"في أجواء ذكرى النصر الإلهي في تموز 2006، وبمشهدية تعكس صورة البأس الشديد من قوة وعزم وجهوزية وتخطيط، تعرض المقاومة الإسلامية فاصلاً بعنوان "لا غالب لكم"، يحاكي مراحل اقتحام موقع صهيوني وسيطرة المجاهدين عليه بالكامل ورفع راية حزب الله على دشمه وسواتره، وصولاً إلى تدمير الموقع الصهيوني وتحويله إلى ركام على رؤوس المحتلين، وإزالته من الوجود".
في رسالة استثنائية في الشكل وفي المضمون وبتوقيت استثنائي يعيشه الكيان، جاء نشر حزب الله
لـ
فيلم
يحاكي عملية اقتحام نفذها مجاهدوه لموقع حدودي محصن للعدو الاسرائيلي، ليحمل بالاضافة للبعد الوجداني لنشر المحاكاة في زمن ذكرى انتصار تموز عام 2006، عدّة أبعاد حساسة، لا بد من التوقف عندها والإضاءة عليها، وهي:
رسالة صادمة من ضمن الحرب النفسية التي يشنها حزب الله على العدو الاسرائيلي، والتي بدأت في تصريح سابق لأمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله بأنه سوف يأتي الوقت الذي تطلب فيه قيادة المقاومة من مقاتليها الدخول إلى الجليل المحتل وتحرير منطقة محددة منه والسيطرة على مستوطنة أو على بقعة عسكرية معينة، لتتواصل هذه الحرب النفسية في عدة أوجه أيضًا، ومن ضمنها مناورة "العبور" التي كانت محاكاة لعملية عبور واسعة لبقعة حدودية داخل فلسطين المحتلة والاشتباك مع العدو وأسر بعض جنوده، لتأتي اليوم محاكاة اقتحام موقع حدودي محصن للعدو، لتزيد من الضغوط النفسية على هذا العدو.
في البعد العسكري والعملاني، حملت المحاكاة كل التفاصيل التقنية والتكتية التي يمكن أن تتضمنها مناورة اقتحام موقع محصن، من إطلاق مجموعات المهاجمة من أنفاق غير محددة المكان، ولكنها بدت قريبة جغرافيًا من الموقع الهدف، إلى نشر مجموعات الدعم والمساندة القريبة والمباشرة أو المساندة البعيدة، إلى إظهار أسلحة وقدرات نوعية خاصة بعمليات الاقتحام، واظهار مناورة التقدم نحو الهدف واقتحامه بعد فتح ثغرة في الشريط الشائك والاشتباك مع حاميته، فالسيطرة عليه وتدميره بعد زرع راية المقاومة والدوس على علم وحدات العدو الخاصة "غولاني".
من خلال هذه المحاكاة أيضًا، هناك رسالة مهمة للعدو مفادها أن جانبًا كبيرًا من مخططات المقاومة ومن الإجراءات التي يتم التدرب عليها، هي عمليات الاقتحام المركزة على مواقع معينة، ومن الطبيعي أن يستنتج المتابعون هنا أن هذا النموذج من عمليات الاقتحام بعد تجاوز الشريط الحدودي ليس عملًا منعزلًا أو وحيدًا، بل يشكل عملًا من ضمن سلسلة واسعة من عدة عمليات اقتحام لعدة مواقع حدودية محصنة، قد تجري ويتم تنفيذها في نفس التوقيت وفي عدة مناطق حدودية.
أهمية وحساسية المحاكاة أيضًا أنها تزامنت مع قضية الخيمتين اللتين نصبهما حزب الله في مزارع شبعا قرب مزرعة بسطرة، واللتين صحيح أن إحداهما تقع في مناطق لبنانية محتلة كانت تعتبرها "اسرائيل" تحت سيطرتها وسلطتها العسكرية، ولكنها عمليًا تمثل إحدى النقاط التي تحفظت عليها الدولة اللبنانية أمام الأمم المتحدة على خط الانسحاب، عند تثبيت عملية انسحاب العدو بعد 25 أيار من العام 2000، ليكون عمل المقاومة في نشر هاتين الخيمتين، وكأنه عملية تحرير لاحدى نقاط التحفظ التي تحتلها "اسرائيل" والبالغ عددها احدى عشرة نقطة، موزعة من الناقورة على الساحل حتى مزارع شبعا وبلدة الغجر المحتلة، والأهم واللافت في هذا الاجراء الذي تقوم به المقاومة في مزارع شبعا المحتلة والذي تواكبت معه عملية المحاكاة اليوم أنه يحصل رغمًا عن العدو وفي مستوى غير بسيط من التحدي له، رغم الضغوط الضخمة التي ترافق هذه العملية داخليًا وخارجيًا، والتي تلامس امكانية تدحرج الأمور نحو اشتباك فمواجهة.
ويبقى المؤشر الأساسي لتبيان القيمة العسكرية والاستراتيجية لأبعاد عملية محاكاة اقتحام موقع العدو اليوم والتي تتزامن مع عملية الخيمتين في مزارع شبعا المحتلة، هو مسارعة الجانب العسكري لدى العدو لإظهار جدية وخطورة اجراءات حزب الله وتأثيراتها السلبية على الكيان أمنيًا وعسكريًا، والضرورة القصوى التي يراها هذا الجانب العسكري العدو، المسارعة بطلبه من قيادته السياسية وقف الخلافات والانقسامات الداخلية واعطاء الأهمية القصوى لمواجهة المستوى الذي وصل اليه حزب الله على صعيد الردع، والذي فرضه اليوم من خلال هذه المحاكاة الاستثنائية، وكأنه يضيف مدماكا آخر في بناء معادلة الردع، والتي تجاوزت موضوع المسيّرات الغامضة والصورايخ النوعية لتصل إلى عمليات اقتحام جدية وواردة لمواقع حدودية من الاكثر تحصينًا، تمهيدًا لدخول واسع إلى الجليل والذي أصبح (الدخول الى الجليل) بنظر العدو وبنظر غيره ايضا بعد هذه المحاكاة، أمرًا واقعًا لا محال.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري