من يشاهد الأحداث الحالية المتعلقة بالعدوان على اليمن يلاحظ أنها تسير بوتيرة عالية جداً، فما كان يحدث خلال أعوام بات يحدث خلال أيام، فمثلاً: الفارق الزمني بين عمليتي إعصار اليمن الأولى والثانية كان بسيطاً جداً، بينما منذ أعوام ونحن ننتظر اللحظة التي سيتم فيها إعلان تكرار استهداف الإمارات، كما أن قيادتنا تجاوزت مراحل توازن الردع ووجهت ببدء تنفيذ الخيارات الاستراتيجية بشكل تدريجي.
وكانت البداية هي استهداف قاعدة الظفرة بالتوازي مع استهداف منشآت حيوية في العمقين السعودي والإماراتي. وهذا معناه أن أحرار اليمن انتقلوا من مرحلة إيلام الأدوات فقط إلى إيلامهم هم وأسيادهم. وبغض النظر عن حجم الخسائر البشرية والمادية في قاعدة الظفرة إلا أن الخسارة المعنوية والمآلات السياسية لهذه الضربة كبيرة جداً، فمجرد الجرأة والإقدام على ضرب قاعدة تعج بالقوات الأمريكية فهذا وحده يجعل العدو يعيد حساباته، ولربما كان سبباً في تغيير سياسات أمريكا في المنطقة ككل للحيلولة دون تكرار الضربة وتكرار سقوط أعتى قوى الشر والظلام العالمي، علماً بأن القاعدة تعتبر المقر الرئيسي للقوات الأمريكية في المنطقة وتحتضن ما يقارب 3500 ـ 3800 جندي أمريكي، بالإضافة إلى الفرقة الجوية الأمريكية رقم (308) وسرب الاستطلاع رقم (99) المسؤول عن توفير المعلومات الاستخباراتية للقيادة الأمريكية، وتضم أكثر من 60 طائرة حربية واستطلاعية ومتخفية، كما أنها واحدة من أكبر قواعد طائرات التجسس الأمريكية حول العالم.
والأهم هو أن القوات الجوية الأمريكية احتمت من الضربة في ملاجئ القاعدة، وهو ما يؤكد عدم قدرتها على التصدي للهجوم، وهذا يؤدي حتما إلى إسقاط هيبة وهيلمان أمريكا التي يراها العالم الخانع حامي الحمى، فهذا وحده انتصار عظيم وقد يقود إلى تحول جوهري ومحوري في المنطقة وليس فقط بشأن اليمن، ومع ذلك اعتبرناها ضربة تحذيرية، فكيف سيكون الأمر عندما تكون ضربات تدميرية؟
وهذا هو الشيء الذي لا تريد أمريكا وتحالفها الشيطاني الوصول إليه، فتلك الهيبة والهيلمان لم تسقطها دول عظمى، فكيف سيكون وقع ذلك عندما تسقطها دولة عملوا منذ عقود على إضعافها وإفقار شعبها وإنهاكهم، بالإضافة إلى أنها دولة معتدى عليها منذ سبعة أعوام وتعاني حصاراً خانقاً؟!
ما حدث أشبه بالمعجزة. والجدير بالذكر هنا أن رد الفعل في هذه الحالة لن يكون كردود الفعل السابقة، لأن الضرر لم يقتصر على الأدوات، سواء السعودية أو الإمارات، فالأدوات لا تملك قرارها حتى لو وصل بها الضرر إلى حافة الانهيار، أما الرؤوس المتحكمة فهي أولاً صاحبة القرار، وثانياً لها حسابات أخرى قائمة على المصلحة، وهذا وحده كفيل بتغيير المعادلة، وبالتالي تغيير المسار كلياً بما يفضي إلى توقف العدوان لعدة أسباب، أهمها:
1 ـ القدرة العسكرية التي وصل إليها اليمن وما بات بمقدوره أن يفعله بفضل الله عز وجل ثم بفضل قيادتنا الحكيمة متمثلة بقائد الثورة (سلام الله عليه) ومن معه من المخلصين.
2 ـ التغير الكبير في استراتيجية الرد اليمني، بمعنى الانتقال من مراحل توازن الردع إلى تنفيذ الخيارات الاستراتيجية، وهي خيارات سيتم تنفيذها واحداً تلو الآخر إلى أن نرى النور والانفراج.
3 ـ فشل تحقيق أي انتصار من قبل الأدوات (السعودية والإمارات) وأدوات الأدوات وعلى رأسها ما تسمى "قوات العمالقة"، وهي الكرت الميداني الأخير لدول تحالف العدوان.
4 ـ استمرار المعارك البرية والضربات اليمنية الجوية يعني استمرار الاستنزاف المادي والبشري وما يصاحبه من خسائر جغرافية.
5 ـ التصريح الأخير لوزير الدفاع اليمني، والذي قال فيه بأن كل ما سبق كان عبارة عن رسائل تحذيرية وفي حال استمر العدوان فإننا سنضطر إلى اتخاذ قرار استراتيجي يؤلم ويرعب دول العدوان وأسيادهم بشكل كبير جداً.
