لا إمكانية لإحياء أمةٍ، واستعادة وجود، وإقامة حق، وتعميم عدل، وإيجاد بنىً راسخة في كل المجالات إلا متى ما استطعنا توظيف كل ما نشهده من مجازر مروعة، وتنكيل غير مسبوق بحق فلسطين الأرض والإنسان والحجر والشجر على أيدي أراذل الخلق من اليهود الصهاينة وحكومات الاستكبار بقيادة الشيطان الأكبر أمريكا، توظيفاً ينطلق من واقع المظلومية التي تعيشها غزة وكل فلسطين، ويسعى جاهداً لتأكيد وترسيخ وتدعيم كل الحقائق التي اكتتبها الدم المسفوك ظلماً، وشكلت الأشلاء المتناثرة، والأجساد المتفحمة، والمباني التي باتت أثراً بعد عين أبوابها وفصولها كروايةٍ لا حدود لانتهائها، لكونها خلاصة ما بلغه الحال العربي والمسلم من تردٍ وانحطاط، وضلالة وغفلة وقلة حياء، وموت للكرامة والشرف والإنسانية ضميراً وخُلقاً، ومَن رأى بالأمس القريب بعض أمراء مشيخات البترودولار وهم يستقبلون رئيس الكيان الصهيوني القاتل المجرم المحتل، الغارق بدماء أطفال ونساء غزة، بكل حفاوة وترحاب، ويعانقونه معانقة الحبيب لحبيبه، هاشين وباشين في وجهه؛ يدرك تماماً مدى ما بلغه الواقع من خسة ودناءة وقلة دين، وسفالة ووضاعة، تجسدت جميعها بتلك الشخصيات، وعبرت بكل وضوح عن طبيعة النظام العربي الرسمي، وما يحمله من ثقافات ومشاريع، وما يقوم به من مهام وأدوار داخلياً وخارجياً.
ولكن لا يكفي الوقوف على ما تضمنه ذاك المشهد، بل يجب الكشف عما وراءه، والبحث ملياً في العوامل والظروف التي هيأت الشارع العربي لتقبل مثل هكذا مشاهد، والتعامل معها ببرود ولامبالاة، وكأن شيئاً لم يكن. هل لأن العقل العربي بني أساساً على الولاء لهؤلاء الحكام، بعيداً عن كل الاعتبارات القيمية والأخلاقية؟ أم لأن القضية تستند أولاً وأخيراً إلى مسوغات عقائدية، جاء بها سدنة الطاغوت، وقدموها باسم الدين؟ أم لأن العربي كإنسان خصوصاً والمسلم عموماً لم يعد موجوداً على أرض الواقع، إذ تم القضاء عليه باكراً، ومنذ زمن بعيد، أما ما بقي منه فليس سوى كائن حي لا هم له سوى إشباع بطنه، وتأمين أبسط مقومات العيش له ولمَن يعول؟
كل هذه تساؤلات تبحث عن جواب، وعلينا قبل تقديم تلك الأجوبة أن نحاول البحث والتفتيش عن أنفسنا، ومتى ما وجدناها استطعنا تعزيز موجبات وجودها، ولعل أبرز تلك الموجبات هي:
* الثقافة القائمة على أساس قرآني، المؤكدة بحركة ونهضة رسالية، الخالية من الأنا وعبادة الذات، المنطلقة من منطلق الحرية في الاختيار والتفكير، الناظرة للواقع كله بمنظور إلهي. وليس كل مَن ادعى الالتزام بهذه الثقافة صادقاً، لكن يبقى الميدان هو المحك والشاهد.
* العمل على إخراج الإنسان العربي المسلم من كل السجون التي أحاطت به، تحت أكثر من لون أو مسمى، وتخليصه من كل القيود والأغلال التي كبلت حركته وفكره وإرادته.
* السعي لجعل كل ما يتعلق بالعيش الكريم من صحة وتعليم ومسكن ومأكل ومشرب وملبس وسوى ذلك حقاً مستحقاً لكل الناس، ودون قيد أو شرط.
تلك في اعتقادي موجبات وجود إنسان الفضيلة، أو بعضها، هذا إذا أردنا بناء مجتمع فاعل، لا منفعل، قد يصفق لك اليوم، ويهتف باسمك، لكنه غداً وحتماً سينقلب عليك.
* نقلا عن : لا ميديا