هالة كنعان / لا ميديا -
بعد عقود من اجتياحنا بالثقافة الأمريكية التي يحتفي معظم العرب بتدميرها لموروثنا الثقافي والاجتماعي والأخلاقي، دخلنا مرحلة اجتياح ثقافة الأدوات الأمريكية بنجاح وبسهولة ودون عناء.
نبدو الآن عاجزين عن إنتاج مسلسل ضخم دون مال خليجي، بل يكاد أي فنّان حقيقي ملتزم أن يكون عاجزاً عن إنتاج أغنية خاصة ونشرها، حتى بين أقاربه فقط، دون المرور بخيمة «بو ناصر». وفي حال مرّ بالخيمة و»تهوّر» وتعاطف مع ضحايا الاحتلال في غزة، يتكفّل «مجتمع» عربي كامل، يقطن في جبهات صفحات التواصل، بتمزيقه إرباً دون أن يجد من يدافع عنه أو يتلقّفه.
ألقِ نظرة على مسلسلات رمضان كل عام! هناك شيء جديد كل سنة؛ لكنه مرتبط دوماً بأمرين أساسيّين:
- الترويج للتطبيع مع العدوّ، ووضع المقاومة في موقع الإجرام والاتهام، إمّا بشكل واضح وصريح، وإما بشكل غير مباشر (لكنه لا يقل وضوحاً) عن طريق طرح أسئلة وأفكار تقود إلى التشكيك بجدواها ونوايا أصحابها، وتحميلها وزر مصائبنا كلها.
- ضرب موروثنا وقيمنا الاجتماعية والثقافية والدينية وتشويهها وإيرادها في خانة التخلف، والترويج لأجندات الغرب الموجهة لهدف تفكيك المجتمع.
المصيبة أنّ من يشارك في معظم هذه الأعمال، أي الركيزة الأساسية لانتشارها، هم فنّانون غير خليجيين عموماً، أي أن المال الخليجي الموجّه، بات يجد سهولةً في استخدام الضحية ذاتها لتدمير نفسها. ليصبح الاحتلال الثقافي (وهو واحد من أخطر أنواع الاحتلالات) معتمِداً بشكل شبه كلي على أدوات داخلية مؤثرة، يعني الأمر يشبه كثيراً قيادة الأنظمة والقنوات الخليجية لـ»ثورات» التدمير الذاتي في أكثر من بلدٍ عربي خلال ربيع المستعمر الأخير.
السؤال الأهم حول هذه الاحتلالات الجديدة ليس حول المال وأهميته فيها، بل يكمن في «سهولة» بلوغ هذه الأهداف عن طريق المال أو غيره. والجواب ليس صعباً بدوره، فعندما لا يكون لديك مشاريع اقتصادية وثقافية واجتماعية تعمل عليها كطريقة مقاومة حقيقية، بل وضارية، عليك أن تتوقع أن تعود من جبهة القتال ضد المستعمر وأدواته، لتجد أن جبهتك الداخلية قد سقطت دون رصاصة واحدة.
كل رمضان ونحن، وبو ناصر وإخوانه، بخير وقتال!
كاتبة لبنانية