جاءت اللحظة التي أصبح فيها تنصيب رئيس الولايات المتحدة تحدياً بالنسبة للأمريكان بدلاً عن كونه حفلاً مشهوداً يفاخرون به أمام العالم.
جاء اليوم الذي ينظر الأمريكي فيها للأمريكي الآخر بعين الريبة ويتعامل معه على أنه متهمٌ مدانٌ حتى تثبت براءته.
جاء اليوم الذي يعيش فيها الأمريكيون مشاهد عشناها في عواصمنا العربية وذاك كله ليس أكثر من ارتدادٍ لثقافة الإرهاب الديمقراطي التي صدرها لنا الأمريكان وظنّوا أنهم سيكونون بمعزلٍ عن آثارها وتناسوا أن من يزرع الريح سيحصد العواصف ولو بعد حين.
لو أخبرت أمريكياً قبل عقدٍ واحدٍ من الزمن بأن من سيدخل البيت الأبيض سيدخله خائفاً يتلفت لأستنكر ذلك ولأعتبرك حاقداً على الديمقراطية الأمريكية التي وضعها ترامب تحت اقدامه قبل مغادرته للبيت البيضاوي.
لكن مشاهد الحرس الوطني وهو ينتشر أمس في العاصمة الأمريكية يجعلنا نظن أن الصورة في بغداد أو كابل أو طرابلس.
هكذا يحصد الأمريكان اليوم ما زرعوه في بلادنا من إرهاب وربيعٍ قارسٍ وخوفٍ وانعدامٍ للأمن وهذه ليست سوى بداية الطريق والقادم سيكون أكثر دراماتيكيةٍ مما نراه ونسمعه اليوم.
يوم التنصيب استبعد 12 عنصراً من الحرس في واشنطن وفقاً لقائد الحرس الوطني.
يوم التنصيب أيضاً تم القاء القبض في نيويورك على جندي أمريكي بتهمة التخطيط لتفجير النصب التذكاري الخاص بأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
الشك والريبة والخوف هما السمة الأبرز لما يجري اليوم في العاصمة الأمريكية الابتسامة التي علت وجه بايدن أمس في حفل التنصيب يتخفي وراءها عشرات النظرات الخائفة المرتابه.
لن يقترب احدٌ اليوم من الرئيس الجديد لأن الشك سيطال حتى أعضاء الكونجرس وحكام الولايات.
هكذا شاءت الأقدار للرئيس الأمريكي الجديد أن لا يدخلها إلّا خائفاً” ليكون ذاك مفتتح عهد الخوف واللا أمن الذي زرعه الأمريكان في العالم كله وآن لهم أن يحصدوه في بلادهم.
سيذهب الكثير من المتعقلين الى أننا نبالغ في وصفنا وتوصيفنا لسحابة صيفٍ عابرة فوق سماء العاصمة الأمريكية لكنها الحقيقة أنها أكثر من مجرد سحابة بل وأكثر من مجرد فصل شتاءٍ قارسٍ يضرب عمق الولايات بل وأكثر من مجرد تقلبٍ في المناخ السياسي والأمني الأمريكي إنه “موسم الحصاد” وسيكون العنوان الأبرز لإربع سنوات من المفترض أن يقضيها بايدن في البيت البيضاوي.
لا يخشى الرئيس الأمريكي الجديد من طلقةٍ تخترق رأسه كما حصل قبل أكثر من خمسة عقود مع الرئيس الأمريكي جون كيندي فحسب.. بل يخشى من تفجيرٍ قد يقتلع دعامات البيت الأبيض أو يطيح بقبة الكابيتول هيل.
هذا المشهد المفترض لم يكن ليخطر على بال أي رئيسٍ أمريكيٍ لكن ورقة التوت التي سقطت عن العورة الديمقراطية الأمريكية يوم اقتحام الكونجرس جعلت من هذه المشاهد أكثر من مجرد افتراضات.
وفقاً لأحدث إحاطات الـ”إف بي آي” التي قدمها لفريق بايدن الرئاسي فإن من زرع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة بمحيط الكونجرس يوم السادس من يناير لا يزال طليقاً إلى اليوم ولربما لديه القدرة على إنتاج المزيد منها.
ووفقاً لذات الإحاطة التي كشفت عنه شبكة “سي إن إن” الإخبارية فإن خبير صنع المتفجرات هذا لا يزال طليقاً ومجهول الهوية ولديه القدرة على إنتاج المزيد منها.
تأتي تلك الإحاطة متزامنة مع ما كشفت عنه وكالة الـ”اسوشيتد برس” من اعتقال جندي من جنود البحرية الأمريكية يخطط لتفجير النصب التذكاري لضحايا الحادي عشر من سبتمبر بالتزامن مع حفل التنصيب.
ما كشفت عنه شبكة “إيه بي سي نيوز” من أن جماعة التي تمجد العرق الأبيض خططت ودبرت لاقتحام الكونجرس يؤكد بأن أمريكا مقدمةٌ على أكثر من مجرد نزاعٍ على الجلوس على كرسي البيت الأبيض الذي لخصه السيناتور الديمقراطي روبرت مينن ديز بالقول أن علينا القيام بالكثير للتغلب على انقساماتنا وبناء أمة أكثير عدلاً وانصافاً.
إذن هو خللٌ بنيويٌّ في البيت الأمريكي قوامه الرئيسي غياب قيم العدالة والإنصاف والتشدق بقيم الديمقراطية المزيفة.. لكن الأمريكان بالتأكيد لن يعترفوا بهذه الحقيقة وستدفعهم مكابرتهم للسير في عكس اتجاه التيار وهو ما سيقودهم في النهاية نحو منحدر الهاوية الذي سيكون مرتفعاً اكثر من شلالات نياجرا التي يفاخرون بأنها عماد الولايات المتحدة الأمريكية.
آخر تغريدة لترامب قد تغنينا عن أي تحليل لما سيحدث في الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل القريب والتي قال فيها “بينما استعد لتسليم السلطة الى إدارة جديدة اريدكم ان تعلموا أن الحركة التي بدأناها ما زالت في بدايتها”..!
ليس علينا أكثر من أن نقف ونتابع معركة الأمريكان مع انفسهم ومع الفيروس العجيب الذي يحصد ارواحهم بصمت.