دأب بعض الساسة والمسؤولين عندنا على ادعاء العصمة لأنفسهم بقصد أو بدون قصد، وذاك ما يتضح من خلال طرحهم في اللقاءات والمقابلات التي تجريها معهم وسائل الإعلام، فإذا ما ووجهوا بقضايا فساد، وتم مكاشفتهم بوجود أخطاء كارثية قاتلة، وتسيب وتساهل مريب في أكثر من جانب، ومع أكثر من ملف؛ أقسموا بالله جهدَ أيمانهم؛ إنهم أطهر مَن أظلت السماء، وأقلت الغبراء؛ وإنهم لم يقصروا في أداء واجبهم الذي يقتضيه مبدأ الوعي بتحمل المسؤولية على عاتقهم، والتي هي أمانة الله عندهم باعتبار أنهم ينطلقون من منطلق إيماني؛ وإنهم لم يشهدوا فساد فاسد، وأنّى لهم أنْ يُفسدوا كما يقولون في ظل العدوان والحصار، وقلة الموارد؟ وهم بالكاد يجدون ما من شأنه أن يوفر للشعب ولو جزءا بسيطا من الخدمة! وعليه فلا قصور ولا اختلالات ولا محسوبيات ولا عبث، ولا مظالم، ولا شللية، ولا وضع مزر، وكل كلام بهذا الخصوص هو كلام عارٍ عن الصحة، يصدر عن موتورين ومأزومين ومرضى نفسيين، وطلاب مصالح، وكارهين للثورة، حاقدين على رجالاتها، مشتغلين مع المعتدين!
وليت الأمر وقف عند هذا الحد من الطنطنات الفارغة والادعاءات الجوفاء بالكمال والعصمة! ولكن لا مكان للتمني في ظل وجود حكومة التصريف التي ليس في قاموسها الاعتراف بالفشل، وإدراك جوانب النقص والخلل والضعف والقصور، والشجاعة والنبل اللذين يجعلانها قادرة على مكاشفة نفسها والشعب بأخطائها وعثراتها ومساوئها.
لقد قال ذات يوم أحد مسؤولينا معاتباً الشعب اليمني على تنامي حسه الثوري، وتعاظم إرادته على الرفض للفساد، والاحتجاج على كل مظاهر الميل عن النهج والخط الجهادي الثوري: لقد صبرتم على عفاش ٣٣ عاماً، فلماذا حينما آل الأمر إلينا؛ واجهتمونا بالجزع، وعدم الاستعداد لتقبل التعايش مع ما نحن عليه بحلوه ومره، وعدم غض الطرف عن أخطائنا التي لا تساوي شيئاً مقابل أخطاء ومفاسد وظلم وتجاوزات عفاش وزبانيته؟! فتحملونا واصبروا علينا كما صبرتم عليه. هكذا قال بمعنى كلامه، وهذا مؤشر مخيف ومفزع حينما نتناوله من منظور الثقافة القرآنية، التي تقرر أن الاعتراف بالأخطاء، والعمل على تفادي الوقوع بها مرة أخرى، والحرص على معالجة الآثار والتبعات التي خلفتها؛ علاماتٌ على صدق الإيمان، وشواهد من شواهد البقاء في السير مع الله والانقطاع إلى ما يرضيه دون سواه. أما محاولة الإخفاء لهذه الأخطاء، وعمل كل ما من شأنه أن يدفع لتقبلها، والتعاطي مع أصحابها بإيجابية، بل وحمايتهم والدفاع عنهم فهو أبو وأم كل مفسدة وكبيرة وضلالة وانحراف وإثم؛ لأنه سيقضي على المشروع الرسالي، ويشوه الحق، ويغري الطغاة والمجرمين بالعودة إلى التسلط والاستعباد للناس مجدداً.
إن السكوت عن الخطأ في مسيرة المؤمنين العملية والفكرية وتوجههم الشامل لبناء الحياة؛ أمرٌ مرفوضٌ قرآنياً، سواء كان هذا الخطأ صغيرا أو كبيرا لا فرق؛ لأن الإصرار على الخطأ أياً كان سوف يصبح في ما بعد مسوغا لإيجاد ثقافة مهيمنة، تحرف المسار، وتفرغ وتعطل المشروع من الداخل.
* نقلا عن : لا ميديا