تعود علينا ذكرى الشهداء هذا العام مثل كل عام، ولا يزال أشرف الناس يقدمون أعظم التضحيات، وأسرهم تحذو حذوهم بمواقف عظيمة لتظهر لنا من أي بيئة طاهرة جاء هؤلاء، فيما يظل الجبناء والمنحطون في أماكنهم يتغامزون على الشرفاء، وينتقدون الأوضاع بشكل مستمر، ويتذمرون بلا انقطاع، وكأن الآخرين خُلقوا لخدمتهم وإبهاجهم!
أسر الشهداء هم الأكثر تضحية بعد الشهداء أنفسهم، ومن المؤسف أن هؤلاء يظلون الأكثر معاناة من الحرب النفسية اللعينة التي تشن عليهم بغرض التقليل من شأنهم، أو لجعلهم يضعفون ويشعرون بالخسارة، ولا دور يذكر هنا للجهات المعنية بشأنهم. وأنا هنا لا أتكلم عن الإحصائيات، بل عن الاستماع لشكوى أسر الشهداء أنفسهم.
يا سادتي، أين مرتبات الشهداء؟! أين حقوقهم التي في أعناقنا نحو ذويهم ومن كانوا يعولونهم؟! أين زيارات التفقد والاهتمام والتعاون التي كانوا يحظون بها في الماضي، والتي رغم ضعفها فإنها اليوم قد اختفت، وتم الاكتفاء ببعض الزيارات في بعض المناسبات وتوزيع الدروع، بينما هناك أسر تشكو إلى الله ما تعانيه من إهمال وإجحاف وحاجة؟!
في الماضي، قدمنا مقترحاً أن يكون هناك وقفة جادة مع هذه القضايا، وأن يتم حلها بشكل عاجل، لما تمثله هذه القضية من بعد إنساني، وتأثير كبير على الواقع أيضا، خاصة وأن هناك الكثيرين من المقاتلين في جبهات العزة والكرامة، وكلنا سمعنا عن الاستهداف الممنهج الذي تتعرض له أسر الشهداء والمرابطين من قبل بعض المنظمات، وكذلك التعامل الحقير من قبل مرضى القلوب والسفهاء، ورغم كل هذا فلا تقدُّم يذكر، خاصة مع ازدياد عدد الشهداء والأسر المكلومة!
لنجعل هذه الذكرى مختلفة يجب أن نغير واقع أسر الشهداء. ولكي ننعم براحة الضمير فيجب أن نحل مشاكلهم، ليشعروا بعظيم قدرهم وتضحياتهم العزيزة. وكما كرم الله الشهداء بمنزلة عظيمة، فلا بد لنا أن نكرم أسرهم بما يليق بهم وبمشاركة المجتمع بأكمله؛ فلولا تضحيات هؤلاء الأعزاء ما نعمنا بأمن وعيش كريم.
أول خطوات هذا التكريم هيعبر صرف مرتباتهم شهريا ودون انقطاع. ولأجل هذه الغاية يتم جمع هذه المرتبات ولو عبر تخصيص مشاريع لهم، وعبر لجنة متخصصة لتحقيق هذا الهدف. وفي حال وجد نقص يتم تخصيص جزء من أموال الزكاة لهذا الهدف، فالاكتفاء بحقيبة مدرسية وسلة غذائية سنوياً ليس تكريماً أبداً.
أما الخطوة الثانية فتتمثل بضرورة تحديث وتوسيع نشاط مؤسسة الشهداء. فعلى ما يبدو أنها تبذل قصارى جهدها، ولكن هذا الجهد غير كافٍ بالمرة، وابتداء بكوادر هذه المؤسسة ووصولا لتوفير ما يحتاجه العمل فيها. لا بد أن تتغير لتصبح مؤسسة تليق بأسر الشهداء العظماء. وهناك تجارب مميزة في دول أخرى ولا بد لنا أن نستفيد منها.
بعد أن نحقق هذه الأهداف، ونحل كل المشاكل المتعلقة بها، فعندها يحق لنا أن نتذكر الشهداء بضمير مرتاح، وننهل من مدرستهم الخالدة ما نشاء.
السلام على الشهداء العظماء، وعلى أسرهم الأوفياء، وعلى من انتهج نهج الكرامة والإباء... لن ننساكم أبدا يا أشرف الناس. ونسأل الله أن نظل ثابتين على نهجكم حتى نلقى الله وهو راضٍ عنا وعنكم، وأن يوفقنا الله لخدمة ذويكم كما يليق بجنابكم، ولا جعله الله آخر عهدنا بزيارتكم وتفقد أسركم!
* نقلا عن : لا ميديا