لقد قدم سيد الثورة يحفظه الله والمجاهدون شهادتهما أمام الله والتاريخ والناس؛ على عظمة القرآن الكريم في الفاعلية والتأثير والبناء الروحي والمادي، وقدرته على إحداث نقلة نوعية في حياة وواقع الملتزمين به كثقافة ومنهاج عملي، فهو الكتاب الذي لا بد أنْ ننطلق منه لفهم الكتاب الكوني المنظور، والأساس الذي من وحي آياته انطلقت المواقف القوية، وبرزت المشاركة الفاعلة لليمن في معركة طوفان الأقصى، إذ بنوره انقشعت كل الظلمات، وبمنطقه ونظرته الشاملة تلاشت كل الآراء والمذاهب والكتب الفقهية والأصولية، وانهارت كل القلاع والحصون والحواجز التي حالت دون اكتمال النضج الفكري والديني والاجتماعي والسياسي للذات اليمنية، وعملت على إيجاد توجه عام يدفع باتجاه عبادة المذهب أو الفقيه، فحين سطع نجم الحسين البدر رضوان الله عليه في الآفاق دل السالكين على صراط الحق، وأرشدهم إلى الله، فكل الأقوال تسقط أمام الذكر الحكيم، ولا كتاب ولا فقيه ولا مذهب يمكن له أن يقوم مقامه، ويبني النفوس والواقع كما يجب سواه، فهو المرجع والحجة، وهو القطب والمحور، ومن خلاله ستعرف مَن هم أولياء الله، والأدلاء على دينه فتتولاهم، وتقتفي أثرهم، وستعرف مَن هم أعداؤه فتبغضهم وتعاديهم وتقف لهم بالمرصاد في كل الساحات والميادين التي يتحركون ويعملون فيها على تدمير الحياة والإنسان.

نعم إنه يمن الإيمان، الذي فتح له الشهيد القائد بوابة السير والكدح إلى الله، ووضع بين يديه بلسانه ومداده ودمه مقومات بلوغ الكمال بأسمى معانيه وأرحب آفاقه، وذلك بأنْ قدم له الثقافة القرآنية كمشروع عملي، ثم أخذ بيده سيد الثورة أبو جبريل، وبذل ما بذل في إخراجه من كل ما هو فيه من ضعف وفقر وانهزامية وعزلة وشعور بالغربة والدونية، واستسلام لمشيئة وإرادة الظالمين والمستكبرين بحجة انعدام القدرة على الوقوف بوجوههم، والدخول في معركة معهم نصرةً لدين الله والمستضعفين، وانقيادا وتذللا لنظام وحكومات الوصاية والعمالة بحجة الحفاظ على المذهب، ولكي يسمح لفلان بالتدريس، ولا يقام حظر على الأذان بحي على خير العمل؛ إلى أنْ أصبح هذا الوطن نداً لأمريكا، بل وقادراً على هزيمتها بفضل الله في معركة البحار، نصرةً لفلسطين أرضاً وإنساناً.

وعليه؛ فلا يحق لأحدٍ أن ينسب هذا التحول الكبير، والتغير المبارك لمذهبه أو لطائفته، فلو أن تلك المذاهب والطوائف كانت فعلاً على قدر عالٍ من الارتباط والثقة بالله، والالتزام والتمسك بكتابه؛ لاستطاعت منذُ ٣ قرون ونصف أن توجد نهضة حضارية وعلمية، بدلاً من العزلة على ذاتها، وترك الساحة للمستكبر يفعل بها ما يريد، وتأبيد حالة العجز والافتقار إلى ما لدى الآخر، واعتبار كل العلوم الإنسانية والطبيعية والرياضية علوم كفر وضلال، وإلهاء الناس بمسائل أصول الفقه وعلم الكلام، وكتب الطهارة والصلاة.

لقد كنا نعتقد أن النزوع لخطف الأضواء عن الأبطال الحقيقيين، بغرض إعادة التموضع مجدداً على قمة العزة والكرامة، والتسويق للذات كونها مَن صنعت هذا التحول والنصر؛ مسألة خاصة بالمزريين، لا يشاركهم فيها أحد، إلى أنْ بدأ الفقهاء والمتمذهبون يطلون برؤوسهم على استحياء، مستشهدين بقول هذا أو ذاك من البعيدين عن المشهد، والذي مفاده: إن أتباع المذهب الفلاني هم مَن صنعوا لليمن كل هذا المجد والسمو والعزة والشرف!

ولكي لا يصدقوا أنفسهم؛ قولوا لهم: إن صناع كل هذا المجد هم رجال الله، أبناء المسيرة القرآنية التي تضم الزيدي والشافعي والإسماعيلي والصوفي والجعفري وسواهم، وكلهم لله، قائدهم قرين القرآن سيد الثورة، وكفى بذلك شرفاً.