليمن ليست وحدها في هذه المعركة، ويقف معها أجهزة استخبارات إقليمية ودولية تؤمن لها المساعدات اللوجستية والمعلومات والتوجيه.
- فتح جبهة (غير مضمونة النتائج) في أكثر مناطق العالم حساسية سيفاقم الوضع على الكيان الصهيوني، وهو العاجز حتى عن تحقيق أهدافه في غزة، لأن خطوط التماس والاشتباك لن تبقى كما هي عليه الآن، وستدخل أطراف أخرى في الصراع وستفتح الجبهات بشكل أوسع.
- فتح مثل هذه الجبهة، سيؤثر بشكل استراتيجي على الولايات المتحدة، في نقاط التماس والاشتباك الأخرى في العالم، وهي التي تشن حرباً معلنة وخاسرة مع روسيا في أوكرانيا، ومعركة مؤجلة وغير مضمونة مع الصين في تايوان.
- مهما كان نوع القوة التي يمكن تحشيدها في المنطقة، فهي لن تؤدي إلى فتح الطرقات البحرية باتجاه الكيان الصهيوني، وإنما ستوسع نطاق الحصار مع تمنع شركات النقل البحرية وشركات التأمين عن المغامرة بالعمل في نطاق الاشتباكات التي ستصبح أبعد بكثير من باب المندب والبحر الأحمر، وقد يغلقها حتى عن طريق رأس الرجاء الصالح، وهو الطريق الوحيد المتبقي أمام حركة الملاحة الدولية.
- توسيع نطاق القتال سيغلق الطرقات أمام سلاسل التوريد العالمية، وخاصة باتجاه أوروبا التي تعاني اقتصادياتها من مشاكل كبيرة، وخاصة بعد تداعيات الحرب الأوكرانية، ولن تكون قادرة على تحمل مثل هذه النتائج.
أما الموقف اليمني، فقد كان واضحاً وقاطعاً وواثقاً من قدرة اليمن «المقاوم» على إفشال أي عدوان عليه، وجاء هذا التأكيد على لسان أكثر من متحدث يمني، أبرزهم القيادي في حركة أنصار الله «عبدالله النعمي» الذي وجه تحذيرا قوياً إلى الإمارات والسعودية من التورط في التحالف، مؤكداُ أن «زجاج أبراجها سيتطاير، وربما يتحول إلى سكاكين في بطون أسماك وحيتان الخليج، وأن صاروخا واحدا على محطة كهرباء دبي سيحولها إلى كتلة من الظلام الدامس، وعشرة صواريخ مجنحة ستكون كفيلة بتحويل موانئ دبي إلى محطات للطيور المهاجرة، بدلا عن السفن».
وأضاف: «أما البوارج التي سترسل إلى قبالة ميناء الحديدة لتقوم بمنع السفن التجارية من الوصول إلى الميناء فأهلاً وسهلاً بها، فاليمن في أمس الحاجة لإجراء تجاربه للمئات من صواريخه التي خرجت إلى النور ولم يتمكن من إجراء أي تجربة عليها».
كما أكد عضو المجلس السياسي الأعلى في اليمن محمد علي الحوثي أن الشعب اليمني لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي إذا تعرض اليمن لعدوان أمريكي أو غير أمريكي، وسيضرب حركة الملاحة الدولية، وأن أي دولة ستفتح أجواءها لقصف اليمن سيتم الرد عليها.
أما الكلام الفصل، فقد قاله السيد عبدالملك الحوثي بأن اليمنيين يتوقون لخوض معركة مباشرة مع الأمريكيين.
بالتأكيد يدرك الأمريكيون ماذا يعني هذا الكلام، وما نحن متأكدون منه أن الولايات المتحدة الأمريكية ستفكر كثيراً قبل الإقدام على شن أي عدوان على اليمن.