لا رفيق يؤنس وحشة ساعات يومي الثقيلة التي أكابدها بين لفحات الشمس الحارقة أتأمل وجوه المارة بصمت سوى رفيقي الذي يشاركني حياتي القاسية ويقاسمني المكان يومياً، ولو كان ينطق لاشتكى من تلك الهموم التي يحملها قلبي الصغير ولأخبرني بأنها أثقل من أن يتحملها طفل في عمري، صديقي الميزان الذي يتحرق شوقاً مثلي ويتأمل المارة عل أحدهم يقترب وتجتمع تلك الريالات لتفي ثمن شيء أسد به رمقي وأسكت صراخ بطني الخاوي، صديقي الميزان الذي تحمل معي حزن السحب وبكاءها الذي كان يغرقنا في أيام الشتاء الباردة، وشبح الظلام الذي كان يزحف حولي حين يسدل الليل أستاره وتغرق المدينة في الصمت ونظل ننتظر سوياً فلربما قاسى أحدهم من تغير في مظهره فيلتفت إلي وإلى ميزاني فيقترب منا فأحصل على العشرين ريالاً أو الخمسين منه أو أرجع إلى اخوتي خالي الوفاض كما هي العادة.
في هذا اليوم كنت يا ميزاني على موعد لتزن شيئاً من نوع خاص وكنت وحدك قادراً على ذلك، كشرت وحشية المجرمين عن قبح العالم الذي أعيش فيه ولا يرحم وصبوا حقدهم وإجرامهم عليك يا ميزاني، لتزن يا صديقي مقدار ما يحمله البشر من خبث ومقدار المظلومية التي يعيشها أبناء وطني، لتزن حجم الشر الذي يسكن أولئك، وترجح كفة وطن مقصوف وشعب مظلوم مقاوم، صامد، مجاهد.
تلقفت يا ميزاني قبح الظالمين الذين أنهوا البؤس والشقاء الذي افتعلوه بنا وحياة المشقة والجوع التي صنعوها لنا وانتقلنا حيث نستطيع أن نقاضيهم، حيث العدالة تأخذ مجراها، حيث نستطيع أن نثأر للطفولة المذبوحة ظلماً، الطفولة التي سلبوها البسمة والمستقبل وأطعموها الجوع و الفقر، هنا تستطيع أن تزن بشاعة ما اقترفوه من عدوان بحق الحياة على أرضي وأهلي، وتكون خصماً لهم حيث الحق والعدل فقط يقام.
في يومٍ ما كان هناك طفل مع ميزانه يحتضنه ذاك الرصيف على أرض شبعت من الموت، طفل من بلاد الحرب المنسية!.