يمثل زمن الصمود في وجه العدوان الاستكباري والصهيوأعرابي مدرسةً تفوقت على كل المدارس، وذلك لأن هذه المدرسة استطاعت تقديم المنهج الذي احتوت مواده على كل ما يحتاجه الإنسان فرداً أو مجتمعاً لكي يبني نفسه وينهض بمحيطه وواقعه، ويصنع قوته التي تمكنه من فرض حريته واستقلاله وسيادته أمام كل القوى المجرمة الظالمة التي تسعى للسيطرة عليه واستعباده وتسخيره لخدمتها وسلبه كل مقومات الوجود الآدمي الكريم.
وسوف أحاول في مستهل ما سنستقبله من حديث أن أتوقف قليلاً عند جانب حيوي وبارز لم تخلُ منه مرحلةٌ من مراحل التصدي للعدوان على امتداد السنين السبع من زمن العزة الإيمانية ليمن الإيمان والحكمة، وهو الجانب المتعلق بالبسطاء والكادحين من عامة الناس في مجتمعنا والذين لا شك يمثلون الأغلبية من السكان، هؤلاء على الرغم من أنهم لم ينالوا حظاً من التحصيل العلمي ولم يتمكنوا بسبب الفقر المدقع وشظف العيش أن يكونوا من حملة الشهادات العليا أو سواها، إلا أنهم في ما قاموا ويقومون به من أدوار ويقفونه من مواقف ويعبرون عنه بالكلمة من فكر قد تفوقوا كثيراً على كل أرباب الفكر والثقافة وحملة الشهادات والألقاب والأوسمة، لسبب بسيط وهو أن نفوسهم التي لم يخالطها فساد وظلت على طهارتها بقيت محافظة على الفطرة السليمة التي ما إن التقت بالمسيرة المباركة التي تلتزم القرآن بمفاهيمه ودلائله وبراهينه وحججه وطرائقه وأساليبه إلا وعقلته واقتنعت به وحولته إلى فكر في العقيدة وأسلوب في الممارسة ومنهج للعمل والتحرك.
أما ما الذي جعل هؤلاء البسطاء يصلون إلى هذا المقام ويحوزون كل ما حازوه من منازل الشرف ومراتب العزة والفخار فهو أنهم تلقوا كل تلك القيم وتربوا على كل تلك المبادئ من خلال الارتباط بالقيادة الربانية التي كانت ولاتزال تريهم الحق فكراً وتوعية وتبصيراً وتربية في مقام العمل والحركة وفي ساحة التجربة وميدان التحمل للمسؤولية، فلم يعيشوا الضبابية التي تسكن إلى الخيال، ولم ينعزلوا عن الواقع مكتفين بالفكر التجريدي كما هو حال الدارسين والمتعلمين، بل سمعوا الكلمة التي ترسم حدود الفكرة وتحدد ملامح الحقيقة ورأوا ذلك الحق في الفكر والعقيدة وهو يمتد من عالم المثال والتجريد إلى عالم الحس في أكثر من صورة تتجلى خلالها القيادة الرسالية مع الطليعة المؤمنة والثابتة والأتباع الخُلص وهي تقدم الدروس في كيفية بناء الحياة من واقع الانقطاع إلى الحي القيوم سبحانه وتعالى.
* نقلا عن : لا ميديا