هناك من الناس مَن يعيش الانحراف السلوكي، فيتحرك في جميع مواقع الحياة، وينطلق في كل مواقفه وآرائه ونظرته للناس وتعامله معهم على أساس الطغيان والظلم والتعدي على حدود الله، محولاً نعمة الله عليه بالغنى المادي، إلى نقمة على كل مَن حوله، نتيجة شعوره بعظمة شخصيته، فيأخذه الاستعلاء والتكبر إلى دروب ومواقف وأفكار وقرارات وأحكام وأساليب لا تنسجم مطلقاً مع الفطرة الإنسانية، وتجرده من كل انتماء لدين أو مبادئ أو عادات حميدة، وتنفي عنه كل المنطلقات الإيمانية، فيصبح أبعد ما يكون عن التواضع، وأشد الناس قسوةً على الناس، بحيث لم يعد يشاركهم همومهم، ولا يتضامن مع أحد، أو يشعر بالرحمة تجاه أحد، لاعتقاده أنه الوحيد مَن يمتلك الكرامة الإنسانية، أما ما عداه من أبناء المجتمع فلا كرامة لهم ولا اعتبار لوجودهم بميزانه، لذلك لا تجد له من دور سوى قتل كل المبادرات الرامية لابتعاث مجتمع يقوم على أساس الاتحاد الروحي والفكري، الذي متى ما تحقق استطاع المجتمع النهوض، كون جميع أفراده ومكوناته سيكونون شركاء في كل الأمور التي تعنيهم، سواء الخاصة، أو العامة.

لقد جهل هؤلاء وظيفة ما لديهم من نعمة موفورة، وغنى فاحش، فاتجهوا لإفساد الحياة وتدميرها، بدلاً من إصلاحها وتعميرها، فلا تجدهم في أي ميدان يخدم التكافل الاجتماعي، ولا تراهم يعينون فقيراً أو محتاجا، متناسين أن المال الذي بأيديهم أمانة الله لديهم، ولا بد من معرفة كيفية استثماره، بما يجعله طاقة للبناء والإنتاج، وعاملا من عوامل الحفاظ على استقرار المجتمع وأمنه، ووسيلة لتحقيق توازنه، وتقوية كل الروابط والصلات بين جميع بنيه، فالمال لو كانوا يعقلون: شيء أساسي ضمن مسؤوليتهم الكبرى التي تراعي مشاعر الناس، ولا تسيء إليهم، بقول ولا بفعل.

وليتهم يعون طبيعة ما ينتظرهم من عقاب، جراء بقائهم في غفلتهم عن الله، وتماديهم في الطعن بالناس بمختلف الوسائل التي تمس كرامتهم، وتحطم نفسياتهم، إذ المال لن يمنحهم الخلود، ولن يمنعهم من الموت، مهما بلغ مستواه وحجمه، ومهما اتسعت مصادره وموارده، فالكل سيموت.