ظهر في الفكر السياسي في مطلع تسعينيات القرن الماضي مفهوم الدولة الفاشلة أو الدولة المنهارة، وهناك إجماع على أن أول مؤشرات فشل دولة ما يمكن تلخيصه بالآتي:
أن يكون لدى الدولة دستور وقوانين، لكنها عاطلة، وتلوذ السلطة بإدارة الشأن العام خارج صلاحيتها القانونية.
وكل مؤشرات السير صوب الدولة الفاشلة بدأت بالظهور مع سلطة نظام علي صالح مع بداية الألفية الثانية، وقد نبه العديد من الكتاب لهذا المسار، وأكدوا في كتاباتهم النقدية إلى مآلاته الكارثية، بل إن رأس السلطة في مناسبات عدة رد على تصاعد المعارضين لنظامه وهددهم بـ»بعبع الصوملة»، ولسان حاله «أنا وإلا الصوملة» أو «أنا ومن بعدي الطوفان»، واتخذ من خشية الناس الطبيعية من «الصوملة» مبرراً لمزيد من ممارساته القمعية (حينها كتب أستاذنا الراحل الدكتور أبوبكر السقاف مقالين نقديين للنظام أحدهما بعنوان «بعبع الصوملة»، والآخر بعنوان «مرة أخرى بعبع الصوملة»، منشورين في كتابه «دفاعا عن الحرية والإنسان»، ص269-274 ).
لقد بذر نظام صالح بذور الصوملة واتخذها ركناً من أركان حماية نظامه يلوح به للناس على قاعدة «هدده بالموت يرضى بالحمى».
عندما يتسنم الدولة قادة طغاة ومستبدون فإنهم مع مرور الوقت يفرغون سلطتهم من كل معنى سياسي، لأن إدارة الشأن العام بالاستبداد تكون نقيض إدارته بالسياسة، وإدارة الشأن العام بالاستبداد تصادر كل قيم ومفاهيم السياسة، (أرسطو: «الاستبداد نقيض السياسة»)، فلا تكون الثورة ثورة ولا الجمهورية جمهورية ولا الدولة دولة ولا الوحدة وحدة... إلخ.
وعليه فإنه لكي تستقيم أوضاعنا اليوم ينبغي العودة إلى حقل السياسة، فهو حقل كريم لن تتعافى الدولة وتخرج من فشلها إلا من خلاله، في حين أن تكرار أو محاكاة النظام السابق بسلوكه وطريقة إدارته والإصرار على فشل الدولة، لا يهدد بقاءها وحسب، وإنما يهدد وجودنا الجمعي.
* نقلا عن : لا ميديا