كل حرٍ في يمن الثورة والجهاد يتطلع إلى دولة المواطنة والحكم الصالح (الرشيد). وهي دولة القانون والعدل والمؤسسات.. دولة القيم والحقوق لا دولة الشخص والفرد.. وهي البناء السياسي العملي الأضمن والأكثر فاعلية لضمان وصول الفرد إلى حقوقه الجوهرية كاملة دون منّ من أحد.. وهي دولة العدل التي تعمل على الاستغلال الأمثل لكافة الموارد البشريّة والطبيعيّة والماديّة بما يخدم الشعب والدولة، ويسهم في ازدهار المجتمع وسعادته ورفاهيته.
إننا نريد دولة الحقوق، وهي الدولة التي تبني مؤسساتها على أسس تشاركية تعددية محورها حقوق المواطن كشريك أساسي في صناعة القرار والمصير.
ولن يتحقق لنا بلوغ ذلك إلا إذا بدأنا العمل على تغيير واقعنا المزري من حيث ما بدأ الإمام علي عليه السلام حينما بويع بالخلافة، إذ قام بما يأتي:
• عزل ولاة عثمان الذين عُرفوا بفسادهم في الأرض، ولم يكترث بما حاول البعض من أصحابه أن يقنعه به، من ضرورة استرضاء أولئك المفسدين، وإبقائهم على مناصبهم، بحجة المصلحة، وألا يعزلهم إلا بعد أن يستتب له الأمر، وتستقر الأوضاع، لكن حاشاه عليه السلام، أن يماري في الحق، ويداهن أهل الباطل، ولو بقي وحده، ثم حرص على اختيار ولاته من بين الفئات التي تم إقصاؤها وتهميشها في العهود السالفة على الرغم من صلاحها وفضلها وعظيم بلائها في نصرة دين الله.
• إزالة الفوارق الطبقية في المجتمع، وذلك بالعمل على استعادة الصبغة الإسلامية الصحيحة للمجتمع، التي من خلالها سيُقضى على الفوارق التي اصطنعها الحكام، كون المسلمين لدى الإمام سواء في الحقوق والواجبات، ولا فرق بين قرشي وغيره، ولا يمكن للإمام التساهل مع أي محاولة لإبقاء أي أثر لكل ما أقرته الجاهلية، وجاء الإسلام لتقويضه، ومحو وجوده وآثاره، ولذا نسمعه عليه السلام وهو يلخص سياسته العامة بقوله:
الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والعزيز عندي ذليل حتى آخذ الحق منه.
• محاسبة الفئة المتسلطة على رقاب المسلمين مدة من الزمن، وهي الفئة التي عاشت الترف، إذ اتخذت من موقعها في السلطة وسيلة لاستئثارها بالأموال، وانتهابها لأراضي ومقدرات عامة المسلمين، لذلك نجد إمام المتقين يقرر استعادة جميع الإقطاعات التي اقتطعها عثمان، وكل الأموال التي وهبها للطبقة الموالية إلى بيت مال المسلمين، يقول في ذلك:
ألا إن كل قطيعة اقتطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفُرق في البلدان، لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومَن ضاق عنه الحق، فالجور عليه أضيق.
* نقلا عن : لا ميديا