لذلك شهدنا مؤخرا تخفيضاً في التصعيد، وقد أعلنت عن ذلك بشكل رسمي مندوبة الإمارات في الأمم المتحدة، كما أن الوساطات لم تتوقف وذلك في إطارين:
الأول: هو وساطات خاصة بالإمارات التي تريد أن تتوقف القوات اليمنية عن ضرب العمق الإماراتي، كما أنها أيضاً تطلب إعادة السفينة "روابي" مع طاقمها، وفي هذا الإطار علينا أن نكون حذرين جداً، وألا ننخدع بالوعود الإماراتية، ويجب أن يكون لنا شروط يتم تنفيذها بشكل مرئي وواضح وملحوظ، وأهمها:
1 ـ انسحاب كافة القوات الإماراتية من كل الأراضي اليمنية وعلى رأسها الجزر اليمنية.
2 ـ وقف كل أنواع العدوان الإماراتي وهي كثيرة ومنها القصف الجوي، والحرب الاقتصادية، وسياسة التجويع وتدمير العملة، ودعم المرتزقة والخلايا التخريبية والجماعات الإرهابية والعصابات بشتى تخصصات إجرامهم (اختطاف أطفال، شبكات دعارة، تجارة الأعضاء البشرية، ترويج حشيش ومخدرات، لصوص، قطاع طرق... إلخ)، كل هذا يتم برعاية الإمارات وإشراف بريطاني صهيوني.
3 ـ التوقف عن نهب الثروات بكل أنواعها (النفطية والغازية والمعدنية والسمكية... إلخ).
أما عن الإطار الثاني: وساطات تخص تحالف العدوان بشكل عام، وهي وساطات تطلب إعلان وقف إطلاق النار بشكل كلي.
وفي هذا الإطار مطلبنا هو حل القضايا الإنسانية وفصلها عن الجانب العسكري والسياسي، وعلى رأسها فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء بدون شروط مع موافقتنا على استمرار تفتيش السفن على أن ينتقل فريق التفتيش من جيبوتي إلى ميناء الحديدة بحيث يكون ذلك ضمانا لعدم احتجاز السفن بعد تفتيشها وحصولها على التصريح بالتفريغ.
وبعدها يتم إعلان وقف إطلاق النار ثم الذهاب إلى مفاوضات، وهذا ما أوضحه وشدد عليه قائد الثورة عند لقائه بالوفد العُماني الذي جاء للغرض نفسه، وهو بحث إمكانية إعلان وقف إطلاق النار.
أما عن المفاوضات للوصول إلى الحل النهائي فيجب البدء بجميع القضايا الإنسانية التي لم تحل قبل إعلان وقف إطلاق النار. وعند الحديث عن التعويضات وإعادة الإعمار يجب ألا نغفل أبداً عن الأضرار الجانبية وغير المباشرة التي تسبب بها العدوان، فمثلاً ما تسبب به العدوان عند احتجاز سفن الوقود لا يقتصر الضرر على الغرامات فقط، وإنما يشمل ما لحق بالمنشآت الحكومية والقطاع الخاص وما لحق بالمواطنين من أضرار ناتجة عن شحة الوقود وانعدامه وارتفاع أسعاره بشكل خيالي.
ومثال آخر، انقطاع المرتبات بسبب إجراءات العدوان في تجفيف الموارد المالية ونقل البنك المركزي وما إلى ذلك من الجرائم والمخالفات الجسيمة، فمعالجة الضرر هنا لا تقتصر على إعادة وصرف المرتبات المنقطعة فقط، وإنما هناك تعويضات يجب دفعها لجميع الموظفين الذين انقطعت مرتباتهم، فهذا تسبب لهم بكثير من المشاكل والأضرار الأسرية والنفسية، وأيضاً يجب احتساب المرتب بحسب القدرة الشرائية بما يتساوى مع سعر صرف الدولار وقت الانقطاع كما يجب عدم الأخذ بالنصف راتب الذي يصرف كل ثلاثة إلى خمسة أشهر واعتباره معونة اجتماعية أو بدل انتقالات، أيضاً يجب احتساب كل التسويات الوظيفية المستحقة منذ بدء العدوان والتي لم يتم تنفيذها بسبب العدوان ومآلاته الكارثية على خزينة الدولة وعلى المواطن، والأمثلة كثيرة فيما يخص الأضرار الجانبية وغير المباشرة.
والعدو ملزم بالتعويضات بشكل كامل وإعادة الإعمار، كما أنه يتحمل المسؤولية الجنائية أيضاً عن كل ما ارتكبه من جرائم ومجازر وانتهاكات بحق اليمن ولا يقتصر الأمر على التعويضات فقط.
نحن بفضل الله عز وجل في موقف قوة وعلينا أن نستثمر ذلك ونستغله في إطار الوصول إلى التحرر والاستقلال والسلام العادل والشامل. والله الموفق والمستعان.
* نقلا عن : لا ميديا
طباعة الصفحة
مقالات ضدّ العدوان
فيسبوك 
تويتر 
يوتيوب 