إن أزمة الثقة بالله التي عانى ويعاني منها المسلمون؛ قد أنتجت مجتمعات إسلامية عاجزة ومكبلة ومعاقة، تخشى عدوها أكثر من خشيتها لله سبحانه وتعالى، وكلما وجدت في أوساطها حركاتٍ نهضوية ثورية تحررية مجاهدة، تريد استعادة حقوق ومقدسات وأراضي وثروات وكيان الأمة من بين مخالب وأنياب الاستكبار واليهودية الصهيونية بكيانها اللقيط؛ تعالت أصوات تلك المجتمعات بالرفض لكل تلك المساعي، وشاع الهرج والمرج في كل مكان، وزاد الإحساس والشعور بالخوف من ردة فعل الأعداء على ما تقوم به تلك الحركات المجاهدة من أفعال، وتسطره من مواقف نصرةً للحق، ولاسيما في هذه اللحظة الزمنية الفارقة، التي تجلت فيها فلسطين من خلال معركة «طوفان الأقصى» كقيمة عليا، ومبدأ ثابت، وعنوان راسخ لكل معاني الحق والانتماء الإنساني والعروبي والإسلامي، وانقسم على إثر هذا التجلي العالم إلى قسمين؛ عالم الحق وعالم الباطل، كيف لا ونحن نلمس أن كل ما وقع في غزة الباسلة من مذابح بحق النساء والأطفال هي أعظم خطاب يمكن له أن يوغل في النفوس السوية، ويعرفها بحقيقة الكيان اللقيط، والشيطان الأكبر، وكل قوى الغرب المتصهينة، وهي كذلك المضامين التي تستطيع بناء وعي حقيقي، وعيٌ ما كان له أن يحصل ولو سخرنا من أجل بلوغه كل ما لدينا من قدرات وإمكانات، وظللنا نسعى له في عقود من السنين، نعم فها هي الأيام التي مرت من عمر المعركة قد بنت وعياً عالمياً، تجلت وتتجلى نتائجه في كل بقاع الدنيا.
ولكن يظل فهم المسلمين على الأغلب قاصرا عن استيعاب كل هذه المعاني، لكونهم صاروا عبيد دنيا، لا يثقون بالله، ولا يملكون أدنى وعي أو قناعة بمعتقداتهم الدينية الإيمانية، لذلك لا يعون معنى المدد الغيبي، والرعاية والعناية الإلهية، وما يتداخل مع هذه الأسس من ألطاف وتسخير من قبل الله لعباده، وذاك ما وجدناه في كل المعارك والحروب بين قوى الجهاد والمقاومة في فلسطين ولبنان، وبين الغدة السرطانية، وإن اتسعت هذه الفجوة بين المسلمين وعقائدهم أكثر اليوم في الحرب على غزة، ولو أن هذه الفجوة لم تكن موجودة لأدرك المسلمون أنهم في ظل معركة ظهر فيها الاستراتيجي المادي الكافر بالله، ليواجه الإنسان الرباني، ومادام الأمر كذلك فإن النصر سيكون في هذه المعركة للرباني ودون شك، وحتى وإن كان هذا المادي المستكبر الكافر بالله يملك كل مظاهر القوة والقدرة والعلم، التي توحي لعديمي الثقة بالله؛ أنه يملك كل ما يستطيع من خلاله التحكم بوجود ومصير البشرية.
من هنا ومن منطلق إيماني؛ ندرك أن غزة ستنتصر، تلك حقيقة واقعة لا محالة، فقد أثبتت التحولات التاريخية الكبرى، التي جرت وتجري وفق سنن الله الحاكمة للكون كله؛ أنه في اللحظات العصيبة؛ تتحقق التحولات الوازنة، والتغيرات الفارقة، والنقلات النوعية المبهرة لأهل الحق، كنتيجة طبيعية للتدخل الإلهي، والمدد الغيبي. وعليه فستسقط كل حسابات قوى الاستكبار، ودون أدنى شك أو ريبة في ذلك.
هكذا هي المعارك بين الشيطان الأكبر وكل الشياطين الموجودة في زماننا، وبين الله وجنده وأوليائه وحزبه وأنصاره، وكل ما تراه العين من جرائم، وتسمعه الأذن من كذب وزيف وتلبيس وتضليل يؤكد أنها حربٌ بين الله وبين الشيطان، وكل تفسير لما يجري يعمل على إغفال هذا البعد؛ لن يبني معرفة حقيقية وفاعلة، ولا يمكن له إيجاد وعي وبصيرة يقودان نحو تحقيق الثبات والصواب والاستقامة للواقع الإسلامي.
* نقلا عن : لا ميديا