قد يشعر الكاتب أو المثقف باليأس من إحداث أي تغيرٍ على أرض الواقع، لاسيما وهو يرى أن هناك مَن يتعاطى مع كل ما يطرحه من أفكار، ويقترحه ويقدمه من حلول ومعالجات ونصائح بطريقة عكسية، وينظر إليه المعنيون بتحمل المسؤولية نظرةَ العدو لعدوه، وفي أحسن الأحوال يتعاملون معه على أنه مجرد مهرج، يأخذون منه ما يصب في تلميعهم وتمجيدهم، ويدعون كلَ ما هو كفيلٌ بتحقيق ما يطمح إلى تحقيقه كل حر على هذه الأرض. ولكن الواجب دينياً وإنسانياً وأخلاقياً على كل ذي قلمٍ ولسان، حمل هم مجتمعه وأمته، وآمن بأن له دورا يجب القيام به مهما كانت الظروف، وأياً كان الثمن الذي سيدفعه، حتى وإنْ كان ذلك الثمن هو روحه وحياته، وقامت حركته كلها على أساس رسالي شامل هو ألا يسمح لليأس بالتسلل إلى ساحته، وألا يقبل على نفسه التراجع أو الضعف أو الاستسلام والعزلة، بحجة أن الناس لا يهتمون بأطروحاته، ولا يتفاعلون مع نصائحه، كما أنه يرى أنه كلما أمعن بالإبانة والتصويب والتنوير والإرشاد والتنبيه للمعنيين هنا أو هناك ازداد الوضع سوءاً، كل هذه الأمور تفرض عليه أن يزداد إيماناً برسالته، وثباتاً على موقفه، واستقامةً على خطه ومسلكه، وتمسكاً بأهدافه.
إن كلمة الحق المشتملة على ما ينفع الناس ستبقى تحفر بجذورها عميقاً في الوعي الجمعي، وتزداد تمدداً وقوةً وتوسعاً، مهما بدا لنا أنها عديمة الأثر والتأثير في الحاضر، بفعل استعجالنا للنتائج قبل أوانها، وعدم تحلينا بالصبر العملي، وإغفالنا لسنة الله في البلاء والتمحيص للمؤمنين حتى يُماز الخبيث من الطيب، وتجاهلنا للحقيقة التاريخية التي أكدها القرآن الكريم وهي أن الحق لا ينتصر إلا بالثلة المؤمنة قليلة العدد، التي يجب أنْ تكون حاضرةَ الذهن والبصيرة والفؤاد في زمن تحول أهل الحق من حالة الضعف إلى حالة القوة، واتساع رقعتهم، وتنامي عددهم وعدتهم أكثرَ من ذي قبل، لأن هنا سيتساقط الكثيرون على ضفاف نهر طالوت، وفي شعاب ومضايق وادي حنين، وسيسيل لعاب حماةِ الحق من الداخل أمام لمعان بريق وجاذبية الذهب والفضة، ويبدؤون بالانسحاب واحداً واحداً من مواقعهم وهم يرددون: الغنائم الغنائم. هنا يأتي دور رجال الكلمة تذكيراً وتأنيباً وتثبيتاً وحثاً وتبييناً وتربيةً وشهادةً لله على الناس.
ولعل أسوأ ما في الكاتب أو المثقف، أو بكلمة أخرى؛ أسوأ الكتاب والمثقفين إذا جاز لنا التعبير هم الذين يجعلون من أقلامهم وألسنتهم وسيلة للتسول، فإذا أعطيتهم كنت عندهم من أفضل وأطهر وأزكى وأتقى الناس، ولو كنت في الحقيقة من أشر وأظلم وأفسد عباد الله! وهم كذلك لا يقولون أو يكتبون كلمةً، أو يتخذون موقفا إلا بعد أن يحسبوا حساب الربح والخسارة، لذلك تجدهم دوماً يفضلون البقاء والتحرك في ظل ذوي السطوة والجاه والنفوذ، ليضمنوا لأنفسهم الحصول على طعام، باعتبارهم مجرد كلاب حراسة لا غير.
* نقلا عن : لا ميديا